عودتي للطيرة

عودتي للطيرة

عودتي للطيرة

 السعودية اليوم -

عودتي للطيرة

بقلم - حسن البطل

تكون فلسطين - الساحل أندلساً ثانية، أو لا يكون مصير الفلسطينيين مصير الأندلسيين. للأرض نشيد ولإنسانها نشيد .. ولي من النشيدين نشيدي:

سقطت الأندلس عام سقوط غرناطة؛ وفلسطين - الساحل سقطت يوم سقوط طيرة حيفا. ستبقى جسر الزرقاء ملاذا ساحليا أخيراً لحفدة الجنود السودانيين في حملة محمد علي؛ وأما الطيراوية العنيدون فسيتفرقون بين ثلاث من دول الطوق الأربع.

للأرض نشيدي الأيّاري، ولمسقط رأسي نشيدي التموزي. أيهما السقوط الكبير؛ وأيهما السقوط الصغير. بين السقوطين ظلّ أبي وأعمامي وأخوالي.. وإخوتي الكبار مدة شهرين على حافة البحر الأبيض؛ بينما نحن في قلب غوطة دمشق الخضراء.
الولد، ابن الثالثة والنصف، الذي لم يعش حصار «جيب الطيرة العربي» مدة شهري صيف، سيعيش حصار «جيب» بيروت الغربية ثلاثة أشهر صيف .. إلا أسبوعاً واحداً. خروج في عمر الحليب؛ وخروج في عمر النبوة: «هي هجرة أخرى فلا تُلقي السلاما»، قال شاعرنا.

سحبنا أجسادنا من جسد الأرض، ثم علينا أن نسحب ظلالنا عن الجدار العربي!
لي من النشيدين نشيدي
في أيام الحمل المتأخر للولد البكر الأول، سيقول الطبيب في الجامعة الأميركية ببيروت: يوم الولادة المرجح في 14 تموز. سيقترب النشيد من النشيد: مصادفة سعيدة. ستولد البنت في يوم ميلاد أبيها. قالت الأم، غير أن المولودة ستأتي الى الحياة قبل يومين.

سيكون عليّ ان أطفئ معها شمعة الميلاد عامين وثلاثة. وسيكون عليّ أن أترك البنت وأمها في الأمان المراوغ للخروج الجديد. وسيكون خروجي من بيروت أباً لطفلة في الثالثة والنصف من عمرها، كما كان خروجي ولدا من طيرة حيفا في الثالثة والنصف من عمري.

سأعلمها السباحة في بحر قبرص كل صيف؛ وكل صيف سأقدم لها هدية الميلاد في 12 تموز، لتقدم لي هدية الميلاد في 14 تموز.

أواخر تموز من عام النكبة سينفجر صياح الأولاد في الحارة. قسم من الأولاد سيركض صائحا «يابا» وقسم من الأولاد سيركض في الاتجاه المخالف «يمّا. أبوي أجا من فلسطين». نسينا صورة عودة الأب المحارب كسيراً؛ وعودة العم والخال كسيرين مثله. سيبدأ الآباء المقاتلون تشكيل فلسطين نشيجا لا ينقطع «هذول الزعماء العرب .. الله يقطعهم». سيأتي ناصر ليصادر هذا السخط الى حلم قصير آخر.

فيما بعد، سيطغى 15 أيار على كل أيام العام. فيما بعد سيبدأ 16 تموز يأخذ مكانه من نشيدي. في ذلك اليوم، سقطت طيرة حيفا، آخر موقع عربي على ساحل فلسطين.

ماذا يقول نشيد الروح «كأنهم سكارى وما هم بسكارى»
مرتين، أخذتني هزة الروع هكذا .. حتى تبسملت (وأنا مؤمن قوي الإيمان .. ضعيف التدين): يوم ان هويت، في العاشرة من عمري، من سقف عال إلى أرضية من الإسمنت؛ ويوم طلعت «رسمية» من عتمة بيتها في الكبابير جوار الطيرة، وهي تتلمس الطريق مهتدية بصياح بنات «عيلة الباش» الباقية: «أجا ابن مصباح يا حجة» .. فإذا بالحاجة كأنها توأم أمي مريم. لم أكن اعرف ان لأمي ابنة خالة باقية في جوار الطيرة. رسمية تراني من خلال غبش نور العين الغارب.

تشمني قبيل ان تحضنني.. وراحت تهزج: «قال عيسى البطل: يا نشامى يللا .. ميت فارس على الأفراس هبّوا». تبكي رموش عينيها ولا تهطل دموعها» راحو الطيراوية الأبطال راحوا .. العمر راح والبلد راحت».

كانت تلك «عودتي» في كانون الثاني 1995. كنت «مصروعاً» او «ملخوماً»، عندما أديت في المقبرة ركعة شكر نويتها في نيقوسيا. لم أركعها على الجسر قدام الجنود اليهود .. استحيت. الطيرة هي غرناطة ساحل فلسطين. حيفا هي القدس الثانية للمنفيين الفلسطينيين.

يعود الباحثون عن كنز قديم وفي عيونهم حمى .. وفي ايديهم خارطة رديئة. عدت وفي يدي خارطة جيدة رسمها أخي المقاتل القديم.. ولكن كل الجهات أراها شمالا. كل الجهات أراها جنوبا.. وكان للأفق الطيراوي في كانون الثاني جذر فضّي .. ولجبل الكرمل ان يتدثر بالضباب. الأرض تميد.. أو «كأنهم سكارى وما هم بسكارى».
لا أرى أبعد من تلك البناية الطويلة

فجأة، كأنني أسريت الى تلك البناية الطويلة يلفها الضباب. فجأة، كأني دخلت تلك المدرسة. فجأة، كأنني أمسكت قلم الطبشور.. وكتبت على السبورة: هذه المدرسة بناها مصباح حسين البطل. أنا ولده حسن مصباح البطل.

.. وعندما التفتّ لأرى وجوه التلاميذ اليهود المصعوقة .. صحوت الى نفسي واقفا في المقبرة، وانظر الى مدرسة ثانوية بناها أبي، وخرجنا قبل تدشينها للذين بنيت من اجلهم.
بين النشيدين نشيدي
ها أنا واقف في مقبرة الطيرة. تذكرت مقبرة دوما (يسمونها: التربة) فهي من التراب .. واليه نعود. عدت الى الطيرة هاربا من القبر الرابع في المنفى .. قبري.
هذا قبر المرحوم: حسين عبد الرحمن البطل (جدي).
هذا قبر المرحوم: مصباح حسين البطل (أبي).
هذا قبر الشهيد سعيد مصباح البطل - أبو مشهور (أخي الصغير).
قلت في مقبرة المنفى: ربّ لا تجعلني أجاورهم في قبر رابع.
فجأة تهرب التفاصيل من ذاكرة الحلم.. وببطء يرتسم المشهد الواقعي. طيلة ثلاثة أعوام وانا أرمم صورة الحلم.. على صورة الواقع. بين النشيدين 15 أيار و16 تموز أبحث عن نشيدي.
يسألني المنجمون: برجك؟ السرطان! أي يوم؟ 14 تموز! يقولون: سرطان أبيض؟!

arabstoday

GMT 09:20 2020 السبت ,06 حزيران / يونيو

أخبار المتزوجين

GMT 09:15 2020 السبت ,06 حزيران / يونيو

أخبار من ايران وغيرها

GMT 05:49 2020 السبت ,06 حزيران / يونيو

«قيصر» يقتحم أبوابكم!

GMT 04:28 2020 السبت ,06 حزيران / يونيو

3 سنوات قطيعة

GMT 04:19 2020 السبت ,06 حزيران / يونيو

مسكين صانع السلام

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عودتي للطيرة عودتي للطيرة



إطلالات متنوعة وراقية للأميرة رجوة في سنغافورة

سنغافورة - السعودية اليوم

GMT 09:41 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تعيش أجواء مهمة وسعيدة في حياتك المهنية

GMT 22:46 2019 الأحد ,28 إبريل / نيسان

"التعاون" يفتقد 3 نجوم قبل مواجهة "الهلال"

GMT 21:28 2018 الثلاثاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

رئيس الأهلي يتكفل بتذاكر مباراة الشباب

GMT 13:09 2018 الثلاثاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

بلتون تتوقع تثبيت سعر الفائدة في اجتماع البنك المركزي

GMT 02:34 2018 الإثنين ,03 كانون الأول / ديسمبر

محمد بن سلمان يستأنف جولته العربية بموريتانيا والجزائر

GMT 19:28 2018 الجمعة ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

مدافع"بايرن ميونخ" يشكر لوف على استبعاده من قائمة ألمانيا

GMT 11:24 2018 الأربعاء ,10 تشرين الأول / أكتوبر

النجار يحقق البرونزية الثانية لمصر في "أولمبياد الشباب"

GMT 18:09 2018 الخميس ,25 كانون الثاني / يناير

سائق السيارة يمكنه الرد على المكالمات من خلال "البلوتوث"

GMT 06:39 2017 الخميس ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

سامسونج تعمل على Galaxy S9 Mini بشاشة أصغر من 5 بوصة

GMT 09:31 2014 السبت ,26 تموز / يوليو

وفاة 3 أشخاص في حادث مروري في هجرة عريعرة
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
alsaudiatoday alsaudiatoday alsaudiatoday
alsaudiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab