المقابر الجماعية الواقعة في المناطق المحررة

طالبت المفوضية العليا لحقوق الإنسان المجتمع الدولي بدعم العراق في ملف المقابر الجماعية الواقعة في المناطق المحررة، لتكشف عن الفظائع التي ارتكبها تنظيم "داعش" في العراق، مع خسارته التدريجية للمدن والبلدات التي اجتاحها مسلحوه، صيف 2014، وكانت تعادل ثلث مساحة البلد العربي.

وقال المتحدث الرسمي للمفوضية علي البياتي في بيان سابق، إن عمليات تحرير مناطق محافظات نينوى وكركوك وصلاح الدين والأنبار وبابل من سيطرة "داعش" شهدت العثور على أعداد كبيرة من المقابر الجماعية، التي تضم رفات المئات من الضحايا الأمر الذي يتطلب جهوداً استثنائية تفوق الإمكانيات الحالية للحكومة نظراً لكثرة أعداد تلك المقابر.

ودعا البياتي الأمم المتحدة والمجتمع الدولي إلى ضرورة دعم اللجنة العليا للمقابر الجماعية في العراق التي تضم في عضويتها المفوضية العليا لحقوق الإنسان، ومؤسسة الشهداء لفتح هذه المقابر من خلال رفدها بالإمكانيات والخبرات اللازمة، لاستخراج رفات الضحايا وأخذ عينات الـ DNA ومطابقتها مع عينات ذويهم.

ودعا الحكومة المركزية والحكومات المحلية في تلك المحافظات إلى توفير الحماية اللازمة لتلك المقابر، لتأمينها من العبث وعمليات النبش العشوائي لحين إتمام الإجراءات الخاصة لفتحها وفقاً للمعايير الدولية. وعلى مدى أكثر من ثلاث سنوات، خلف التنظيم مدناً شبه مدمرة كانت مسرحاً لمعارك ضارية، فضلاً عن برارٍ تنبعث منها رائحة الموت، وتتناثر فيها عشرات المقابر الجماعية، تضم رفات أفراد أمن ومدنيين حكم عليه التنظيم بالموت في محاكم اعتبرها "شرعية"، ليلقوا حتفهم غالباً برصاصة في الرأس من مسافة قريبة.

ومن آن إلى آخر يعثر العراقيون على مقابر جماعية جديدة لضحايا التنظيم، أحدثها مقبرة في قضاء الحويجة، وقد وقف محافظ كركوك (شمال) بالوكالة، راكان الجبوري، على أطلالها، قبل أيام. ويقع قضاء الحويجة على بعد 45 كلم جنوب غرب مدينة كركوك، مركز المحافظة التي تحمل الاسم نفسها، وقد استعادت القوات العراقية السيطرة على القضاء، الشهر الماضي، بدعم من "التحالف الدولي".

وقال محافظ كركوك بالوكالة، راكان الجبوري، إن "المقبرة تقع وسط قاعدة (البكارة) العسكرية، التي كان يستخدمها الجيش الأميركي إبان احتلاله للعراق (بدأ عام 2003)، ثم اتخذ منها تنظيم داعش موقعاً لتنفيذ عمليات الإعدام، وطمر الضحايا". وأوضح أن "المقبرة الجماعية كبيرة، وتتوزع على 10 مواقع دفن، ولا يمكن حالياً معرفة عدد المغدورين".

ومضى قائلاً إن "شاهد عيان ساعدنا في الاستدلال على هذه المقابر، وهو راعي أغنام من أهالي المنطقة أكد لنا أن المئات دفنوا هنا". وأضاف أن "إدارة محافظة كركوك تعمل على إكمال الإجراءات القانونية لفتح المقبرة بهدف فحص جثث المغدورين، تمهيداً للتعرف على هوياتهم".

وهذه المقبرة هي واحدة من نحو 120 مقبرة تم الكشف عنها في العراق، منذ عام 2003، إبان بروز تنظيم "القاعدة"، ثم تنظيم "الدولة"، الذي خرج من تحت عباءة الأول، وفق ضياء كريم، مسؤول دائرة المقابر الجماعية في مؤسسة "الشهداء" الحكومية المعنية بضحايا الإرهاب.

وتابع أن "الغالبية الساحقة من المقابر تم الكشف عنها في المناطق التي استعادتها القوات العراقية من تنظيم الدولة، خلال السنوات الثلاث الماضية، بينما هناك عدد قليل من المقابر يعود إلى تاريخ ما قبل ظهور داعش، ومسؤول عنها مسلحو القاعدة".

وأضاف أن "العدد في تزايد مستمر بعد تحرير المناطق واكتشاف مقابر جماعية بشكل مستمر، ولاسيما في محافظات ديالى (شرق) وصلاح الدين ونينوى وكركوك (شمال) والأنبار (غرب)". وفور سيطرته على المناطق الواقعة شمالي وغربي العراق، عند انهيار الجيش، عام 2014، تخلص تنظيم "داعش" من عدد كبير من الجنود وأفراد الأمن، الذين وقعوا في قبضة مسلحيه، فضلاً عن مدنيين من أبناء الطائفة الشيعية وقليات دينية، مثل الإيزيديين.

كما نفذ التنظيم عمليات إعدام في ساحات عامة بالمدن والبلدات، التي حكمها لثلاث سنوات، بعد إدانة الضحايا في محاكمه، بتهم متباينة، على رأسها معاداة التنظيم و"التخابر مع جهات معادية". وفي حدث هو الأسوأ من نوعه بالعراق، قتل "داعش" قرابة 1700 طالب وجندي في كلية عسكرية بمحافظة صلاح الدين، في حزيران/يونيو 2014، في مجزرة جماعية خلال يوم واحد، وفق الحكومة.

وارتكب التنظيم مجزرة كبيرة بحق الإيزيديين قالت الأمم المتحدة إنها ترقى إلى إبادة جماعية، عندما اجتاح معقلهم في قضاء سنجار، غرب مدينة الموصل (شمال)، في آب 2014.  ولاحقاً تم العثور على نحو 30 مقبرة جماعية. وضحايا المقابر الجماعية لا يزالون يتوقون للتحرر من قبور حشروا فيها رغماً عنهم، أملاً في دفن لائق بمكان يتحول إلى مزار لمحبيهم وذويهم.  وقال مسؤول دائرة المقابر الجماعية في مؤسسة "الشهداء"، ضياء كريم، إن "السلطات فتحت حتى الآن 25 مقبرة جماعية، لكن الضائقة المالية تحول دون اتمام عملية فتح المقابر الأخرى".

وتقوم مؤسسة "الشهداء" بفتح المقابر، وأخذ عينات من الحمض النووي لرفات الضحايا، ثم مقارنتها مع الحمض النووي لذوي المفقودين، للتعرف على هويات هؤلاء الضحايا. ويشكل هذا الملف واحداً من أبرز المهام الملقاة على عاتق الحكومة العراقية في مرحلة ما بعد تنظيم "الدولة"، حيث لا يزال الآلاف من العراقيين ينتظرون معرفة مصير ذويهم المفقودين. وقالت عضو مفوضية حقوق الإنسان (مستقلة مرتبطة بالبرلمان)، وحدة الجميلي، إنه "على الجهات المختصة بالمقابر الجماعية العمل لإنهاء هذا الملف".

وتابعت أن "الأمر لا يقتصر على رفع الرفات فحسب، إذا لابد من إنهاء هذا الملف سريعاً، وتجاوز كل انعكاساته، التي ما تزال تؤثر سلباً على أقارب الضحايا". واعتبرت أن "حسم هذا الملف ضروري في المرحلة المقبلة، لبث الطمأنينة في نفوس آلاف الأشخاص من أجل تعويضهم أولاً، ومن ثم تمهيد الطريق أمامهم لاستئناف حياتهم بصورة طبيعية".

وفي غضون ذلك حذرت أجهزة الاستخبارات الهولندية من الاستهانة بالتهديد، الذي تشكله المرأة التي يزداد دورها نشاطا وعنفا في تنظيم داعش في العراق وسورية. وأفاد تقرير لجهاز الاستخبارات بأن "دور المرأة في الجماعات المتطرفة لا ينبغي التقليل من شأنه، فهي ملتزمة بالإرهاب مثل الرجل وتشكل تهديدا لهولندا".

وأضاف التقرير أن المتطرفات تحت سن الثلاثين "يستطعن حمل السلاح" الذي يتركه الرجال الذين قتلوا في المعارك، بحسب الجهاز الذي يسعى إلى تدمير "القوالب النمطية". وتابع جهاز الاستخبارات الهولندي "يقال إنهن فتيات ساذجات يسعين وراء الحب أو وجدن أنفسهن عن طريق الخطأ في صفوف الخلافة، لكنهن أكثر نشاطا وعنفا من ذي قبل". ويؤكد أن تنظيم داعش يواجه خسائر في العراق وسورية، فضلا عن نقص متزايد في أعداد المسلحين، ما يعطي المرأة دورا تتزايد اهميته.

وتابع التقرير "إنهن يجندن المقاتلين ويتولين إنتاج الدعاية ونشرها، وجمع الأموال" لصالح الجماعات المتطرفة. وأكد التقرير عودة "أكثر من عشرة منهن إلى هولندا قبل عام 2015 ،عندما كان من الأسهل العودة". وغادر ما لا يقل عن 280 شخصا، ثلثهم من النساء، هولندا للقتال في العراق وسوريا، وفقا للوكالة الوطنية لمكافحة الإرهاب. وفي أيار/مايو الماضي، عادت 45 منهن إلى هولندا كما قتلت 45 ،في حين ما يزال هناك 190 إرهابية في الشرق الأوسط.

وحكمت محكمة هولندية الاثنين الماضي على شابة عائدة من سورية بالسجن مدة سنتين، بتهمة التخطيط لارتكاب جرائم إرهابية، في إحدى الحالات الأولى من نوعها في هولندا.