تعاسة الطفولة

تعاسة الطفولة

تعاسة الطفولة

 السعودية اليوم -

تعاسة الطفولة

مصطفي الفقي
بقلم - مصطفي الفقي

لا يؤلمنى شىء مثل إحساسى بطفل تعيس سواء أكان مصدر التعاسة مرضًا يؤلمه أو فقدانًا لأمه أو إهمالًا فى حقه من جانب المنزل أو المدرسة أو هما معًا، فالطفولة هى بداية الحياة وهى بمثابة تفتح الأزهار ونضج الورود، إنها الصفحات البيضاء فى حياة الإنسان، فإذا ما عرف فيها المرض أو كانت أسرته شديدة الفقر فإن ذلك ينعكس عليه بالضرورة ويجعل تعاسته مركبة، بل إن بكاء الطفل الجائع وصرخة الطفل الخائف ودموع الطفل الحزين هى صفعات على وجه الإنسانية، أما الطفل اليتيم فحدِّث ولا حرج، إنه يتساءل صباح مساء أين أبواه أو أحدهما ويشعر بعزلة ويطوى النفس على ما يشعر به من مرارة، وأنا شخصيًا لا أستطيع زيارة الملاجئ وتفقد أحوال اليتامى وتقديم المساعدة لهم، لأن ذلك يصيبنى بانهيار داخلى رغم أننى لم أكن يتيم الأبوين أو أحدهما، وكنت أهتز كثيرًا عندما أرى ابنتى الكبرى فى مطلع شبابها وهى تواظب على زيارة الملاجئ وينتظرها الأطفال اليتامى بما تحمله لهم بنظرات السعادة العابرة والفرح الذى لا يطول،


وقد زارت سيدة مصر الأولى- كما كانوا يسمونها فى أحد العصور- ملجأً لليتامى بشكل مفاجئ وراعها ما شاهدته وهالها ما شعرت به، فانهمرت دموعها وظلت تصيح بالمشرفات والمشرفين الذين لا يبالون بأحوال الأطفال الذين يجب أن يكونوا فى رعايتهم وليسوا فى مؤسسة عقابية بلا طعام كاف أو هدوء مطلوب أو توجيه لازم، وما أكثر ما قرأنا فى الصحف عن مآسى الملاجئ ومشكلاتها المختلفة، ولقد استمعت إلى وزيرة التضامن وهى تتحدث عن تجربة رائدة بإدماج الأطفال اليتامى من اللقطاء أو مجهولى النسب وتوزيعهم على الأسر المختلفة حتى لا تكون العزلة فى الملاجئ مبررًا لتخريب البقية الباقية من كيانهم الهش، وأظن أن الأمر ينسحب أيضًا على نزلاء مستشفيات الأمراض العقلية وضحايا الإدمان، إذ أثبتت التجارب أن وجودهم فى تجمعات منعزلة يزيد المعاناة ولا يساعد فى تكوين الشخصية السوية التى تشعر برعاية المجتمع ودفء الأسرة، ورغم أن هناك جهودًا جبارة على المستويين الدولى والمحلى للاهتمام بالطفولة ورفع المعاناة عنها وتوفير البيئة المناسبة لها فإن الفقر بمعناه الشامل يقف عائقًا دون ذلك، حيث تحول الإمكانيات المحدودة دون تحقيق الحد الأدنى من الحياة المقبولة للبراعم الصغيرة، ولقد عرفت أسرًا كثيرة تبنت أطفالًا فى الصغر واندمجوا فيها حتى أصبحنا لا نعرف من تاريخهم شيئًا وتربوا تربية عادية سمحت لبعضهم بالنبوغ والتفوق، وأنا أتذكر أن الفنان الذكى ذائع الصيت الراحل عبدالحليم حافظ قد تربى فى أحد الملاجئ بطفولة حزينة تركت بصماتها على صحته حتى رحيله، ورغم أنه ملأ الدنيا وشغل الناس فإن مسحة الحزن كانت تطل من عينيه فى كل المناسبات، ولقد سمعت من صديقه الكاتب الكبير مفيد فوزى أن عبدالحليم كان لا يحب أن يتذكر فترة حياته فى الملجأ أو يذكّره بها أحد وهذا أمر طبيعى فالإنسان يهرب من معاناته ويبحث عن الابتسامة الشاحبة فى ركام الألم والحزن والقلق، إننى أكتب هذه السطور فى عهد أعطت فيه الدولة اهتمامها الشديد بذوى الاحتياجات الخاصة وجعلت لهم حصة لائقة فى كل مكان حتى فى البرلمان، كما أن رئيس الدولة يحتضن اليتامى من أولاد الشهداء فى صورة مؤثرة تعبر عن شعوره بهم وتعاطفه معهم وعرفانه بما قدم آباؤهم لهذا الوطن، وأنا أشعر بأمل كبير فى أن تمتد مظلة الرعاية لتشمل اليتامى من أولاد الشهداء وغير الشهداء وأدعو القادرين إلى دعم الملاجئ المختلفة ومراكز رعاية الطفولة حتى يبرأ المجتمع من أحزانه التى تؤثر على مسيرته وتضرب السلام الاجتماعى فى مقتل، كما تفتح باب الجريمة وتدفع بعشرات الألوف من أطفال الشوارع الذين يتحولون مع الوقت إلى كوادر للبلطجة إذا جاز التعبير، فالصحة النفسية للشعوب تبدأ من الطفولة التى لا تنكر عليها حقوقها، بل تسعى إلى انتشالها من وهدة الفقر ولعنة المرض وآلام الحزن الدفين، وإذا تابعنا النماذج العالمية لمفتقدى الأب فإن أشهر مستشارى ألمانيا كان لقيطًا، كما أن بيل كلينتون يحمل اسم زوج أمه وكأنما لا أب له، وهناك نماذج كثيرة لأولئك الذين قهروا ظلام الطفولة العمياء وكسروا طوق الحياة التعيسة وخرجوا منها بشرًا أسوياء ونماذج باهرة فى مجالات مختلفة، فالله يعوض أحيانًا أولئك الذين افتقدوا الأمان والحنان ويعطيهم بسخاء تعويضًا عن معاناة طويلة وآلام دفينة منذ بداية رحلة العمر.

arabstoday

GMT 09:20 2020 السبت ,06 حزيران / يونيو

أخبار المتزوجين

GMT 09:15 2020 السبت ,06 حزيران / يونيو

أخبار من ايران وغيرها

GMT 05:49 2020 السبت ,06 حزيران / يونيو

«قيصر» يقتحم أبوابكم!

GMT 04:28 2020 السبت ,06 حزيران / يونيو

3 سنوات قطيعة

GMT 04:19 2020 السبت ,06 حزيران / يونيو

مسكين صانع السلام

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تعاسة الطفولة تعاسة الطفولة



إطلالات متنوعة وراقية للأميرة رجوة في سنغافورة

سنغافورة - السعودية اليوم

GMT 10:54 2020 الإثنين ,29 حزيران / يونيو

التفرد والعناد يؤديان حتماً إلى عواقب وخيمة

GMT 18:07 2019 السبت ,12 كانون الثاني / يناير

بيتزي يحذر لاعبي المنتخب من هذا الأمر قبل مواجهة لبنان

GMT 13:29 2017 الأحد ,15 تشرين الأول / أكتوبر

د.مجدي بدران يكشف فائدة غسل الأيدي على المخ

GMT 11:14 2020 الجمعة ,09 تشرين الأول / أكتوبر

تسريب صور تكشف تصميم "هاواوي ميت 40" و"ميت 40 برو"

GMT 06:54 2020 الجمعة ,05 حزيران / يونيو

أفخم المجوهرات العالمية بأسلوب هيفاء وهبي

GMT 07:10 2019 الإثنين ,10 حزيران / يونيو

رانيا يوسف تثير جدلا جديدا وهجوم ناري من الجمهور

GMT 01:42 2019 الإثنين ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

دراسة تتوصَّل إلى سبب أحد أكثر أنواع الحساسية شيوعًا

GMT 03:14 2019 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

دببة قطبية بيضاء تغزو إحدى المناطق في شمال روسيا

GMT 01:42 2019 الإثنين ,11 شباط / فبراير

الصادق المهدي يحذر من انقلاب داخلي في السودان

GMT 05:43 2019 الخميس ,31 كانون الثاني / يناير

حنان مطاوع تخوض سباق رمضان المُقبل بـ"لمس أكتاف"

GMT 18:12 2019 السبت ,26 كانون الثاني / يناير

سامي الجابر يُعلّق على هاشتاج “محيط الرعب”

GMT 00:18 2019 الثلاثاء ,22 كانون الثاني / يناير

"مجلس النواب الأردني يقر مشروع قانون "العفو العام

GMT 02:21 2019 الثلاثاء ,15 كانون الثاني / يناير

يحيى الفخراني "سعيد" بتكريمه في مهرجان المسرح العربي
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
alsaudiatoday alsaudiatoday alsaudiatoday
alsaudiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab