من ألواح نينوى إلى شرائح السيليكون رحلة الطب من الطين إلى الذكاء
آخر تحديث GMT23:52:45
 السعودية اليوم -
المحكمة الجنائية الدولية تعتبر عقد جلسات الاستماع لنتنياهو أو بوتين في غيابهم ممكناً إنفانتينو يسلم ترمب جائزة فيفا للسلام قبل قرعة المونديال الاتحاد الأوروبي يفرض غرامة 120 مليون يورو على «إكس» لمخالفته قانون الخدمات الرقمية حماس تتهم الإحتلال الإسرائيلي بقتل ثلاثة أسرى وتطالب بتحرك دولي عاجل لكشف مصير المختفين ومحاسبة المسؤولين عن الانتهاكات داخل السجون إرتفاع حصيلة الشهداء في قطاع غزة إلى 70ألفاً و125 شهيداً أغلبيتهم من الأطفال والنساء منذ بدء عدوان الاحتلال الإسرائيلي في السابع من أكتوبر 2023 رئيس الاتحاد الكويتي للإنتاج الفني يُعلن أن صحة حياة الفهد غير مستقرة إسرائيل تقتل مئات التماسيح في مزرعة بالأغوار خشية استخدامها في هجوم تخريبي وسائل إعلام إسرائيلية تؤكد مقتل ياسر أبو شباب في رفح السلطات اليونانية تعلن حالة تأهب قصوى مع منخفض بايرون وتسع مناطق بما فيها أثينا تتابع الوضع ضربة إسرائيلية بطائرة مسيرة واشتباكات واسعة في ريف دمشق تتسبب في قتلى وجرحى وتصعيد ميداني
أخر الأخبار

من ألواح نينوى إلى شرائح السيليكون رحلة الطب من الطين إلى الذكاء

 السعودية اليوم -

 السعودية اليوم - من ألواح نينوى إلى شرائح السيليكون رحلة الطب من الطين إلى الذكاء

الذكاء الاصطناعي
الرياض - السعوديه اليوم

في زمنٍ تُعيد فيه الخوارزميات رسم خريطة الجسد البشري بدقةٍ تفوق عدسة الجرّاح، يبرز سؤالٌ يتجاوز ضجيج التقنية إلى صمت الحكمة القديمة: من نحن حين تُصبح أجسادنا بيانات؟ وهل ما نراه من تَقدّمٍ مذهل يقودنا فقط نحو مستقبل أكثر كفاءة، أم يعيدنا أيضاً إلى ماضٍ كان فيه الطبّ لغة تأمل، لا معادلات فقط؟

لقد كان الطبيب في العصور الأولى حكيماً قبل أن يكون مختصاً، يقرأ في نبض المريض خفقان الحياة والمصير، وفي صمته ألماً ومعنى. واليوم، حين يُعيد الذكاء الاصطناعي صياغة علاقتنا بالمرض والشفاء، يبدو كأنه يوقظ فينا صدى تلك اللحظة الأولى التي التقت فيها المعرفة مع الرحمة... والعلم مع الإيمان.

الخوارزميات تفكّ رموز الطبّ القديم
في عام 2023، أطلقت جامعة «لايبزيغ» الألمانية، بالتعاون مع معهد «ماكس بلانك» مشروعاً فريداً لتدريب نماذج تعلّم عميق (Deep Learning) على قراءة النصوص المسمارية من بلاد ما بين النهرَيْن. وكأن الخوارزميات، بعد أن أتقنت لغات المستقبل، قررت أن تعود لتتعلّم لغة الطين.

استخدم الباحثون آلاف الصور الرقمية عالية الدقة لألواحٍ طينيةٍ متهالكة، وعلّموا الآلة بأن تميّز الرموز المسمارية حتى وإن تآكلت أو غابت بعض حروفها. وكانت النتيجة مذهلة، فقد أعادت النماذج الذكية بناء نصوص طبية مفقودة بدقّة تجاوزت 85 في المائة، بل اقترحت قراءاتٍ لغوية أكثر انسجاماً من الترجمات البشرية.

وفي إحدى الحالات، أعادت الخوارزمية وصفةً طبية لعلاج ما كان يُعرف بـ«النبض المضطرب» -ما نسمّيه اليوم «تسرّع القلب» (Tachycardia)- مستخدمة مغلي نبات الحرمل، الذي ما زال يُستعمل حتى اليوم بوصفه مهدّئاً للأعصاب. وكأن الخوارزمية لم تترجم فقط... بل فهمت.

من الكاهن إلى الطبيب... ومن الطبيب إلى الخوارزمية
في حضارات وادي الرافدَيْن، كان الطبّ علماً ذا جناحين: الكاهن (آشيبو) والطبيب (آسو). الأول يُعالج بالرقى وتفسير الأحلام، والآخر بالعقاقير والفحص السريري. كانا وجهَيْن لحكمةٍ واحدةٍ ترى أن المرض ليس جسدياً فحسب، بل نفسيّ وروحيّ أيضاً.

وتُظهر الألواح البابلية سجلات لحالات يُحال فيها المريض من الكاهن إلى الطبيب أو العكس، فيما يشبه أقدم نظام للإحالة الطبية (Referral System). وإذا استُبعد السبب الغيبي، تُسلّم الحالة للطبيب الفيزيائي، أما إن عجز الأخير فيُستأنس برأي الكاهن.

اليوم، يعيد الذكاء الاصطناعي إنتاج هذا المنهج نفسه فيما يُعرف بـ«التشخيص المزدوج» (Dual Diagnosis)، حين يفصل بين العوامل العضوية والنفسية، ويقترح أكثر من احتمال. إنه لا يتصرّف بوصفه طبيباً أو كاهناً... بل بصفته مرآة ذكية تعكس شكوكنا ويقيننا معاً.

ألواح نينوى... حين ينطق الطين بالحكمة
في مكتبة «آشور بانيبال» في نينوى، عُثر على أكثر من ثلاثين لوحاً طينياً طبياً كُتبت قبل 2600 عام. لم تكن مجرّد وصفات عشبية، بل سجلات سريرية تحتوي على تشخيصات دقيقة لأمراض القلب والصرع والحمّى والأمراض النسائية، بل حتى إجراءات جراحية بسيطة.

كانت تلك الألواح بمثابة «السجلات الطبية الإلكترونية» لزمنٍ لم يعرف الكهرباء بعد. لكن كثيراً منها بقي صامتاً قروناً طويلة إلى أن جاءت الخوارزميات لتُعيد الحياة إلى حروفه، حرفاً حرفاً، حتى بدا وكأن الطين نفسه بدأ يتكلم من جديد.

من الطب البابلي إلى أخلاقيات الخوارزمية
إن المدهش ليس التقنية وحدها، بل القيم التي تستعيدها. فالأطباء البابليون التزموا بمبادئ صارمة دوّنها قانون حمورابي: «إذا نجحت الجراحة كوفئ الطبيب، وإذا فشل وتسبّب بالأذى يُغرم أو تُقطع يده».

إنه أقدم نصّ يُعبّر عن مفهوم المساءلة الطبية. واليوم، ونحن نُسلّم للخوارزميات قرارات تمسّ حياة الإنسان، يتردّد السؤال نفسه: من يتحمّل المسؤولية إذا أخطأ الذكاء الاصطناعي؟ المطوّر؟ أم الطبيب؟ أم النظام نفسه؟

تلك الأسئلة الأخلاقية تعيدنا إلى ما خطّه البابليون على ألواح الطين: المسؤولية، والشفافية (Transparency)، والنيّة الصافية (Good Faith)؛ وهي المبادئ نفسها التي تقوم عليها أخلاقيات الذكاء الاصطناعي الحديث.

السعودية وجسر الحضارات الذكية
في ظلّ «رؤية المملكة 2030»، لم يعد الذكاء الاصطناعي في السعودية مجرد أداة تقنية، بل مشروع حضاري يُعيد التوازن بين التقدّم والجذور. فالتحوّل الرقمي في القطاع الصحي لا يقوم على الخوارزميات وحدها، بل على قيم الرحمة والإنصاف والهوية.

تملك المملكة فرصة نادرة لتكون الرائدة في استعادة التراث العلمي العربي وربطه بالذكاء الاصطناعي. تخيّلوا مشروعاً سعودياً عالمياً تُفهرس فيه النصوص الطبية القديمة من وادي الرافدَيْن ووادي النيل والجزيرة العربية، وتُحلّل بخوارزميات حديثة تُعيد بناء معرفةٍ إنسانيةٍ عابرةٍ للعصور.

مشروع مثل هذا لن يُعيد فقط كتابة التاريخ... بل سيمنحنا تاريخاً جديداً نكتبه نحن، بأدواتنا وبلغتنا وروحنا.

خاتمة: من الطين إلى السيليكون
يبدو أن الذكاء الاصطناعي لا يمشي فقط نحو المستقبل، بل يمدّ نظره إلى الماضي أيضاً، كأنه يُصغي إلى همس الأجداد في ألواح الطين.

من مسلّة حمورابي إلى شرائح السيليكون، ومن تعاويذ الشفاء إلى خوارزميات التعلّم، تتجلّى أمامنا صورة مهيبة للطب بوصفه علماً إنسانياً لا يعرف حدود الزمان أو المكان.

فإذا كانت بلاد الرافدَيْن قد أنجبت أول طبيب، فإن الذكاء الاصطناعي اليوم لا يأتي لينافسه... بل ليُحيي رسالته، ويعيد إلى العلم إنسانيته، وإلى الإنسان حريته في أن يَفهم لا أن يُلقَّن. وكما قال حمورابي قبل آلاف السنين: «لقد وضعتُ قوانيني ليشرق العدل في الأرض... ولأمنع القوي من ظلم الضعيف».

واليوم، لعلّ واجبنا أن نضمن بقاء الخوارزمية خادمةً للرحمة... لا أداةً للسلطة.

قد يهمك أيضــــــــــــــا

لامبدا ومايكروسوفت تتعاونان في صفقة ضخمة لتوسيع حوسبة الذكاء الاصطناعي

ميتا تنفق المليارات على الذكاء الاصطناعي دون نتائج واضحة تثير قلق المستثمرين

alsaudiatoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

من ألواح نينوى إلى شرائح السيليكون رحلة الطب من الطين إلى الذكاء من ألواح نينوى إلى شرائح السيليكون رحلة الطب من الطين إلى الذكاء



أجمل إطلالات نانسي عجرم المعدنية اللامعة في 2025

بيروت ـ السعودية اليوم

GMT 16:53 2025 الجمعة ,05 كانون الأول / ديسمبر

تقرير يكشف أن"غروك" يشارك معلومات حساسة لأشخاص عاديين
 السعودية اليوم - تقرير يكشف أن"غروك" يشارك معلومات حساسة لأشخاص عاديين

GMT 14:28 2019 الإثنين ,01 إبريل / نيسان

تشعر بالعزلة وتحتاج الى من يرفع من معنوياتك

GMT 11:41 2021 الأربعاء ,03 شباط / فبراير

يحاول أحد الزملاء أن يوقعك في مؤامرة خطيرة

GMT 21:54 2021 الجمعة ,12 شباط / فبراير

انقطاع الهاتف والإنترنت في كوبا لمدة 90 دقيقة

GMT 21:55 2021 الأربعاء ,03 شباط / فبراير

مجموعة من آخر صيحات الموضة في دهانات الشقق

GMT 08:30 2023 الأربعاء ,06 كانون الأول / ديسمبر

مجلس الوزراء السعودي يقر ميزانية الدولة لعام 2024

GMT 12:10 2023 الخميس ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

أفكار للطاولات الجانبية التابعة للأسرة في غرف النوم

GMT 12:04 2021 الأحد ,17 كانون الثاني / يناير

قمة G7 ستعقد في إنجلترا خلال 11 - 13 يونيو

GMT 05:22 2020 الجمعة ,05 حزيران / يونيو

متابعة خسوف شبه ظل القمر افتراضيًا في مصر

GMT 04:53 2020 الأربعاء ,29 إبريل / نيسان

وزير الأوقاف المصري يكشف عن حقيقة فتح المساجد

GMT 07:26 2019 الأحد ,02 حزيران / يونيو

تتقدم بخطى ثابتة

GMT 12:25 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

تحتل موقع مناسب خلال هذا الشهر

GMT 13:50 2019 الأربعاء ,20 شباط / فبراير

محمد عبد الشافي يغيب عن الأهلي في مباراة الفتح

GMT 09:26 2018 السبت ,22 كانون الأول / ديسمبر

الاقتصاد التركي يختتم 2018 بتراجع كبير لأهم محركاته
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
alsaudiatoday alsaudiatoday alsaudiatoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh Beirut - Lebanon.
lebanon, lebanon, lebanon