القاهرة ـ خالد حسانين   يتوافد الآلاف من المصريين يوميًا على في وسط القاهرة، حيث يُطلقون عليها "شانزليزيه القاهرة"، يشربون "الشيشة" وينفثون عن مشاكلهم ومعاناتهم اليومية ويستمتعون بمكان فسيح وغير مغلق، بعيدًا عن الكافيهات الأخرى باهظة التكاليف لمن يرتادها.



وستجد الشاي والشيشة وأحيانا النت وبأسعار رخيصة، لذا يتخذونها أبناء الطبقة المتوسطة مكانًا للراحلة والتنفيس والتخلص من المنغصات اليومية، وقد يكون هناك مجال للعمل أيضًا وترتيب أمور يصعب الاتفاق عليها في المكاتب، وبخاصة لأصحاب المهن الخاصة أو من يقومون بأعمال بعيدًا عن أعمالهم الرسمية، لجلب بعض الجنيهات الإضافية لسد حاجاتهم في ظل حالة الغلاء المستمرة.



وأصبحت مقاهي وسط البلد، أثناء الثورة ملجأ الشباب حيث يرتاحون بعد عناء يوم صعب وهروبًا من مطاردات رجال الشرطة، وهو الأمر نفسه الذي يقومون به حاليًا، وفي فترات مختلفة بعد الثورة من شباب الثورة و"6 أبريل" والحركات المختلفة التي كانت لها مطالب سياسية تجاه المجلس العسكري أو الرئيس محمد مرسي بعد توليه الحكم، فلا ملجأ لهم سوى تلك المقاهي القريبة من مسرح الأحداث والمعارك.



ويمكن أن تجد بعض شباب المراهقين على تلك المقاهي، ممن تهربوا من مدارسهم أو مجموعات الألتراس التي تتجمع هنا، حيث يتخذونها مقرًا لتظاهراتها حيث مقر البورصة المصرية الملاصق للمقاهي، وأيضًا مكان الراحة والالتقاء لسرد القصص أو الاستعداد لمعارك جديدة، والمصيبة الأكبر لو كان هناك لقاء لكرة القدم للنادي الأهلي أو الزمالك ستجد الشماريخ تشتعل والصواريخ تنطلق في السماء وقد تتطاير الكراسي، التي يمكن أن تصل إلى باقي الجالسين من مرتادي المقهى، في حين قد يضطر صاحب المقهى لطرد الشباب أو إغلاق التلفزيون لتحاشي حدوث كوارث أكبر ولتهدئة باقي الزبائن الغاضبين.
وتعتبر المقاهي أيضًا فرصة ذهبية للباعة الجائلين لكسب الرزق، فهذا يبيع منتجات وحلي مقلدة تُقبل عليها بعض الفتيات، وآخر يقوم بإلقاء الفول السوداني على المناضد انتظارًا لجنيهات قليلة يعود بها إلى أسرته أو أطفال يتسولون أي شيء.
وتم إقامة مطاعم قريبة من تلك المقاهي كثيفة الزبائن، والتي تقدم وجباتها للزبائن الذين قد يمضون ساعات طويلة على المقهى، مما يجعلهم يشعرون بالجوع، فيلجأون لتلك المطاعم والتي تناسب أسعارها هذه النوعية من الناس، أما عن الأسعار فهي معقولة جدًا، حيث يتراوح سعر طلب الشاي بين 2 إلى 4 جنيهات فقط، في حين يصل سعره خارج البورصة إلى 15 جنيه، أما الشيشة فالحجر الواحد سعره 4 جنيهات ويصل إلى 7 جنيهات في مكان آخر، والنسكافية والكابتشينو سعره من 6 : 8 جنيهات، حيث يختلف من مكان لآخر رغم أنه  لا يفصل قهوة عن الأخرى بضعة سنتيمترات.



وتحكي غادة الفتاة التي تتردد يوميًا على البورصة، أنها ملتقى يجمعني بالأصدقاء والزملاء نجد فيه الراحة والتواصل مع الناس، ومعرفة أحوال البلد، لأن السياسة هي القاسم المشترك في جميع أحاديث المصريين بعد الثورة.
ويرى محمد عبدالخالق، موظف في أحد البنوك، أن "البورصة" مكان يلتقي فيه الأصدقاء حيث تبادل الحديث في شؤون الحياة، وتناول المشروبات حيث يحرص على المجئ لأحد المقاهي بعد عناء يوم عمل مرهق.


ويقول سنوسي المتخصص في الشيشة، "إن القهوة فيها كل أنواع الشيشة، ونسعى إلى راحة الزبون وتلبية مطلبه حسب ذوقه واختيارة لنوع الشيشة والنكهة التي تروق له، ويوجد   المعسل الفاخر، وأفضل طريقة لكي تختار فيها نوع الشيشة أن تترك سنوسي يقوم بعمل ميكس بين الأنواع المختلفة، مثل تفاح وبطيخ، نعناع وورد، أو نوع فاخر بالليمون والنعناع".
وقد نتج عن تعدد المقاهي أن تم افتتاح محلات كثيرة متنوعة تبيع الأحذية والشنط، وبعض محلات السوبر ماركت، بل إن إحدى المكتبات القديمة غيرت نشاطها لتتحول إلى مقهى صغير على أطراف منطقة البورصة.
جدير بالذكر أن بورصة القاهرة قد تأسست في العام 1903، وتم تجميدها في الفترة من 1961 وحتى 1992، حيث أعادت الحكومة النشاط للبورصة لتصبح من البورصات العالمية الشهيرة، وتم تطوير المنطقة المحيطة بالبورصة، وإقامة ممرات واسعة وأكثر من ممشى بطراز حديث، حتى تحولت المنطقة إلى ما يُشبه "الشانزليزيه الفرنسي"، وهو ما تم استغلاله فيما بعد بإقامة سلسلة مقاهي في الأماكن المفتوحة والممرات، ليتردد عليها الألاف يوميًا.