بقلم : عبد المنعم سعيد
لست ممن يؤمنون بأن «التاريخ» يعيد نفسه، وأعتقد أن الواقع يشهد تاريخا جديدا فى كل وقت يأخذ شكل حلقات ربما تعيد بعضا من حماقة الإنسان الذى يعيد خطاياه ولكن ذلك جزء من عملية التغيير والتراكم. أحد فلاسفة التاريخ المعاصرين - يوفال هرارى - يرى أننا نقف أمام حلقة جديدة من التطور التاريخى الذى تقليديا كان يدور بين كائنات «عضوية» والذى كان فيها البشر جزءا من تطور المملكة الحيوانية. الإنسان العضوى كان عليه التفاعل مع ظواهر الليل والنهار، والشتاء والصيف، والجوع والشبع، وكلها تمثل تفاعلات مع كائنات وواقع عضوى. ما يحدث الآن هو أن الكائن العاقل خرج منه تفاعل «العضوي» المادى فى السماء والأرض والزرع والصناعة إلى التفاعل مع « اللاعضوي» حيث «الخوارزميات» والذكاء الاصطناعى والروبوت حيث تنتفى الحالة «العضوية» ويقوم مكانها حالة من الاتصال والتوظيف والتفاعل غير مسبوق فى الزمن الذى يترك الماضى ويتطلع إلى المستقبل.
العجيب فى الأمر أن إنسان زمننا يتصرف كما لو كانت الحياة، لم تتغير؛ بل أنه يعود بنا إلى أزمنة ماضية. فى أعقاب الحرب الأوكرانية تغيرت أوروبا فى طريق الوحدة، وتقاوم النزعات الانفصالية البريطانية حيث أرادت بريطانيا العودة إلى ما كانت كقوة تحفظ «توازن القوى» فى القارة سواء بالاستعانة بالولايات المتحدة أو بدونها. ما حدث هو أن جميع القوى الأوروبية التقليدية خاصة بريطانيا وألمانيا وفرنسا فزعت إلى زيادة التسلح؛ وأصبحت روسيا التهديد المحتمل الذى مثلته ألمانيا فى عدة حروب إقليمية فى القرن 19 وعالمية فى القرن 20. «بوتين» الروسى بدأ يأخذ روسيا إلى تلك الحالة الألمانية التى تحدد لنفسها «المجال الحيوي» الذى يليق بها. تحول الأمر إلى فزع دفع السويد وفنلندا للالتحاق بحلف الأطلنطى. لم يكن التاريخ يعيد نفسه «جيوسياسيا» فقط وإنما يفعل ذلك عند درجات أعلى من التسلح والقدرة على التدمير. فى آسيا تذكرت الصين أنها كانت عنصرا فاعلا فى الحرب العالمية الثانية وهزيمة النازية الألمانية والعسكرية اليابانية!