زلزال المغرب وتدبير مشاركة السكان في إعادة الإعمار

زلزال المغرب... وتدبير مشاركة السكان في إعادة الإعمار

زلزال المغرب... وتدبير مشاركة السكان في إعادة الإعمار

 السعودية اليوم -

زلزال المغرب وتدبير مشاركة السكان في إعادة الإعمار

بقلم - لحسن حداد

 

خلّف زلزال منطقة الأطلس الكبير بالمغرب خسائر جسيمة في الأرواح، والمنازل، والتجهيزات الاجتماعية، والبنية التحتية... الدمار الكلي أو الجزئي طال أكثر من 50 ألف مسكن، وجرى إتلاف مصادر الدخل لعديد من الأسر. هُدِّمت مداشر وقرى بكاملها، والآلاف أصبحوا يسكنون الخيام في انتظار إعادة الإعمار وإرجاعهم إلى مساكنهم وحياتهم الطبيعية.

كان تدخل السطات المغربية ناجعاً، وسريعاً ومُركَّزاً رغم صعوبة التضاريس وتكاثف الهزات الارتدادية التي تتسبب في الانجراف المستمر للتربة والصخور.

كان لا بد أيضاً من فتح الطريق وإيصال الإسعافات الأولية، وإخراج مَن ما زالوا على قيد الحياة من تحت الأنقاض، ونقل الجرحى وإخراج الجثث، وفي الوقت نفسه نصب الخيام لإيواء مَن أصبحوا مِن دون مأوى آمن، وبناء المستشفيات الميدانية، وإيصال الماء والغذاء والدواء، والكل في وقت قياسي.

تدخُّل الجيش المغربي، الذي له تجربة كبيرة في العمليات الإنسانية، كان ناجحاً بكل المقاييس. والتنسيق بين وزارة الداخلية والجيش والوقاية المدنية والقوات المساعدة والدرك الملكي والسلطات المحلية والسلطات المنتخبة كان مهنياً، حيث إن التجربة جعلت كل هؤلاء يعرفون كيف يشتغلون جميعاً وبتواصل وتنسيق لوجيستيكي ناجع.

إن تدبير عملية معقدة من هذا النوع فوق تضاريس وعْرة وقرى موجودة فوق أعالي الجبال كان عملية شبه مستحيلة. فهي لا تحتاج لمزيد من الفرق أو المروحيات أو المساعدات المادية من مصادر دولية، ولكن تتطلب تدبيراً لوجيستيكياً متعدد الأوجه، وهذا ما قامت به فرق التدخل المغربية بنجاح. بل إن كثرة المتدخلين كانت ستشكل تحدياً تدبيرياً إضافياً للفرق الموجودة في الميدان، والتي تُسارع الزمن والهزات الارتدادية وصرخات الإغاثة المستعجلة.

تثبيت السكان في الخيام والمساكن المؤقتة، وتزويدها بالماء الشروب والطعام والدواء، وبناء المدارس المؤقتة لضمان ولوج الأطفال للمدرسة، وكذا المستشفيات الميدانية للمواكبة الطبية هي مرحلة أولية في تدبير الفاجعة ومخلفاتها. تتبعها مرحلة إعادة الإعمار، التي حسب الحكومة المغربية ستتكلف نحو ملياري دولار. وستشمل إعادة الإعمار أساساً بناء المنازل والقرى والمداشر بمعايير تضمن سلامة السكان، ولكن في حرص شديد على عدم تغيير نمط العيش والثقافة المحلية، وتشمل إعادة الإعمار كذلك تقوية الطرق، وفك العزلة، وبناء القناطر، وإعادة بناء المدارس والمستوصفات والمستشفيات. كما أنها ستتضمن وضع شبكة للتجهيزات الاجتماعية والثقافية والفنية والرياضية، وضمان تنشيطها وتدبيرها. وبناء على تعليمات العاهل المغربي، فإن إعادة الإعمار ستشمل كذلك التكفل بالأيتام، ودعم السكان عبر تحويلات نقدية ومِنحٍ للمبادرات الخاصة لدعم النشاط الاقتصادي المحلي. أكد الملك محمد السادس كذلك ضرورة إشراك السكان في إعادة الإعمار. وهذا أمر حيوي على الحكومة المغربية العمل به، مستنيرة من تجارب دولية في هذا الإطار. ما تقوم به المصالح الخارجية للوزارات والجهات والمجالس الإقليمية والجماعات المحلية (البلديات) حالياً لضمان مشاركة مواطناتية في التنمية يبقى مسألة شكلية محتشمة غير ذات جدوى. المشاركة المواطناتية هي تواصل دائم بين المؤسسات العمومية، منتخَبةً كانت أو معينة، من أجل الأخذ برأي السكان واتخاذ القرارات المناسبة والرجوع إليهم لإخبارهم بهذه القرارات. ما تقوم به بعض المؤسسات حالياً من استشارات عمومية لا يعدو أن يكون نقاشاً عابراً لا غير، يتم بعده أخذ قرارات دون الرجوع إلى السكان لإخبارهم. بل إنه يتم اعتبار المجتمع المدني، الذي له دوره في التنمية، ممثِّلاً للسكان من دون الأخذ بعين الاعتبار المجموعات المهمشة داخل المجتمعات المحلية خصوصاً الشباب والمرأة، وذوي الحاجيات الخاصة، وسكان البادية، وغيرهم.

لهذا، فإن المشاركة المواطناتية هي فلسفة في تدبير التنمية، وفي الوقت نفسه تقنيات يجب التمكن منها من طرف فرق التدخل المحلية لضمان إشراك فعلي للسكان في اتخاذ القرارات التي تهمهم. هي فلسفة لأنها تعني أن التنمية لا تكون فعالة إذا لم تتجاوب بشكل مباشر مع حاجيات السكان. وهي فلسفة كذلك لأنها تعني أن رأي السكان مهم ويجب، ليس فقط الإنصات إليه ولكن التفاعل معه واتخاذ القرار المناسب بناء عليه، وإخبار السكان بهذا القرار. هذا ما يسمى في تقنيات المشاركة المواطناتية «إغلاق حلقة التغذية الراجعة»، أي أن المشاركة لا تستقيم دون أخذ الرأي والتفاعل معه، وأخذ القرار وإخبار السكان بالقرار حتى في حال رفضه من طرف مَن يهمهم الأمر. هي فلسفة لأنه كلما أحسَّ السكان بأن رأيهم يُعتدُّ به، أحسوا بأن المشاريع في صالحهم ولأجلهم. عملية التبني هذه هي ضمان استدامة المشاريع وتدخل السكان لإصلاحها وإبقائها على الطريق الصحيحة. إن المشاركة المواطناتية هي تقنيات كذلك. والاستشارة حول كيفية إعادة بناء المداشر والقرى مثلاً أو الطرقات أو المدارس أو المستوصفات تعني تنظيم اجتماعات مع السكان، وتدوين رأيهم، ودراسة كل هذه المعلومات، والرجوع إليهم لإخبارهم بما استقرّ عليه القرار وإعطاءهم إمكانية إيصال صوتهم في حال إصرارهم على رأي معين. من جانب آخر، يجب على الحكومة وضع نظام متكامل لتدبير الشكاوى. وهذا يقتضي وضع لجان محلية لتلقي الشكاوى والتدخل لحلها، ووضع لجان على مستوى الجماعة لكي يتوجه إليها مَن لم تَرُقْهم حلول اللجان المحلية، وكذا على مستوى العمالات (المحافظات) للغرض نفسه.

لا يجب الخوف من الشكاوى، بل كلما ارتفع عددها أصبحت مصدراً غنياً من المعلومات يساعد في تحسين تدبير المشاريع. وإذا لم يشْتكِ السكان فهذا يعني أن نظام تدبير الشكاوى لا يشتغل بشكل فعال، أو أن السكان ليسوا على علم بوجوده. في هذه الحال يستوجب الأمر القيام بحملات تواصلية من أجل حث السكان على استعماله.

يمكن للحكومة كذلك اللجوء إلى سَنّ أنظمة تسمح للسكان بتتبع المشاريع. وهذا يقتضي تعبئة فاعلين محليين يتم تزويدهم بهواتف جوالة يستقصون عبرها آراء الموطنين على شكل أسئلة مباشرة وبسيطة حول رأيهم في تنفيذ المشاريع. ويتم تجميع الأجوبة، والتدخل لأخذ قرارات وإبلاغ السكان بها.

إن التتبع المواطناتي للمشاريع سيساعد المسؤولين في دعم التتبع التقني لها، الذي تقوم به الفرق التقنية عبر الاعتماد على آراء المواطنين كذلك. وتبقى تقنيات المشاركة المواطناتية متعددة وتشمل الموازنة التشاركية، والاستشارات العمومية، ومنتديات التخطيط التشاركية، وإشراك مَن يهمهم الأمر، واستطلاع رأي السكان وغيرهم. غير أنه إذا وضعت الحكومة المغربية مقاربة تتوخى مشاركة فعلية للسكان عبر التقنيات الثلاث المُشار إليها أعلاه، فإنها ستتمكن من ضمان انخراط أكبر للمواطنين في إعادة الإعمار، وضمان استدامة المشاريع وتأثيرها الإيجابي في حياة السكان المحليين.

arabstoday

GMT 15:09 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

ابنه البكر

GMT 15:08 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

... إنّها حرب تطالبنا بأن ننسى كلّ شيء تقريباً

GMT 15:07 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

المشعوذون القدامى... والجُدد

GMT 15:04 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

الدول العربية «المضروبة»

GMT 15:02 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

الأسئلة الصعبة

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

زلزال المغرب وتدبير مشاركة السكان في إعادة الإعمار زلزال المغرب وتدبير مشاركة السكان في إعادة الإعمار



إطلالات متنوعة وراقية للأميرة رجوة في سنغافورة

سنغافورة - السعودية اليوم

GMT 10:03 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج الميزان 6 أكتوبر/ تشرين الأول 2020

GMT 21:03 2018 السبت ,13 كانون الثاني / يناير

عرض فيلم الرعب "الحفرة" للمرة الأولى على الفضائيات

GMT 15:02 2012 الأربعاء ,19 كانون الأول / ديسمبر

"ويسترن ديجيتال" تطلق قرصًا صلبًا بسعة 4 تيرابايت في الإمارات

GMT 00:56 2020 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

تحذير من شرب الشاي مباشرة بعد صب الماء المغلي عليه

GMT 19:07 2019 الإثنين ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

إطلاق "ليلة مقتل الحاوي" في مركز الهالة الثقافي

GMT 16:32 2019 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

حارس مرمى نادى الزمالك محمود جنش يحتفل بالهالوين

GMT 14:20 2019 الإثنين ,25 شباط / فبراير

قصي الفوز يستقيل من رئاسة الاتحاد السعودي

GMT 01:00 2019 الخميس ,31 كانون الثاني / يناير

مذيع تركي بارز يُعلن استقالته بعد تهديد من أردوغان

GMT 01:50 2018 الجمعة ,21 كانون الأول / ديسمبر

الرئيس الروسي بوتين يحوّل حلم فتاة كفيفة إلى واقع

GMT 07:52 2018 الأربعاء ,12 كانون الأول / ديسمبر

فان ديك يؤكّد أن أندية أوروبا تخشى الصدام مع "ليفربول"

GMT 02:19 2018 الإثنين ,03 كانون الأول / ديسمبر

تطوير "شبكية عين" من خلايا جذعية داخل المختبر

GMT 14:20 2018 السبت ,06 تشرين الأول / أكتوبر

آل الشيخ يُعلن تولي سامي الجابر 3 مناصب كبرى

GMT 10:18 2018 الإثنين ,27 آب / أغسطس

إليكِ أفضل 5 قطع أزياء ترند في خريف 2018

GMT 12:45 2014 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

ضبط 200 ألف لتر سولار قبل تهريبها للخارج في مصر
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
alsaudiatoday alsaudiatoday alsaudiatoday
alsaudiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab