لندن - السعوديه اليوم
بقي أقل من شهرين على نهاية العام الحالي، لكن نتائج إيرادات الأفلام السعودية هذا العام تتحدث عن نجاحات غير مسبوقة. «شباك التذاكر» للأفلام السعودية حصد منذ بداية العام وحتى منتصف الشهر الماضي أكتوبر (تشرين الأول) 23 في المائة من مجموع إيرادات الأفلام التي عُرضت في صالات المملكة. وهذه ليست نسبة قليلة كما قد يتبادر إلى الذهن، لأن نسبة الأفلام السعودية قياساً بمجموع ما يُعرض في صالاتها من أفلام عربية أخرى أو أجنبية لا تزيد على 4 في المائة.
الواقع أن السوق السعودية، ومنذ نحو 5 سنوات، تشهد قفزات كبيرة في عدد الأفلام المنتَجة محلياً والتي تجد الطريق معبّدة أمامها للعروض في دور السينما.
إنه نجاح لم تكن السعودية تتوقعه لا على صعيد عدد صانعي الأفلام ولا على صعيد عدد الروّاد، لكنه تحوّل إلى واقع وبسرعة لافتة.
تأسيس سينما
منذ عام 2018 حين تم وضع وبدء تنفيذ العهد الإنمائي والثقافي الجديد في السعودية، تبلورت نتائج ما خُطِّط له في ميادين مختلفة. سَمِّ أي ميدان تجد أنه اليوم أفضل مما كان عليه سابقاً. هذا يشمل التنمية الاجتماعية، والثقافة، وضروب الفن، والاقتصاد، والعلم، ووسائل المعرفة المتعددة.
نالت السينما حيزاً مهماً من اهتمام المسؤولين؛ فتم إنشاء مؤسسات رعاية ومؤسسات إنتاج وجمعيات، في الوقت الذي انتشرت فيه صالات السينما في مدن المملكة. ورفعت دور النشر من اهتمامها بالكتب السينمائية، من دون إغفال إطلاق مهرجانَين للسينما: واحد للأفلام المحلية والخليجية («مهرجان أفلام السعودية»)، والثاني عالمي («مهرجان البحر الأحمر الدولي»).
كثير من ذلك الجهد نتج عن تأسيس «هيئة الأفلام السعودية» تحت رئاسة عبد الله آل عيّاف، الآتي من خلفية سينمائية بدأت مع السنوات الأولى من هذا القرن. وليس تعيينه، وتعيين باقي رؤساء ومديري الأقسام، موفَّقاً من ناحية الاختيار فقط، بل أيضاً من ناحية إيجاد وتأمين البنية الفنية والإنتاجية والثقافية الضرورية لتنمية السينما المحلية.
مقارنات
من متابعة محايدة وذات خبرة، لا توجد تجربة مماثلة في العالم العربي (وفي غالبية دول العالم) توازي هذا الدفق من البذل وتحقيق النتائج في زمن وجيز. كانت هناك مؤسسات أُنشئت للغاية نفسها، لكن كثيراً منها لم يستمر بالزخم المطلوب أو انضوى في أعمال دعائية تروّج لمصالح الحكم. الرائع في التجربة السعودية خطواتها الواثقة والمدروسة والمعنية بتحقيق صناعة شاملة.
بالعودة إلى الأرقام، يكفي القول إنه في العام الماضي، 2024، لم تزد إيرادات الفيلم السعودي المُجناة من السوق المحلية على 8 في المائة فقط. أي أن ما تحقق في الأشهر التسعة والنصف الأولى من العام الحالي يساوي نحو ثلاثة أضعاف ذلك.
تقييم الأفلام التي أنجزت هذا النجاح يختلف عن أسباب نجاحها التجاري، فبعض الأفلام الناجحة تملك خامة فنية واعية مثل «هوبال»، الذي حلّ ثانياً بين الأفلام السعودية إذ أنجز 6 ملايين و500 ألف دولار. وبعضها الآخر جماهيري الاهتمام كما هو حال «شباب البومب 2» لحازم فودة، الذي حلّ أولاً في نطاق الإيرادات بـ7 ملايين و300 ألف دولار، وهو من النوع الجماهيري البحت.
والملاحظ أن معظم ما أُنتج من الأفلام السعودية في السنوات الخمس الأخيرة (إن لم يكن جميعها) كان مدروساً من حيث توجهه لتناول موضوعات تمس الفرد والمجتمع، سواء عبر الكوميديا أو الدراما أو الفانتازيا. بالتالي، حتى تلك التي بنت اقتصادياتها على التوجه مباشرة إلى الجمهور السائد (مثل «أغنية الغراب» لمحمد السلمان وفيلمي «شباب البومب») تواصلت مع رغبة مشتري التذاكر في طرح ما يهمهم.
فيلم «هوبال» لعبد العزيز الشلاحي، ومن قبله «نورة» لتوفيق الزايدي، على سبيل المثال، تعاملا مع تاريخ ما قبل 2018 بوصفه تراثاً وتقاليد، واستُقبلا جيداً (محلياً وعالمياً) على هذا الأساس. وبعضها الآخر أمَّ سينما التشويق لإيصال رسالته، كما هو حال «لعلي كلثامي».
دورة ومؤتمر
هذه ليست كل الصورة. قبل أيام انتهت الدورة الثالثة من «منتدى الفيلم السعودي» بنجاح لافت، ليس لأن جوني دِب كان من بين المدعوّين للحديث عن تجربته ممثلاً، بل لأن المنتدى، بالنظر إلى أهدافه المعلنة التي تجتمع تحت مظلة ربط السينما السعودية بالدائرة الاقتصادية والتجارية للفيلم في العالم وجذب الرساميل والمساهمات الدولية، برهن على أنه خير ممثل لوضع السينما السعودية وآمالها.
وخلال الأيام القليلة المقبلة ستنطلق دورة جديدة من «مؤتمر النقد السينمائي» الذي يبحث في كل ما له علاقة بالحياة النقدية وارتباطاتها بالسينما وجمهورها ودورها الثقافي والتنويري ككل.
إنه مشوار قصير نسبياً، لكنه غزير النتائج عملياً، رغم أن هناك الكثير لتحقيقه في شتّى ميادين السينما فناً وصناعة.
قد يهمك أيضــــــــــــــا
سينمائيون عرب يؤكدون أن السينما السعودية مستقبلها واعد
السينما السعودية تطل من جديد على العالم وتجذب الأنظار بفيلم "المرشحة المثالية" في "فينيسيا"