الصحافي المصري فاقد البصر، أحمد أبو هميلة

تمامًا كما قال عميد الأدب العربي طه حسين "التعليم كالماء والهواء"؛ يَعتبر الصحافي المصري فاقد البصر، أحمد أبو هميلة، أن العمل الصحافي لديه بمثابة الماء والهواء، فرغم ما تتطلبه طبيعة العمل اليومي في الصحافة من عمل دؤوب يجاري صرير المطابع التي لا تتوقف عن الدوران؛ إلا أنه استطاع اقتحام هذا العالم متغلبًا على صعوباته على مدار الـ11 عامًا الماضية، وحقق خلالها نجاحًا لا يقل عن زملائه المبصرين، ومؤخرًا ساهم في تأسيس أول مجلة للمكفوفين بطريقة "برايل"، لينال عنها تكريمًا خاصًا من جانب الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، في ختام فعاليات مؤتمر الشباب وسط حضور 1200 شاب وفتاة. 

وعن تجربته، قال الصحافي الثلاثيني: "ولدت عام 1984 لعائلة ريفية لقرية تابعة لمحافظة الجيزة، وكنت متفوقًا في المرحلتين الابتدائية والإعدادية "المتوسطة"، وفي الصف الثالث الإعدادي أصبت بمرض في شبكية العين أضعف البصر بدرجة كبيرة جعلني غير قادر على الرؤية، ليكون هذا الموقف مرحلة فاصلة في حياتي، فلم استسلم لمرضي، وبدأت أفكر بإيجابية كيف أغير أسلوب حياتي وأتوافق مع الظروف الجديدة". 

وتابع أبو هميلة: "بدأت استذكر دروسي بتسجيل المواد الدراسية على شرائط كاسيت واعتمدت على الغير في الوصول للمدرسة، واستطعت أن أكون من الأوائل في مدرستي، والتحقت في الثانوية العامة بمدرسة عادية وليست مدرسة للمكفوفين وتعاملت كأي طالب فيها، وحصلت على الثانوية بمجموع كبير أهلني لأن التحق بكلية الإعلام جامعة القاهرة، لأني كنت أحب الكتابة والأدب، وأتمنى أن تصل كتاباتي للناس".

وتخرج أبو هميلة من الجامعة عام 2006، بتفوق دراسي مكنه من العمل في مجال الصحافة، إلا أن العمل بها لم يكن سهلًا، إذ يوضح: "كانت أكبر مشكلة تواجهني هي أن طبيعة العمل الصحافي تحتاج إلى السرعة، ولم يكن متاحًا برنامجًا إلكترونيًا للكتابة، فلجأت إلى بعض الأصدقاء وأمليت عليهم ما أريد كتابته، إلى أن تعلمت البرنامج الناطق وبدأت أحصل على دورات تدريبية عليه، إلى أن تمكنت من استخدام لوحة المفاتيح، لتبدأ رحلتي الحقيقية مع العمل الصحافي لتحقيق حلمي في الكتابة لتغيير المجتمع من حولي، وبخاصة النظرة إلى فئة ذوي الاحتياجات الخاصة".
 
ويحمل أحمد همّ ذوي الاحتياجات الخاصة سواء أصحاب الإعاقة البصرية أو السمعية أو الحركية أو العقلية، وبالطبع يظل فاقدو البصر في مقدمة اهتماماته، وهو الاهتمام الذي كلله قبل أشهر قليلة بظهور أول مجلة في مصر للمكفوفين بطريقة "برايل" التي تساعد كفيف البصر على القراءة. 

وبشأن المجلة، أضاف أبو هميلة: "أحلم بالوصول إلى كل ذوي الاحتياجات البصرية، وعندما لاحظت أن بعضهم ليس لهم علاقة بالتكنولوجيا أو لا يمتلكون أدواتها، قلت إنه لا بد من إصدار مجلة للمكفوفين بطريقة برايل، للوصول إلى هذه الفئة"، متحدثًا بحماس عن دوره في المجلة، قائلًا: "أعمل مدير تحرير للمجلة، حيث أتواصل مع المحررين وهم جميعًا من فاقدي البصر، وأجهّز معهم أفكار كل قسم، وأناقش معهم أهم القضايا التي سيتم تناولها العدد، ثم بعد انتهائهم من كتابة الموضوعات أقوم بجمع الموضوعات وصياغتها لتكون جاهزة للنشر، ودوري لا يتوقف على ذلك، بل يمتد لنقل خبرتي الصحافية لزملائي المحررين وتدريبهم على العمل وكيفية الكتابة".

وكان ظهور المجلة عاملًا أساسيًا لاختيار أبو هميلة للتكريم من جانب الرئيس المصري في ختام فعاليات مؤتمر الشباب الذي عقد مؤخرًا، وهو التكريم الذي كان مفاجئًا له ولم يكن يتوقعه، ويعتبره بمثابة تتويج لمسيرة عمل ومعاناة طويل، ويعتبر التكريم دفعة قوية جدًا له، وتتويجًا لمشوار شاق من العمل الصحافي، ويعكس في الوقت قوة فئة ذوي الاحتياجات الخاصة وفاعليتهم ومساهمتهم في العمل الوطني، آملًا أن يزيد ذلك الدور مع الإعلان عن أن عام 2018 هو عام ذوي الاحتياجات الخاصة في مصر، وهو ما يعكس أن أجهزة الدولة بدأت تتعامل برؤية مختلفة مع هذه الفئة، متمنيًا أن يشهد العام المقبل تطبق هذه الرؤية بشكل فاعل. 

أما الأمل الأكبر للصحافي الشاب فيحكي عنه بلغة لا تخل من التفاؤل: "أتمنى تأسيس مؤسسة تقدم خدماتها لكل فئات ذوي الاحتياجات الخاصة في مصر، يكون دورها دعم المواهب وثقل قدراتهم، وتدريبهم حتى يعيشوا الحياة بشكل سليم، بما يجعل ذوي الاحتياجات قوى إيجابية في المجتمع".