الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون

قرر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الجمعة، تكريم مقاتلين جزائريين سابقين حاربوا في صفوف الجيش الفرنسي خلال حرب تحرير الجزائر (1954 - 1962)، ورفّع بموجب مرسوم نُشر في الجريدة الرسمية، ستة "حركيين" سابقين ومؤسسة جمعية لهم إلى درجة "جوق الشرف" برتبة فارس، وهي أعلى رتبة تكريم تمنحها الدولة الفرنسية، كما تم ترقية أربعة أشخاص إلى درجة الاستحقاق الوطني برتبة ضابط، و15 آخرين إلى رتبة فارس، وغالبيتهم ممثلين لجمعيات أو هيئات.

ويأتي هذا التكريم قبل بضعة أيام على اليوم الوطني للحركيين، الذي يصادف 25 من سبتمبر /أيلول الجاري، كما يأتي بعد ثمانية أيام من مبادرة لماكرون خلفت جدلًا واسعًا، تمثلت في اعترافه بمسؤولية الدولة الفرنسية في تعذيب وقتل الناشط الشيوعي الفرنسي، موريس أودان، الذي ناضل لصالح حرب التحرير، وعلى إثر هذه الخطوة غير المسبوقة صرح مراقبون بأن ماكرون يريد من وراء هذا الاعتراف، الذي هو بمثابة إدانة للنظام الاستعماري سابقًا، رد فعل إيجابي من جانب السلطات الجزائرية بشأن طلبه تمكين "الحركي" من العودة إلى الجزائر.

إلا أن غالبية الجزائريين، سواء على المستوى الرسمي أو الشعبي، يرفضون فكرة أن يزور بلدهم متعاونون مع الاستعمار الفرنسي ضد ثورة التحرير، أو حتى أبناؤهم الذين ولدوا في فرنسا ويحملون جنسيتها، كما أن هذا الملف ظل يعتبر من أكثر القضايا حساسية في علاقة فرنسا بمستعمرتها القديمة، وقد أثاره الرئيس إيمانويل ماكرون أثناء زيارته إلى الجزائر نهاية العام الماضي، لكنه قوبل ببرودة شديدة من طرف المسؤولين الحكوميين.

وقال مصدر من وزارة المجاهدين لـ"الشرق الأوسط"، إن الحكومة ترفض مبدئيًا مجرد التعامل مع هذه القضية، التي سبق أن طرحها علينا الرئيس فرنسوا هولاند لما زار الجزائر (نهاية 2012)، كما تطرق إليها الرئيس نيكولا ساركوزي في زيارته نهاية عام 2007، وقد لمح ماكرون إليها خلال زيارته كمرشح للرئاسة فبراير/شباط 2017، وعاد إليها لما جاءنا كرئيس للجمهورية، ونحن لم نبلغه أي شيء رسمي بشأن طلبه، لكن من المؤكد أنه شعر بأن هذه المسألة تضايقنا، وتسيء إلى ثورتنا وشهدائنا ومجاهدينا الأحياء.

وقال الطيب زيتوني، وزير المجاهدين الجزائري، في مقابلة مع الإذاعة الحكومية، إن حكومة بلاده لا ترغب في التفاوض مع فرنسا، بشأن تنظيم زيارات لـ"الحركي" وأبنائهم، وكان زيتوني بصدد الرد، ضمنا، على وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان، الذي تحدث عن مشاورات مع الجانب الجزائري بشأن زيارات محتملة للحركى، وكان لودريان يرد بدوره على سؤال برلمانيين مهتمين بهذا الموضوع.

وأوضح زيتوني، "أن الذين تعانوا مع المحتل الفرنسي ضد ثورتنا التحريرية اختاروا أن تكون عقيدتهم فرنسية، إنهم فرنسيون ولا مجال لوصفهم بأنهم جزائريون، طالما أنهم خانوا بني جلدتهم، مشددًا على أنه "لا علاقة لنا بهؤلاء، وهم ليسوا منا ولسنا منهم ، ولن نقبل التفاوض أبدًا بشأن الخونة، أقولها بصراحة، إن دين هؤلاء هو فرنسا ولن نخون ذاكرة الشهداء، ولن تكون بيننا وبين فرنسا علاقات طبيعية إلا بتسوية بعض الملفات العالقة"، وأشار من بينها إلى أرشيف الثورة الذي تتحفظ باريس على تسليمه للجزائر، والذي يوثق بواسطة فيديوهات وكتابات وصور جرائم الاستعمار، وملف ضحايا التفجيرات النووية، التي أجرتها فرنسا بصحراء الجزائر بعد الاستقلال مباشرة.

واشتغل على ملف "الحركي" صحافي فرنسي يدعى بيير دوم، قضى ثلاث سنوات في الجزائر، بحثًا عن آثار "الحركي"، وتناول ذلك في كتاب عنوانه "الحركي، الطابو الكبير"، صدر عام 2015.

قال دوم، "منذ 50 سنة يروي التاريخ الرسمي الجزائري أن كل الشعب ثار ضد المستعمر المستبد في 1954، وأن الحركي الذين كان عددهم بالتأكيد قليلًا، يكونون قد سافروا إلى فرنسا عام 1962، باستثناء عدد منهم يكون الشعب قد قتلهم في إطار انتقام شرع"، غير أن كتابي يبين أمرين، أولًا أن "الحركي" كانوا بأعداد كبيرة جدًا، نحو 400 ألف شخص، وربما أكثر من العدد الحقيقي للمجاهدين، وثانيًا أن عددًا قليلًا منهم هاجر إلى فرنسا، نحو 25 ألفًا، وآلافا كثيرة تعرضوا فعلًا للقتل في 1962، ولكن الغالبية ظلت على قيد الحياة".

ويقول دوم أيضًا، "لقي كتابي بفرنسا إعجابًا من طرف كل المؤرخين الجادين، وكل الأشخاص المقتنعين بأنه كان ينبغي على الشعب الجزائري أن يحصل على استقلاله، و(الحركي) في نظرهم ليسوا بالضرورة أوغادا وخونة، هؤلاء الناس يعلمون أن الحقيقة معقدة، ويعلمون أنه في النهاية أن (الحركي) هم أيضًا ضحايا ظلم الاستعمار".