القاهرة - العرب اليوم
فقد بعض الفنانين أهلهم في صغرهم فنشأوا أيتامًا، فحمل بعضهم في ملامحه شيئًا من الحزن عُرف به، مثل عبد الحليم حافط، الذي ارتبط فنه بألمه، فيما تحول الوجع لدى الآخرين إلى كوميديا، كإسماعيل ياسين الذي بات رمزًا للضحك والبهجة.
ومع الاحتفال بيوم اليتيم، نتذكر بعض الفنانين الأيتام لنعرف إن بقي الحزن رفيقهم.
عبد الحليم حافظ
توفيت والدة الفنان عبد الحليم حافظ بعد أيام من ولادته عام 1929، وبعد شهور توفي والده أيضًا، وتولى رعايته خاله الحاج متولي، حيث يروي الراحل قصته في تسجيل له مع الإذاعي محمد علوان، فيقول: "حرمتني الحياة حنان الأم وعطف الأب، ولكنها علمتني أن الدنيا فيها خير، وحتى اليتيم الذي عمره أيام يستطيع أن يعيش ويكافح".
ويقول البعض أن أهالي قرية الحلوات في محافظة الشرقية، التي ولد بها، تشاءموا منه لربطهم بين وفاة أمه وولادته. فنعتوه "بوجه النحس"، وهو ما أثر سلبًا على نفسيته منذ نعومة أظفاره، وعن هذا قال إنه لم يستطع التخلص من هذا الوهم ولم يدرك أن إرادة الله هي من تسببت في وفاة أمه إلا بعد مرور سنوات طويلة.
عاش الابن الأصغر حياة صعبة بين أربعة أشقاء، خاصة بعد إصابته بمرض البلهاريسا، ولكنه تمكن من خوض رحلة طويلة قدم خلالها ما يقارب 230 أغنية و16 فيلمًا ما زالوا ماثلين في أذهان الجمهور في الوطن العربي، لكن الحزن ارتبط بشخصية عبد الحليم حافظ لدى جمهوره لأسباب متعددة منها نحالة جسده، وأغانية الحزينة ومرضه وقصص الحب التي لم تتم في حياته.
إسماعيل ياسين
ولد الفنان إسماعيل ياسين عام 1912 في محافظة السويس، لأب يملك محل صاغة ومتزوج من سيدتين الأولى والدة الفنان والثانية بريطانية، توفيت والدته وهو طفل في سن السابعة فانتقل للعيش مع زوجة أبيه التي كانت تعامله بطريقة سيئة للغاية حتى أنها حرضت أباه ليجعله يترك المدرسة وهو في الصف الرابع الابتدائي، فلم تحاول زوجة أبيه مطلقًا تعويضه عن فقدان أمه، بل تمادت في مضايقته ثم طلبت من والده طرده من شقتهما وتسليمه لجدته وكان يبلغ آنذاك عشرة أعوام، وهو ما استجاب إليه الأب أيضًا، حيث انتقل الفنان الكوميدي إلى شقة جدته "والدة أمه" التي وصفها في أحد تسجيلاته بأنها كانت شديدة القسوة عليه لأنها كانت لا تحب والده، مما أثر سلبًا على علاقتها به.
استمرت معاناة الفنان إسماعيل ياسين في منزل جدته، وعمل مناديًا في محل أقمشة كي يجني بعض المال وينفق على نفسه، ثم قرر إنهاء تلك المعاناة والهرب للقاهرة كي يعمل بالفن، فكان حلمه أن يصبح مطرب كالفنان محمد عبد الوهاب، ولهذا سرق ستة جنيهات من جدته وسافر للقاهرة ثم نفدت نقوده، فازدادت معاناته، فكان ينام في مسجد السيدة زينب، حيث لا يوجد مكان يقيم فيه، وعندما قصد أولاد خاله طلبًا للمساعدة لم يستجيبوا له.
وتنقل في أكثر من مهنة، منها صبي يلبي الطلبات في قهوة في شارع محمد علي، إلى غير ذلك من الأعمال، حتى تمكن من الدخول إلى عالم الفن محققًا نجاحًا باهرًا، وفي هذا الشأن يقول الراحل :" ربنا أعطاني لأني تحملت الكثير من التعب والشقاء والمرمطة".
عبد المنعم مدبولي
يعد الفنان القدير عبد المنعم مدبولي من أبرز النجوم الذين أمتعوا الجمهور بفنهم الكوميدي واستطاعوا رسم الضحكات على الوجوه، لكن كان يسكنه حزن عميق يحاول إخفائه بالضحك، حيث توفى والده حينما كان عمره 6 أشهر، فتولت والدته تربيته مع ثلاثة أشقاء كان هو أصغرهم.
ويتحدث مدبولي عن والدته في حوار له مع مجلة "الجزيرة" فيوضح أنها رغم صغر سنها تحملت المسؤولية واجتهدت لكي تربي أطفالها دون أن تشكو مرارة الأيام، وعاشت مع أبنائها أيامًا عصيبة ظلت محفورة في ذاكرته طول حياته، مضيفًا أن هذه هي المعادلة الصعبة، فإذا نظرت لكل نجوم الكوميديا سواء العرب أو المصريون أو حتى العالميون ستجدهم جميعًا مروا بمتاعب عديدة وآلام لا حصر لها في طفولتهم وشبابهم المبكر، فالأزمات هي التي تخلق الرجال ومن قلب المآسي والأحزان تولد أشد المواقف الكوميدية، حيث التحق مدبولي بمعهد التمثيل محققًا نجومية كبيرة حيث شارك بنحو 60 فيلمًا، و120 مسرحية، و300 مسلسل.
أحمد زكي
لم يتمتع فتى الشاشة الأسمر أحمد زكي بصحبة والده سوى عام واحدومن ثم توفي، وتركته والدته أيضًا وتزوجت رجلًا آخر، فنشأ الفنان في منزل جدته وخاله، وروى أصدقاؤه، الإعلامي عادل حمودة والمخرجة إيناس الدغيدي، أن زكي تأثر جدًا بفراق والدته، إلا أنه سامحها قبل فترة من وفاته، وكان يرسل المال لمساعدتها.
يقول زكي عن طفولته أن كلمة يتيم التي اشتهر بها في بلدته، الزقازيق، كانت تؤلمه لأنه حُرم من حنان الأم وعطف الأب، حيث أشار بقوله :" "نعم أمي كانت تزورني ولكنها كانت زيارات عابرة وخاطفة لم أكن أستطيع أن أملأ عينيّ منها أو أضع رأسي على صدرها وأبكي مثل كل الأطفال فكانت دائمًا مشغولة ببيتها وزوجها".
نور الشريف
كانت طفولة نور الشريف تشبه طفولة الراحل أحمد زكي، حيث توفي والده وعمره سنة واحدة، ثم تزوجت والدته، فعاش مع عمه الذي تولى تربيته، وقد ذكر موقع هافينغتون بوست أن الشريف قال: "شعور فظيع عشته عندما أخبروني وأنا في الصف الأول الابتدائي أن اسمي محمد جابر وليس نور، وأن عمي إسماعيل الذي كنت أنام في حضنه في سريره وأحب رائحة عرقه، ليس والدي"، مضيفًأ :" فجأة أحسست أنه ليس بإمكاني أن أطلب شيئًا، ليس من حقي، ذلك الشعور الطبيعي الممتع والمطمئن الذي يحسه الأطفال مع آبائهم، أن بإمكانهم أن يطلبوا أي شيء ولو حتى "برذالة"،هذا الشعور افتقدته رغم أن عمي لم يكن يبخل عليّ بشيء، بل إنه طلق زوجته من أجلي أنا وشقيقتي، بعدما وجد منها معارضة لما قرره بشأننا، وأنا مدين له بكل شيء في حياتي".
تخرج الشريف من المعهد العالي للفنون المسرحية، وكان متفوق والأول على دفعته، ومن ثم سطع نجمه في سماء الفن مقدمًا عشرات الأفلام السينمائية والمسلسلات التليفزيونية الناجحة.