لندن - السعودية اليوم
لا يبدأ كل العالم السنة الجديدة في الأول من يناير، فلكل ثقافة تقاويمها وطقوسها الخاصة التي تحدد توقيت الاحتفال بالعام الجديد. ويرجع هذا التنوع إلى تاريخ طويل من التقاويم التي طورتها الحضارات المختلفة، والتي اعتمدت على حركة الشمس والقمر، أو على الأبعاد الدينية والزراعية والاجتماعية لكل مجتمع.
التقويم الغريغوري، المعروف بالميلادي، هو الأكثر استخداماً على نطاق دولي كبداية رسمية للسنة الجديدة في الأول من يناير، ويعتمد على الحساب الشمسي. ومع ذلك، هناك شعوب تحتفل بالعام الجديد في تواريخ أخرى وفق تقاويمها المحلية.
فعلى سبيل المثال، تحتفل الصين بالسنة الصينية الجديدة وفق تقويم قمري شمسي، يدمج بين حركة القمر والفصول الشمسية، ويقع عادة بين أواخر يناير ومنتصف فبراير. يمتد الاحتفال لمدة خمسة عشر يوماً، تبدأ مع أول أيام الشهر القمري الجديد وتنتهي بمهرجان الفوانيس الذي يكتمل فيه القمر. وتعد هذه الفترة من أهم المناسبات في الثقافة الصينية، إذ تركز على لم شمل الأسرة وتمنّي الحظ الجيد، ولها جذور تعود إلى المجتمعات الزراعية القديمة وطقوس تكريم الأسلاف والآلهة، كما تتخللها عناصر أسطورية مثل أسطورة وحش "نيان" الذي كان يرمز إلى بداية العام الجديد.
في كوريا الجنوبية، رغم اعتماد الأول من يناير كبداية رسمية للسنة الميلادية، إلا أن السنة الكورية الجديدة التقليدية، المعروفة باسم "سيؤلال"، تظل المناسبة الأهم ثقافياً واجتماعياً. تبدأ عادة في اليوم الأول من الشهر القمري، أي في الفترة نفسها تقريباً مع السنة الصينية الجديدة، وتعد رمزاً لبداية الحياة والعمل من جديد، مع جذور تمتد لأكثر من ألفي عام وتأثرت بالتقويم الصيني تاريخياً.
أما التقويم الإسلامي، المعروف بالتقويم الهجري، فيعتمد أساساً على الدورة القمرية ويبدأ بشهر محرّم، أحد الأشهر الحرم في الإسلام. تتكون السنة الهجرية من نحو 354 يوماً، أي أقل من السنة الميلادية بحوالي أحد عشر يوماً، ما يجعل تاريخها يختلف سنوياً بالنسبة للتقويم الميلادي. ويستخدم هذا التقويم لتحديد المناسبات الدينية الأساسية مثل رمضان وعيدي الفطر والأضحى، إضافة إلى مواسم الحج وبقية الشعائر المرتبطة بالأشهر القمرية. ويحتفل المسلمون ببداية السنة الهجرية بطرق متنوعة تشمل الصلاة والإنشاد الديني والاجتماعات الأسرية والمواكب الاحتفالية.
أما رأس السنة اليهودية، المعروف باسم "روش هاشناه"، فيبدأ عادة في سبتمبر أو أكتوبر حسب التقويم العبري، وهو تقويم قمري شمسي يجمع بين حركة القمر وحركة الشمس لضبط السنة والمواسم الزراعية والدينية. ويشمل الاحتفال طقوساً دينية وروحية، مثل الصلاة في المعابد، ودق الشوفار، والتأمل في الأفعال السابقة، إضافة إلى لقاءات عائلية وتناول أطعمة تقليدية مثل التفاح بالعسل، الذي يرمز إلى سنة جديدة حلوة ومباركة.
عيد النوروز هو رأس السنة وفق التقويم الفارسي الشمسي، ويوافق الاعتدال الربيعي في 20 أو 21 مارس من كل عام، معلناً بداية الربيع وتجدد الطبيعة. له جذور تمتد إلى أكثر من ثلاثة آلاف عام في حضارات فارس القديمة، ويرتبط بالتراث الزرادشتي وقيم الحياة والتوازن، ويحتفل به في إيران وأفغانستان وطاجيكستان وأذربيجان وأوزبكستان وأجزاء من تركيا والقوقاز، ويشمل طقوساً رمزية مثل مائدة "السينات السبع" التي تحوي سبعة عناصر غذائية تبدأ بحرف السين في الفارسية.
يحتفل الأمازيغ، السكان الأصليون لشمال أفريقيا، برأس سنتهم المعروفة باسم "ينّاير" في 12 أو 13 يناير، وفق تقويم زراعي قديم يمتد لقرون. ويرتبط هذا العيد ببداية الموسم الفلاحي ويعد رمزاً للتجدد والعمل. تُقام الاحتفالات في المغرب والجزائر وتونس وليبيا، حيث تتلاقى الثقافة مع الذاكرة التاريخية والتقاليد الزراعية.
أما في إثيوبيا وإريتريا، فتبدأ السنة الإثيوبية الجديدة، المعروفة باسم "إنكوتاتاش"، في سبتمبر، لتتزامن مع نهاية موسم الأمطار وبداية الربيع المحلي، ويرتبط العيد بالحصاد وتجهيز الأرض للموسم الجديد. ويتميز الاحتفال بطقوس دينية وشعبية وأغاني ورقصات تقليدية، مع رمز زهرة البيدن الصفراء التي تُزين بها المنازل والشوارع وتُقدم كهدية بمناسبة العام الجديد.
اختلاف بداية العام حول العالم يعكس تنوع التجارب الإنسانية في تنظيم الزمن، ويظهر كيف يرتبط الاحتفال بالعام الجديد بالعوامل الفلكية والدينية والاجتماعية والزراعية، لتبقى كل ثقافة تحتفل بطريقة فريدة تعكس هويتها وتجدد الأمل في بداية عام جديد.
قد يهمك أيضــــــــــــــا
أرسل تعليقك