رسالةٌ إلى السيّد صدفة

رسالةٌ إلى السيّد صدفة

رسالةٌ إلى السيّد صدفة

 السعودية اليوم -

رسالةٌ إلى السيّد صدفة

بقلم ـ أمينة التباث

أمّا بعد، فقد وجب التأسُف أيّها العزيز على عدد النظراتِ التّي ألقيتُها عليك أمامَ المرآة، و أنا أهم بالخروج، ثمّ تساءلت في نفسي، لماذا أنتَ خبيثٌ إلى هذه الدرجة. آسفةٌ على الاعتِقاد يا عزيزي، نعم الإعتقاد الذّي أوقدَ سوء الظن هذا طوَال السنين الذّي مضت، بأنّك ندْبة كبيرة على خدّ روحي، كخطيئةٍ أزلية لا أعلمُ متى ارتكبتُها.. الوقوف طويلا أمام المرآة كان دائما ما يطرح السؤال: لماذا أنت هنا، ألم يكن بوسعي أن آتي إلى الحياة كروحٍ خفيفة دون هذه الصدفة اللعينة؟ لماذا تسبقني إلى الأمام مع أن الجميع يبغضك؟ و لأصدقكَ القول، فلقد تمنيتُ في كل مرة أن أنظر إلى نفسي فلا أراك، و أجد بدلا منك روحي الرفيفة تطفو، ثم لا تلبث أن تطير خارج الإطار الخشبي. هذه هي الرّوح، شفافة و بمقدورها أن تطير بعيدا دون أن يسقط ثوبها على أحدهم فيشمئز منها، إنها محبوبة مع أنها تستطيع أن تتحرك و تفعل ما تريد دون الاستئذان من عُرف أحد.

أما أنت، الصدفة المستهجَنَة من الجميع.. بالمناسبة، هل يعجبُك لقب "صدفة"،إنه يليق تماما بك. أنت ذاك الإطارُ الذي يحمل تجويفاً فارغا، أتساءل الآن من الذي يستحق فعلا كل هذا العقاب؟ أليس التجويف العميق داخلي هو المذنب في قضية الشرف هذه. و مع ذلك، كان عليّ أن أكرهك على مدى سنوات، ليظهر هذا الكره في عيني كلّما نظر اليك أحدهم، في لباسي و وضعية جلوسي و طريقة كلامي و ركضي و استرخائي و وقوفي و انحنائي، في كل الأمور العادية تماما، بطريقة ما، كان علي أن أكبحك و أحكم قبضتي على رقبتك لكي "تتصرف بأدب".

كنت ابني غير الشرعي الذي علي أن أكرهه بشدة، و مع ذلك أنا ملزمة بالاحتفاظ به، و لا يجوز إجهاضه.. إنك الكبيرة التي عليها أن تذكرني بأن لعنة هبطت فوق رأسي، لا سبيل لمغفرتها. حدث مرة أن استرخيت فوق العشب، و تركت لك حرية التصرف.. ثم بعد قليل لمحتُ رجلا ينظر إلي باستهجان، فعدلت جلستي بسرعة.. لأني ببساطة، شعرتُ بالخجل. الحقيقة أن في هذه البساطة يكمن المشكل، الأمور التي نجعلها بسيطة هكذا و نقول "هذا رد فعل طبيعي" هو ما يجعلنا قاصري التفكير، في ركام ردود الأفعال هذه يُنسى الجسد، و يلحق به مزيدٌ من الظلم.

أيها السيد صدفة، أنا أعتذر منك الآن عن كل ما اقترفته، خلال الأيام التي ربيّت فيها طفلاً لمْ أحدد موقف قلبي منه بعد، هل أنا أحبّك، أم أكرهُك؟ لقد كنت حائرة بشأنك، أحبّك خلسة كلّما طالبني نداء الأمومة بإرضاعك.. تبدو لي بريئا حينها فأحتفي بك، كامرأة، حقيقية، مزهوة بمفاتنها.. لكنّني حالما تشبع، يقرصني وخز الضمير، فأقذفك و أسرع لغسل روحي. لم تبدو لي اللعبة صعبة في البداية، اذْ سرعان ما أصغيرة قواعدها، ليس علي الاّ أن ألفظك بعيدا أمام الناس.. ليس علي إرضاعك، أو تلبية حاجتك البيولوجية، أو حملك عندما تصرخ.. إنهم يشمئزون من صوتك حتّى.

كان علي أن أؤجل حبك للمساء، حالما تختفي عيون العُرف الجاحضة.. في المساء فقط، يبدو ذلك الإحتمال قابلا للتصديق، أنك جزءٌ مني، جزء محبّب لكل امرأة. لكنّ الأمور تغيرت، عندما بدأت تكبُر، أعني عندما كبُرَ ظلّك في رأسي و صرت تشغل تفكيري أكثر من ذي قبل. لم يعد بإمكاني إخفائك أو التظاهر بالغضب منك أمام الناس، كان الحب داخلي يكبر، فلا أستطيع و أنت تتكلم، إلا أن أنظر اليك في إعجاب. هاأنذا أوقن أنك بطريقة ما، أنا الأخرى التي تظهر للآخر، و لست شيئا مشينا علي إخفائه طوال الوقت.

و الحقيقة أني إلى الآن لا أعلم الصفة التي ألحقها بك، أو عن تلك التي كنتَها من قبل. لا أعرف الطريقة التي أعاملك بها.. كابنٍ شقي يأخذ حصة كبيرة من تفكيري، كشيء عظيم، يمثل فكرة، كلوحٍ خشبي خلف المرآة، لا تُعكَس الصورة الاّ بفضله. أو أن الأصح، التعامل معك كشخصٍ بالغ، لا يحتاج أحدا ينوبُ عنه، يدافع بنفسه عن نغسه، يتصرف كمزهرية لا يهمها أن تنكسر مالمْ يذبل الورد بعد. سألتُك لأكثر من مرة: سيّد صَدَفَة، هل أنت كبيرٌ أم صغير؟ الا أنه عدا الأفكار التي تراودني ساعتها، بضرورة التوقف عن إعطائك كل هذه الأهمية، و التصرف معك كإطار لصورة، كنافذة صغيرة تطل على الشاطئ، كشمعدان أنيق، لا أقل و لا أكثر. أقول عدا هذه الخواطر، فأنا لم أحصل منك على إجابة مهمة. و لا أظنك ستفعل، مستقبلاً، اذ يبدو أنّ مثل هذه الاسئلة لا تهمك.

أيّا يكن الأمر، و كيفما كان الجوابُ الصحيح، فالظاهر أني أخطأت بحقّك، و هذا سببٌ كافٍ يجعلك "ذا شأن" بالنسبة إليْ. أعني أنني بطريقة ما، أحبّك. لا ذاك الحب القديم المخلوط بالكراهية و شيء من الخوف، الخوف من ضحكك العفوي، من صراخك، من ذراعيك الطويلتين، من أذنك التي تعشق الموسيقى و من ساقيك اللتين ترقصان على الدوام، ذلك الحب الذي تفوح منه رائحة الصواب العفن و الأخلاق القديمة. قطعا يا عزيزي، ما كنتُ لأكرهك مجددا فأتنصل منك، فقط لأنك جميل، بصورةٍ تثيرُ شهوة الآخر.

بالمناسبة، و لكي أحيطك علما، أنا لا أحبك لكونك جميلا حتّى، فهذا أمرٌ لم يعد يهمني.. ألا ترى معي صفاء هذه العاطفة الجديدة، الايمان بك كجناح، يطيب له أن يرفرف كيفما شاء.. سامح اذا روحي الصغيرة، لعلها لا ترتكب مزيدا من الحماقات في حقك سيد صدفة

 

alsaudiatoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

رسالةٌ إلى السيّد صدفة رسالةٌ إلى السيّد صدفة



GMT 14:02 2021 الأربعاء ,17 شباط / فبراير

الفالنتين والأوهام التي تنهي العلاقات

GMT 11:23 2021 الإثنين ,04 كانون الثاني / يناير

عنف الطفولة يتحول جحيم السيكوباتية

GMT 11:44 2019 السبت ,07 أيلول / سبتمبر

الهولوجرام والسحر في العصر الحديث

GMT 01:41 2019 السبت ,24 آب / أغسطس

المعنفات وبيوت الرعاية وخطوات الإصلاح

GMT 17:56 2019 الثلاثاء ,28 أيار / مايو

عالم الأمومة المفخخ

GMT 11:05 2019 الإثنين ,20 أيار / مايو

أجيال

إطلالات متنوعة وراقية للأميرة رجوة في سنغافورة

سنغافورة - السعودية اليوم

GMT 12:22 2019 الإثنين ,01 إبريل / نيسان

تعاني من ظروف مخيّبة للآمال

GMT 07:03 2018 الخميس ,18 كانون الثاني / يناير

المملكة السعودية تقترب من خصخصة قطاع مطاحن الدقيق

GMT 08:36 2017 الأحد ,10 كانون الأول / ديسمبر

"النقد الدولي" يقرر صرف أول شريحة من قرض موريتانيا

GMT 12:46 2018 الأربعاء ,04 تموز / يوليو

طرق سريعة وفعّالة لزيادة كثافة الشعر في المنزل

GMT 03:33 2018 الخميس ,19 إبريل / نيسان

محمد صبحي يستنكر حديث الشباب عن "البطالة""

GMT 15:21 2017 السبت ,02 كانون الأول / ديسمبر

صورة للفريق أحمد شقيق علي متن الطائرة الخاصة

GMT 03:13 2017 الإثنين ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

دراسة تثبت أن تناول "فص ثوم" يعادل مفعول جميع الأدوية

GMT 02:54 2017 السبت ,21 تشرين الأول / أكتوبر

سخرية أجنبية من تفوق المصري صلاح على ميسي ورونالدو

GMT 13:22 2017 الأربعاء ,04 تشرين الأول / أكتوبر

147 مليون دولار قيمة أرباح البنك المغربي للتجارة الخارجية

GMT 12:18 2016 الإثنين ,17 تشرين الأول / أكتوبر

تعرف على أحدث صيحات الموضة للمرأة الممتلئة
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
alsaudiatoday alsaudiatoday alsaudiatoday
alsaudiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab