النبي محمد "صلى الله عليه وسلم"

يتواصل تسليط الضوء على سلسلة الأسئلة التي سألها النبي محمد "صلى الله عليه وسلم" لأصحابه رضوان الله عليهم؛ ليعلمنا ديننا، والتي كان هناك أسئلة سألها الصحابة لرسول الله "صلى الله عليه وسلم" وأجاب عنها، وسيتم عرض بعض هذه الأسئلة.

مكانة القلوب
وشدد الرسول صلة الله عليه وسلم على القلوب التي لها مكانة عظيمة لا تقاربها مكانة؛ فالقلب هو محل نظر الله عزوجل، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم". متفق عليه.

وكان النبي "صلى الله عليه وسلم" يخاف على أصحابه وأمته من تحول القلوب وتغيرها؛ فعن أنس رضي الله عنه قال "كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك، قال أنس فقلنا "يا رسول الله آمنا بك، وبما جئت به، فهل تخاف علينا؟"، فقال "نعم، إن القلوب بين أصبعين من أصابع الله - عز وجل - يقلبها". رواه الترمذي وأحمد، وصححه الألباني في مشكاة المصابيح.

أكثر ما كان يحلف به النبي "صلى الله عليه وسلم"

وكان أكثر ما كان النبي "صلى الله عليه وسلم" يحلف به "لا ومقلب القلوب". رواه البخاري؛ والقلب هو سيد البدن، والجوارح جنوده، قال النبي "صلى الله عليه وسلم"، "ألا إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب". رواه البخاري.

وتقليب القلوب الذي جاء به الحديث فيه خوف وأمل، أما الخوف فهو خوف على النفس من انحرافها عن الاستقامة، من الطاعة إلى المعصية، وهذا إن حدث إنما يكون عدلًا من الله تعالى، فإن الله لا يضل من أراد الهداية، ومن هنا قال تعالى: (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا). العنكبوت: 69.

وقال سبحانه "فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم". الصف: 5.

وكانت إرادتهم للشر هي السبب في الانتكاس لا أن الله أضلهم بغير سبب منهم، فالله عز وجل لا يأخذ المطيع من المحراب إلى ميادين المعاصي، ولا يأخذ الموحد من التوحيد إلى الشرك، فعندما يريد العبد الزيغ يعاقبه الله تعالى.

وقال تعالى: (وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ). فصلت: 17.

ولذا؛ كان من أنفع أدعية القرآن قوله تعالى: (رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ). آل عمران: 8.

وأما الأمل في هذا الموضوع؛ فكوننا لا نيأس من هداية العصاة مهما بلغوا، فالله عز وجل قد يقلب قلب العاصي من المعصية إلى الطاعة، فيصير العاصي من أولياء الله عز وجل، ومن أوضح الأمثلة على ذلك ما ورد في شأن سحرة فرعون، فالله في لحظة واحدة جعل سحرة فرعون ينقلبون من سحرة كفرة إلى شهداء بررة: (فألقي السحرة ساجدين * قالوا آمنا برب العالمين). الشعراء: 46 – 47.

واكتسبوا في هذه اللحظات توحيدًا وفقهًا وثباتًا، وهددهم فرعون فقال: (لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ). الشعراء: 49. فلم يؤثر فيهم هذا التهديد، ولم يلتفتوا إليه، بل قالوا أيضًا: (فَاقْضِ مَا أَنتَ قَاضٍ ۖ إِنَّمَا تَقْضِي هَٰذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا). طـه: 72.

ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل صاروا دعاة، ونطقوا بكلام لا يقوله إلا من تضلع قلبه بالعقيدة الصحيحة، فلنقرأ هذه الآيات العظيمة: قال تعالى: (قالوا لن نؤثرك علىٰ ما جاءنا من البينات والذي فطرنا ۖ فاقض ما أنت قاضٍ ۖ إنما تقضي هٰذه الحياة الدنيا (72) إنا آمنا بربنا ليغفر لنا خطايانا وما أكرهتنا عليه من السحر ۗ والله خير وأبقىٰ (73) إنه من يأت ربه مجرمًا فإن له جهنم لا يموت فيها ولا يحيىٰ (74) ومن يأته مؤمنًا قد عمل الصالحات فأولٰئك لهم الدرجات العلىٰ (75) جنات عدنٍ تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ۚ وذٰلك جزاء من تزكىٰ ( (76). طه.

وصفوة القول؛ أن المسلم ينبغي أن يحافظ على قلبه، ففي هذه الأيام الفاضلة من شهر رمضان التي تسهل فيه الحسنات، يسأل الواحد منا ربه أن يثبته على الطاعة، ويدعو بالدعاء العظيم: (ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذا هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب). آل عمران: 8؛ لأن المسلم يجب أن يخاف على نفسه وقلبه من التحول؛ وفي المقابل فلا نيأس من هداية الضالين، بل ندعو الله لهم، ولنا الأسوة بسحرة فرعون، وكفار قريش، الذين كانوا في مواجهة الإسلام، فلما أسلموا صاروا حماة له.

المتحابون في الله
وهناك قلوب المتحابين في الله؛ حيث قال عليه الصلاة والسلام "إنَّ اللَّهَ يقولُ يومَ القيامةِ: أينَ المُتحابُّونَ بجلالي؟ اليومَ أظلُّهم في ظلِّي، يومَ لا ظلَّ إلَّا ظلِّي" (رواه مسلم)

وفي حديث السبعة الذين يظلهم الله في ظله ذكر منهم: «ورجلان تحابّا في اللهِ، اجتمعا عليه وتفرَّقا عليه» (أخرجه البخاري، ومسلم؛ والأخوة في الله لا تنقطع بنهاية هذه الدنيا، بل هي مستمرة في الآخرة، يقول تعالى: {الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ} [الزخرف:67]. إن التحابب في الله والأخوة في دينه من أفضل القربات، ولها شروط بها يلتحق المتصاحبون بالمتحابين في الله. وفيها حقوق بمراعاتها تصفو الأخوة عن شوائب الكدر ونزغات الشيطان. فبالقيام بحقوقها يُتقرَّب إلى الله زلفى، وبالمحافظة عليها تنال الدرجات العلا.