إيران الرجل المريض

إيران... الرجل المريض

إيران... الرجل المريض

 السعودية اليوم -

إيران الرجل المريض

مصطفى فحص
بقلم : مصطفى فحص

يتفاقم الوضع الإيراني داخلياً وخارجياً، فالنظام عاجز عن معالجة الضعف المتفشي في مجاله الجيوسياسي من لبنان إلى العراق الذي سرعان ما نقل عدواه إلى الداخل الإيراني، فكشف عن حالة مرضية مستعصية لا يمكن الشفاء منها. فاللكمات التي خلفتها الاحتجاجات على وجه النظام لم يعد بالإمكان إخفاؤها، وحتى لو خرج في الجولة الأولى بأعطاب محدودة، فإن جسده المُتخم بالأوجاع لم يعد باستطاعته تحمل مزيد من الضربات.
ورغم نجاحه في قمع الاحتجاجات، فإنه على الأرجح لم ينجح في إخمادها، فالمقاربة الأمنية لأزمة اقتصادية تفتح الباب أمام موجة غضب جديدة في الشارع، سيقابلها بعملية قمع أعنف، ستتسبب بأضرار كبيرة في العلاقة بين الدولة والمجتمع، وقد تؤدي إلى إعادة تركيب السلطة وفقاً لقواعد العلاج الذي سيتلقاه كنظام يعاني من مجموعة اضطرابات بنيوية، تؤثر على استقرار مجتمعه ومكوناته العرقية التي تؤثر وتتأثر مباشرة باضطرابات السلطة.
عملياً، عمّقت قرارات التصدي المميت للمحتجين الإيرانيين الشرخ بين النظام والشعب، ونقلت المواجهة بينهما إلى نقط اللاعودة، فالنظام لم يعد يملك غير ورقة القوة للحفاظ ليس فقط على استقراره بل من أجل بقائه، في حين أعلن الشعب الطلاق شبه الكامل معه، ولم يعد ممكناً إعادة ترميم الثقة بين أقلية حاكمة أُسقِطت شرعيتها في الشارع، وأغلبية منتفضة لجأت إلى الشارع من أجل استعادة حقوقها.
ففي إيران اليوم يواجه الجميع - ثورة ونظاماً، دولة وشعباً - مأزقاً داخلياً هو الأصعب منذ تأسيس «الدولة السلطنة» قبل عدة قرون، التي قامت على معادلة الربط بين وحدة الجغرافيا وعقيدة الدولة، بهدف شرعنة نظامها وضمان استمراره، وقد فرضت هذه المعادلة على كل من حكم سكان الهضبة الإيرانية أو بلاد فارس الاستعانة بمصوغات عقائدية لضمان وحدة المجتمعات الإيرانية، التي تبدو الآن أكثر ميلاً إلى التمرد على السلطة المركزية نتيجة عوامل كثيرة أبرزها تردي العلاقة بين المركز والأطراف، إضافة إلى تراجع التنمية المتوازية، والأخطر هو رفض أغلبية الإيرانيين للأطروحة العقائدية للنظام التي بنى عليها شرعيته السياسية والدينية منذ تأسيس الجمهورية الإسلامية سنة 1979 على يد آية الله الخميني، الذي أقر نظام ولاية الفقيه وكرّس دور الهوية الدينية الشيعية مقابل باقي الهويات الفرعية. إلا أن حالة الاستبداد الديني التي فُرضت في ظل نظام ولاية الفقيه أدت إلى تراجع الهوية الدينية وصعود الهويات القومية كردة فعل مجتمعية على سياسة التمييز والإقصاء التي اتبعها النظام، وتفشي الفساد والتوزيع غير العادل للثروة وحصر السلطة بيد رجال الدين، الأمر الذي فاقم من معاناة الإيرانيين الذين حمّلوا كامل المنظومة الدينية مسؤولية ما وصلت إليه الأوضاع، وهذا ما يفسر التوسع الأفقي لحركة الاحتجاجات التي شملت أكثر من مائة مدينة في 18 محافظة، وانتقلت لأول مرة بهذا الشكل الكثيف إلى مناطق الأذريين ثاني أكبر قومية بعد الفرس، ويمثلون عصب الدولة التاريخي، وإليهم يعود بناؤها وحمايتها منذ الصفويين وإلى الآن، إضافة إلى المواجهات الدامية في الأحواز حيث الأقلية العربية التي تعاني من تمييز عرقي رغم أنها تعتنق المذهب الشيعي، كما شهدت مناطق الأكراد عمليات قمع شديدة خصوصاً في مدينة كرمنشاه حيث الأكراد الشيعة، ما يكشف النقاب عن هوة فعلية بين المكونات الإيرانية والنظام العقائدي الذي لجأ إلى العنف من أجل حماية خطابه الديني، الذي خسر دوره الاجتماعي والوجداني الجامع بين المكونات الإيرانية. وفي هذا الصدد يقول الخبير في الشأن الإيراني في قناة العربية الأستاذ مسعود الفك إن «تراجع الهوية الدينية المشتركة بفعل تصرفات النظام خلال أربعة عقود، أدى إلى نمو القومية القوية التي تحولت من فرعية سابقاً إلى أصلية لاحقاً».
لا يختلف توصيف حالة المريض الإيراني عن حالة جاره العثماني، 1853 التاريخ الذي أطلق فيه القيصر الروسي نيكولا الأول لقب الرجل المريض على السلطنة العثمانية، ودعا إلى تفكيكها وتقاسم أراضيها، و2019 عندما كشف الشعب الإيراني عن مرض نظامه ودعا إلى إسقاطه، إلا أن أمراض الجار العثماني قد أدت إلى نهاية الإمبراطورية العثمانية، وإلى قيام دولة تركية حديثة، أما في الحالة الإيرانية فإن أمراض النظام الإيراني ستدفع الشعب الإيراني إلى ما هو أبعد من تغيير طبيعته، فمما لا شك فيه أن صعود الهويات القومية على حساب الهوية الجامعة وغياب البدائل العقائدية لوحدة المجتمعات الإيرانية سيؤدي مستقبلاً إلى إضعاف الدولة المركزية لصالح الأطراف.

 

arabstoday

GMT 09:20 2020 السبت ,06 حزيران / يونيو

أخبار المتزوجين

GMT 09:15 2020 السبت ,06 حزيران / يونيو

أخبار من ايران وغيرها

GMT 05:49 2020 السبت ,06 حزيران / يونيو

«قيصر» يقتحم أبوابكم!

GMT 04:28 2020 السبت ,06 حزيران / يونيو

3 سنوات قطيعة

GMT 04:19 2020 السبت ,06 حزيران / يونيو

مسكين صانع السلام

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

إيران الرجل المريض إيران الرجل المريض



إطلالات متنوعة وراقية للأميرة رجوة في سنغافورة

سنغافورة - السعودية اليوم

GMT 01:44 2017 الأحد ,01 كانون الثاني / يناير

6 أمراض لا تعلمها يسببها التوتر وكيف تتغلب عليها

GMT 13:05 2021 الثلاثاء ,16 شباط / فبراير

اختراع جهاز لتحويل بول رواد الفضاء إلى ماء

GMT 21:08 2019 الإثنين ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

الاتحاد السعودي يتأهل إلى ربع نهائي كأس محمد السادس

GMT 16:51 2019 الخميس ,14 آذار/ مارس

تأجيل بطولة إفريقيا للكرة الطائرة سيدات

GMT 07:36 2019 الجمعة ,22 شباط / فبراير

سطوع شاشة هاتف ذكي يحدث 500 ثقب في عيني فتاة

GMT 12:22 2019 الجمعة ,08 شباط / فبراير

الحزم يكرم مدرب الأهلي يوسف عنبر

GMT 17:13 2018 الأربعاء ,17 تشرين الأول / أكتوبر

وفاة العراقية فرجينيا ياسين وحيدة بلا أقارب ولا معارف

GMT 17:18 2018 الأربعاء ,12 أيلول / سبتمبر

"الامن العام" ينظم ورشة للتعريف بمشروع عزم الشباب

GMT 18:19 2018 الجمعة ,19 كانون الثاني / يناير

الأسترالي نيك كيريوس ينتزع انتصارًا ملحميًا على تسونغا

GMT 06:50 2018 الأربعاء ,03 كانون الثاني / يناير

من شنودة الثالث إلى تواضروس الثانى

GMT 14:31 2013 الخميس ,13 حزيران / يونيو

صدور ترجمة رواية "الخيميائي" عن دار" أقلام"

GMT 09:50 2015 الجمعة ,16 كانون الثاني / يناير

تعلمي فن رسم العين على طريقة الفراعنة بواسطة الكحل

GMT 12:30 2012 الجمعة ,14 كانون الأول / ديسمبر

الانقسام سينتهي ما لم تحصل مفاجآت غير سارة

GMT 03:08 2020 الخميس ,30 كانون الثاني / يناير

مصطفى الفقي يؤكد أن ترامب يحاول إرضاء الفلسطينيين

GMT 08:59 2019 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب يصف رئيسة مجلس النواب بـ"المجنونة"
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
alsaudiatoday alsaudiatoday alsaudiatoday
alsaudiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab