وزارة الاقتصاد الفلسطينية

يعاني الاقتصاد الفلسطيني منذ سنوات سواء في الضفة أو قطاع غزة من انهيار كبير، زاد من حدته انتشار وباء أزمة كورونا، وما تبعها من إغلاق للمنشآت الاقتصادية، بالإضافة إلى الحصار الذي تفرضه إسرائيل، فمنذ إعلان الرئيس الفلسطيني وقف كافة أنواع الاتفاقيات مع إسرائيل، ومن بينها اتفاقية باريس الاقتصادية، بسبب مخططات الضم، بات واضحًا للجميع، أن فلسطين تتجه بقوة نحو أزمة اقتصادية أكبر عمقًا، لاسيما في حال إقدام إسرائيل على وقف أموال المقاصة، أو الضرائب، التي يعتمد عليها الاقتصاد الفلسطيني بشكل كبير.


حذر البنك الدولي، في تقرير له أمس الاثنين من أن الفقر قد يتضاعف في الضفة الغربية المحتلة هذا العام بسبب التداعيات الاقتصادية جراء وباء "كوفيد 19" قبل أسابيع فقط من الموعد الذي حددته إسرائيل لبدء تنفيذ مخطط الضم. وقال البنك الدولي في تقريره: "حتى قبل تفشي وباء كوفيد-19، كان نحو ربع الفلسطينيين يعيشون تحت خط الفقر، 53% من سكان غزة و14% في الضفة الغربية. وبحسب التقديرات الأولية، سيرتفع عدد الأسر الفقيرة إلى 30% في الضفة الغربية وإلى 64% في غزة".

وضع اقتصادي متأزم
وتعتمد الحكومة الفلسطينية بشكل كبير على دعم المانحين للعمل لأنها غير قادرة على تنفيذ تدابير التحفيز التي تستخدمها الدول في أماكن أخرى، مثل تغيير أسعار الفائدة أو الوصول إلى أسواق رأس المال الدولية. وقال رئيس الوزراء محمد اشتية أمس الاثنين خلال جلسة مجلس الوزراء إنه سيتم تقديم تقرير شامل للوضع الاقتصادي والمالي للاجتماع الافتراضي الذي تعقده الدول المانحة، الثلاثاء برئاسة النرويج وبمشاركة 40 دولة ومؤسسة وسيكون على مستوى الوزراء، لدعم الاقتصاد والمؤسسات الفلسطينية. وبينما تظل المساعدات الإنسانية والإنمائية مهمة، قالت الأمم المتحدة الأحد "إن الأمر يتطلب إجراءات مختلفة وجريئة لتجنب الانهيار الاقتصادي".


وقال مسؤول إسرائيلي الشهر الماضي إنه تمت الموافقة على قرض قيمته 800 مليون شيقل (228 مليون دولار) للسلطة الفلسطينية لتعويض خسارة إيراداتها جراء أزمة فيروس كورونا المستجدّ. وحذر البنك من أن الاقتصاد قد ينكمش بنسبة 7.6٪ على الأقل إذا عادت الأوضاع الطبيعية تدريجيًا بعد حالة الاحتواء، وبنسبة تصل إلى 11٪ إذا كان الانتعاش الاقتصادي أبطأ أو فُرضت قيود إضافية."


وحتى مع إعادة تخصيص بعض المصروفات، يمكن أن ترتفع الفجوة التمويلية بشكل مثير للقلق من 800 مليون دولار، وهو مستوى مرتفع بالفعل عام 2019 إلى أكثر من 1,5 مليار دولار عام 2020، وذلك لتلبية هذه الاحتياجات بالشكل الملائم، وفقا لتقرير البنك، وبعد أسابيع من منعهم من دخول إسرائيل بسبب الفيروس، سُمح لآلاف العاملين من الضفة الغربيّة بالعودة في أوائل أيار/ مايو، في إطار سياسة لإعادة إطلاق الاقتصاد المحلّي تدريجيّاً.

أموال المقاصة وأزمة فلسطينية
من جانبه قال الدكتور أيمن الرقب، المحلل الفلسطيني، والقيادي في حركة "فتح"، إن "الاقتصاد الفلسطيني يعتمد بشكل كبير جدًا على أموال المقاصة الإسرائيلية، وإيرادات الضرائب التي يتم تحصيلها من البضائع التي تدخل الأراضي الفلسطينية عبر المنافذ التي تتحكم فيها إسرائيل". وأضاف في تصريحات لـ "سبوتنيك"، أن "عدم مقدرة السلطة على توفير هذه الأموال سيكون هناك أزمة كبيرة، وإسرائيل تدرك حاجة الجانب الفلسطيني، وأن السلطة لا يمكنها وقف التنسيق الأمني واتفاقية باريس الاقتصادية بشكل كامل، ويراهنون على تراجع الفلسطينيين عن هذه القرارات".


وتابع: "إذا استمر هذا الأمر ستواجه فلسطين أزمة كبيرة في موضوع رواتب الموظفين، وستعجز السلطة عن دفع رواتب موظفيها، خاصة وأن ميزانية السلطة لا تعتمد بشكل أساسي على الإيرادات الداخلية، بل على إيرادات وأموال المقاصة التي يحصلها الجانب الإسرائيلي بناءً على اتفاقية باريس، التي تنص على التعاون بين البنك المركزي الإسرائيلي، والبنوك الفلسطينية، وكل هذه الأمور ستمثل عائقًا كبيرًا".

شبكة الأمان العربية
وفيما يخص التحركات الفلسطينية، قال: "الجانب الفلسطيني سعى خلال الفترة الماضية إلى توفير شبكة الأمان عربية التي وعد بها العرب، ولم ينفذوها بشكل كامل، خاصة أن لكل دولة ظروفها، في ظل وضع كورونا، وفي ظل اقتصاد عالمي مترنح وعربي منهار بسبب ركود النفط". واستطرد: "مساعدة شبكة الأمان العربية التي كانت مقدرة بقرابة 150 مليون دولار تدفع شهريًا للسلطة حتى ترتب أوراقها بالحد الأدنى، لم تنفذ فعليا وعدد قليل من الدول تدفع أموال للموازنة وليس لشبكة الأمان العربية". وأكد أن "اجتماعًا عقدته السلطة أمس مع الدول المانحة من الاتحاد الأوروبي، وتم الحديث عن كيفية معالجة الوضع الاقتصادي في ظل عدم تحويل إسرائيل لأموال المقاصة".


وبشأن وقف إسرائيل دفع الأموال، قال: "حتى اللحظة إسرائيل تلتزم بتحويل أموال المقاصة فهناك 500 مليون شيكل أي قرابة 120 مليون دولار تم تحويلها للبنوك الفلسطينية مباشرة دون الالتزام بالتنسيق مع السلطة، كما كان يتم في السابق وهي جزء من قرض تمنحه إسرائيل للسلطة لعدم وجود إيرادات تفي بهذا الغرض، خاصة في ظل جائحة كورونا ووقف الاستيراد والتصدير". وعن الخيارات المطروحة أمام فلسطين، قال: "السلطة أمامها خيارات محدودة جدا إما أن يتدخل العرب ويوفروا شبكة الأمان المالية حتى تستطيع فلسطين مواجهة الأمر، أو تقلص السلطة مصروفاتها إلى حد لا يتجاوز 30% بين الرواتب وميزانية المؤسسات الأخرى، وتستطيع تحمل هذا الوضع لفترة قليلة جدا لا تتجاوز العام، وهذا ما يتم الترتيب له".


ومضى قائلًا: "إلا إذا استمر سياسة الباب الموارب كما تحدث زير الخارجية رياض المالكي، أن الباب مفنوح أمام القوى الدولية للتدخل من أجل إنقاذ العملية السياسية وحتى اللحظة لم تدخل وقف الاتفاقيات مع إسرائيل حيز التنفيذ الفعلي، سواء التنسيق الأمني أو اتفاقية باريس الاقتصادية، ولكن في حال تدهورت الأمور ستذهب لطريق صعب وسيكون أمام السطة فقط أن تدير مؤسساتها عبر تقليص الفقات".

انهيار اقتصادي كبير
بدوره قال رئيس جميعية رجال الأعمال الفلسطينيين بقطاع غزة، علي الحايك، إن "الأوضاع الاقتصادية الفلسطينية تعاني من انهيار كبير، والذي زاد حدته بعد انتشار أزمة كورونا، وما خلفته من أضرار كبيرة، على كافة القطاعات الاقتصادية"، موضحًا أن "قطاع غزة الذي يعاني من حصار شديد، يعاني من عدم السماح له بتصدير منتجاته، أو إدخال أي متطلبات للقطاع الصناعي والتجاري، وكذلك المعدات والماكينات المطلوبة".
وأكد أن "غزة تشهد حاليًا أزمة اقتصادية لم تشهدها منذ عام 1948م، فالقطاع التجاري بات مفلسًا، بالإضافة إلى انهيار القطاع الصناعي، في ظل إغلاق أبواب الكثير من المصانع وتشريد آلاف العمال"، لافتًا إلى أنه "بعد قرار وقف التنسيق مع إسرائيل لم يسمح للتجار أو رجال الأعمال بالخروج، وكذلك الأيدي العاملة التي تعمل في الداخل الإسرائيلي، الأوضاع باتت كارثية".
وعن الحلول المطلوبة، قال: "نجتاج إلى تدخل سريع من المجتمع الدولي، والدول العربية الشقيقة للتخفيف من أعباء الاقتصاد، عن طريق تخفيف الإجراءات المفروضة من إغلاق للمعابر وغيرها، لإدخال كافة المتطلبات لقطاع غزة".

عجز الموازنة
وتوقعت الحكومة الفلسطينية تسجيل عجز مالي بقيمة 1.4 مليار دولار في موازنة 2020، مدفوعة بالتبعات الاقتصادية لتفشي فيروس كورونا محليا، وفي هذا الصدد قال رئيس الوزراء محمد اشتيه، قبل فترة، إن ارتفاع عجز الموازنة للعام الجاري، ناتج عن تراجع الإيرادات المالية بنسبة 50 بالمئة، بفعل تعطل العجلة الاقتصادية. وتبلغ الموازنة الفلسطينية للسنوات الماضية 4.5 مليارات دولار سنويا بالمتوسط، 85 بالمئة منها مصدرها الإيرادات الضريبية والجمارك ورسوم المعاملات الحكومية، بحسب بيانات سابقة لوزارة المالية، حيث بلغ متوسط عجز الميزانيات الفلسطينية للسنوات الماضية، 400 - 500 مليون دولار سنويا، كان يتم تمويلها من خلال الاقتراض المحلي، عبر القطاع المصرفي الفلسطيني.

قد يهمك أيضًا

فلسطين تطالب أعضاء المجتمع الدولي بمقاطعة خطة ترامب المُرتقبة للسلام

الحكومة الفلسطينية تعبّر عن قلقها من متابعة المشاريع الاقتصادية في قطاع غزّة