سنة مثيرة تنتهي

سنة مثيرة تنتهي!

سنة مثيرة تنتهي!

 السعودية اليوم -

سنة مثيرة تنتهي

أمير طاهري
بقلم - أمير طاهري

مع نهاية عام 2019، تتبادر إلى ذهني عبارة «يا لها من سنة مثيرة»! وكلمة «مثيرة» في هذا السياق لا بد أن تؤخذ بمعناها التقليدي الصيني، أي السنة المفعمة بالأحداث والفعاليات والمخاطر.
وأكدت السنة التي قاربت على الانتهاء على اتجاه نشأ في وقت مبكر من العقد الحالي ويشكل تراجعاً لا يمكن إغفاله أو إنكاره من العولمة التي كان يُعتقد في بداية القرن الجديد أنها الدواء الناجع لكافة أمراض عصرنا. والاتجاه الجديد، الذي بات يتبلور في العديد من البلدان، عبارة عن النزعة القومية التي تؤكد العودة إلى صورة الدولة القومية على اعتبارها النموذج الأصيل والأكثر فعالية من النظام السياسي.
ووضع الاتجاه الجديد النظام الدولي، أو النظام العالمي، كما يروق للبعض أن يسميه، في مأزق واضح وتحت ضغوط هائلة؛ إذ بدت المنظمات الدولية، بدءاً من الأمم المتحدة نفسها، أقل ارتباطاً – أو ربما اهتماماً - بواقع الأمور من أي وقت مضى. والمؤسسات الكبرى، مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، اللذين كانا يعتليان قمة موجة العولمة في أوجها، صارت ضحايا التهميش على نحو واضح لا لبس فيه. وأصبح حلف شمال الأطلسي، الذي يمر بحالة نقاهة متأخرة، في بحث حثيث عن عملية تجميل لجذب المزيد من الاهتمام. أما الاتحاد الأوروبي، الذي يهزه مغادرة البريطانيين المنتظر الانتهاء منها بحلول نهاية العام المقبل، صار مجبوراً على إلقاء نظرة فاحصة جديدة يستشرف منها آفاق مستقبله. والتجمعات الدولية الأخرى، من منظمة الدول الأميركية إلى الاتحاد الأفريقي، مروراً بمنظمة التعاون الإسلامي ثم جامعة الدول العربية، تحاول بقدر ما التكيف مع الموقف العالمي الدائم والسريع التغير من حولهم. أما بالنسبة إلى المنظمات الأخرى من شاكلة مجموعة شنغهاي الصينية وسوق أوراسيا المشتركة التي تتزعمها روسيا، فإنها في أفضل أحوالها كمثل الشخصيات الوهمية في رواية خيالية لا تزال تبحث عن مؤلف ليكتب قصتها!
ومع ذلك، هل تعتبر الدولة القومية، والنزعة القومية الآيديولوجية التي تؤطرها، قادرة على الاستجابة إلى والتعاطي مع الأوضاع العالمية المتطورة؟ ليس هذا بالأمر المؤكد على الإطلاق؛ إذ ترزح الدولة القومية نفسها تحت ضغوط كبيرة إثر النزعات الانقسامية والحركات الانفصالية في العديد من البلدان، بما في ذلك العديد من البلدان الديمقراطية، لا سيما في إسبانيا، والمملكة المتحدة، وكندا، وإيطاليا. والأسوأ من ذلك، أننا صرنا نشهد تكاثراً لا نهاية له من الدول الفاشلة على غرار سوريا، وفنزويلا، والصومال، والكونغو كينشاسا، وزيمبابوي، وليبيا، حيث تحول نموذج الدولة القومية إلى أكثر من مجرد أسطورة خرافية لا يصدقها أحد. وفي بلدان أخرى، ومن أبرزها أفغانستان، والسودان، والعراق، ولبنان بدرجة من الدرجات، دخل الموقف الراهن في طور من التجمد ملوحاً في الأفق بالوقوع في غياهب البلدان الفاشلة كمثيلتها سواء بسواء. وفي بعض البلدان الأخرى، ولا سيما إيران وكوريا الشمالية، تحولت الدولة إلى ما يشبه الأداة المعنية بإبقاء النظام على قيد الحياة وتحت السيطرة بأي ثمن ومهما كانت الظروف، ومن ثم الحيلولة تماما دون ظهور النموذج التقليدي المعروف للدولة القومية.
وحتى في الحالات التي تعمل فيها الدولة القومية بصورة طبيعية أو أقل من طبيعية، وهي الحالة الراهنة في أغلب البلدان، فإن سلطاتها وقوتها تتنازعان مع الجهات الفاعلة غير الحكومية أو العابرة للحدود الوطنية من شاكلة الشركات العملاقة المتعددة الجنسيات، وجماعات الضغط السياسي والمالي العالمية، مثل أنصار حماية البيئة، ووسائل الإعلام العابرة للحدود الوطنية. وفي بعض هذه الحالات، يمكن لمشاهير الفن والرياضة ممارسة قدر معتبر من النفوذ مما تملكه الدول القومية من الحجم المتوسط.
أسفر الاختفاء الافتراضي للأحزاب السياسية التقليدية عن ظهور جماعات، خاصة تلك التي تتحول في أغلب الأحيان إلى غرف «الصدى» الآيديولوجي. كما خسرت وسائل الإعلام التقليدية الكثير من زخمها، وقوتها، وتأثيرها في مواجهة شرسة من قبل المنافذ الإخبارية الهائلة التي تسوق للحقائق المزيفة البديلة في كل مكان.
ومن التحديات القائمة على النموذج التقليدي للدولة القومية يأتي «تأنيث» السياسات في الكثير والكثير من البلدان. وقبل جيل كامل من الآن، كان من النادر للغاية العثور على امرأة تشغل منصب الوزير، ناهيكم عن رئاسة الوزراء. أما اليوم، صار الأمر مبتذلاً للغاية. وتولت المرأة قيادة أغلب الأحزاب السياسية المؤثرة في المملكة المتحدة على سبيل المثال. وفي الولايات المتحدة كذلك، تهيمن السيدات المرشحات لخوض الانتخابات الرئاسية على قوائم مرشحي الحزب الديمقراطي الأميركي. ويبتعد هذا «التأنيث» الواضح للسياسات عن الأهداف التقليدية للدولة القومية التي طالما سلطت الأضواء على المكانة، والمجد، والنمو الاقتصادي، والقوة الصلدة، والأهداف الاجتماعية مثل الرفاه، والتعليم، والصحة، ومساعدة ضحايا المجتمع الحقيقيين أو المتصورين.
وتأكيداً للقول، لا شك أن هناك أجزاء مختلفة من العالم سوف تواجه هذه التحديات الجديدة بشتى الطرق؛ إذ وضعت الديمقراطيات الغربية الآليات المعنية بالإصلاح والتي سوف تساعدهم من خلال الانتقال العميق مع اعتبار الحد الأدنى من الأضرار التي تنال من النسيج الاجتماعي والنمو الاقتصادي.
وربما تكون البلدان الاستبدادية مثل الصين، وروسيا بدرجة من الدرجات، قادرة كذلك على تجاوز العديد من المطبات العارضة على الطريق، على الأقل أنها لا تزال تحافظ على معدلات النمو الاقتصادي التي يمكنها أن توفر للمواطن العادي آفاقاً لمستويات معيشية أفضل. وهناك عدد من البلدان الآسيوية، ولا سيما إندونيسيا، وبنغلاديش، وفيتنام، وتايلند، والتي هي في موقف مماثل مع أن اختلاف الأداء الاقتصادي يجعلها أقل أماناً من الصين أو روسيا. ولدينا الهند، التي طالما تفاخرت بلقب «أكبر ديمقراطية في العالم»، والتي تعاني من مشكلة إضافية تتمثل في الانفجار الوشيك لقنبلة القومية الدينية الخطيرة على غير تزامن مع المشهد الدولي الراهن.
وفي السنة المقبلة، سوف نخوض المرحلة الأخيرة من الحرب السياسية الثقافية التي نشأت رغماً عنا إثر انتخاب دونالد ترمب رئيساً للولايات المتحدة، مع استعداد كافة الأطراف للمواجهة. ونظراً لأن الولايات المتحدة لا تزال النموذج الذي يحظى بالأهمية لدى الكثيرين في كافة أرجاء العالم، فإن نتائج هذه المعركة يمكن أن توثر على الكثير من التطورات ذات الأهمية لدى العديد من البلدان الأخرى حول العالم.
وفي منطقتنا الحبيبة، الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، يساورني شعور عجيب يستند إلى حدس غريب ناشئ عن بعض المعلومات الملموسة بنهاية قريبة للصراع الدائر في اليمن. وربما يدرك الحوثيون، الذين تساندهم جمهورية إيران الإسلامية، أن المستفيدين في طهران من الحرب في اليمن لم يعودوا قادرين على ضمان استمرار مستويات الدعم اللازمة لمواصلة الحرب الأهلية الطويلة المنخفضة الشدة.
وفي العراق، فإنني أعتبر نفسي آخر الأشخاص تفاؤلاً على وجه الأرض بمستقبل هذه البلاد. وربما يكون لدى العراق المقدرة على التفاوض بشأن الانتقال العسير من الجيل القديم من الساسة، وأغلبهم من المنفيين السابقين، إلى جيل جديد نشأ وتربى داخل البلاد منذ تحرير العراق في عام 2003.
وتتحرك إيران هي الأخرى على مسار الانتقال من نظام الحكم المصاب بخرف الشيخوخة المتأخرة والذي فقد الكثير من زخم شرعيته لدى الناس والذي يجد صعوبة بالغة في إحباط طموحات أمة أغلب سكانها من الشباب ذوي الإبداع والابتكار والتطلع والطموح.
وفي سوريا، لا تزال علامة الاستفهام الكبيرة مستقرة فوق رؤوس الآفاق المستقبلية الغامضة. وبسبب كل من التدخلات الروسية، والإيرانية، ثم التركية، فإن الانتقال السياسي للسلطة الذي كان من الممكن أن يحدث من واقع نظام بشار الأسد إلى الإجماع الوطني الجديد، قد أسيء استغلاله وتمخض عما نراه الآن.
ومن الصعوبة بمكان أن نرى كيف، ناهيكم عن متى، يمكن لسوريا معاودة الظهور كدولة قومية موحدة بأي معنى مقبول لذلك الاصطلاح.
والأنباء السارة تقول إن السنة «المثيرة» قاربت على الأفول، والأنباء السيئة تفيد بأن السنة المقبلة قد تكون أكثر «إثارة» من سابقتها. ومرة أخرى، بالمعنى الصيني التقليدي للكلمة!

arabstoday

GMT 09:20 2020 السبت ,06 حزيران / يونيو

أخبار المتزوجين

GMT 09:15 2020 السبت ,06 حزيران / يونيو

أخبار من ايران وغيرها

GMT 05:49 2020 السبت ,06 حزيران / يونيو

«قيصر» يقتحم أبوابكم!

GMT 04:28 2020 السبت ,06 حزيران / يونيو

3 سنوات قطيعة

GMT 04:19 2020 السبت ,06 حزيران / يونيو

مسكين صانع السلام

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

سنة مثيرة تنتهي سنة مثيرة تنتهي



إطلالات متنوعة وراقية للأميرة رجوة في سنغافورة

سنغافورة - السعودية اليوم

GMT 10:11 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج القوس الإثنين 6 أكتوبر/تشرين الأول 2020

GMT 11:49 2020 الإثنين ,29 حزيران / يونيو

ما كنت تتوقعه من الشريك لن يتحقق مئة في المئة

GMT 11:41 2021 الأربعاء ,03 شباط / فبراير

يحاول أحد الزملاء أن يوقعك في مؤامرة خطيرة

GMT 16:37 2018 الإثنين ,01 تشرين الأول / أكتوبر

ريتشارد ديرلوف نادم على دعم بوتين في الانتخابات

GMT 07:08 2018 الخميس ,05 تموز / يوليو

تعرفي على أصول وقواعد ارتداء الحجاب

GMT 11:20 2017 الأربعاء ,20 أيلول / سبتمبر

صفاء سلطان تُذبح و"الانستغرام" يحذف الفيديو

GMT 22:44 2016 الجمعة ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

Haute Coutureِ Fall/Winter 2016-2017

GMT 12:12 2017 الجمعة ,08 أيلول / سبتمبر

"Mulberry" يقدم مجموعة تسيطر عليها ألوان الباستيل

GMT 23:43 2017 الخميس ,18 أيار / مايو

عمر خربين يرفض المقارنة مع مواطنه السومة

GMT 08:58 2019 السبت ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

السر الحقيقي للقصر المسكون في "ما يطلبه المستمعون"

GMT 12:55 2019 الأربعاء ,30 كانون الثاني / يناير

كندي يقتل 8 أشخاص "مثليين" ويدفنهم في حديقة أحد زبائنه

GMT 11:52 2019 الأحد ,27 كانون الثاني / يناير

سعر الريال السعودي مقابل الجنية السوداني الاحد

GMT 09:07 2019 الثلاثاء ,08 تشرين الأول / أكتوبر

نصائح لاختيار الألوان المناسبة في ديكورات المطابخ الصغيرة

GMT 22:29 2019 الجمعة ,04 كانون الثاني / يناير

دراسة جديدة تكشف عن سبب بكاء طفلكِ ليلًا غير الجوع والألم

GMT 16:14 2018 الأحد ,30 كانون الأول / ديسمبر

فوائد بذور الأفوكادو للقضاء علي الميكروبات المعدية

GMT 10:22 2018 الإثنين ,24 كانون الأول / ديسمبر

اتحاد جدة يدخل مفاوضات لضم لاعب منتخب مصر محمود تريزيجيه
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
alsaudiatoday alsaudiatoday alsaudiatoday
alsaudiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab