الديمقراطية التوافقية في الحالتين العراقية واللبنانية

"الديمقراطية التوافقية" في الحالتين العراقية واللبنانية

"الديمقراطية التوافقية" في الحالتين العراقية واللبنانية

 السعودية اليوم -

الديمقراطية التوافقية في الحالتين العراقية واللبنانية

بقلم :عريب الرنتاوي

لا «ولادة طبيعية» للحكومات في كل من لبنان والعراق، المولود الجديد يأتي غالباً بعد مخاض عسير، وعملية قيصرية مؤلمة، مصحوبة دائماً بتفشي أحاسيس مريرة بالمظلومية والتهميش، حتى لدى الأطراف المشاركة فيها، والتي غالباً ما تعتقد، بأنها نالت أقل مما تستحق في التشكيل الوزاري الجديد.

أكثر من ستة أسابيع انقضت منذ إجراء الانتخابات في مايو/أيار في البلدين، فيما الحكومة لم تر النور في أي منهما حتى الآن، وليس من المتوقع أن تراه قريباً، أقله في الحالة العراقية، حيث ستبدأ من جديد عمليات الفرز اليدوي للنتائج، بعد طعون جادة وجدية في نزاهة عمليات العد والفرز الالكتروني، وبصورة قد تتهدد بانقلاب المشهد، وإعادة توزين أحجام القوى المتنافسة على صناديق الاقتراع... في لبنان الحروب الضروس المحتدمة بين الكتل والأحزاب الفائزة، لم تضع أوزارها بعد، ورئيس الحكومة بحاجة ربما لتشكيل وزاري يتعدى المائة وزير لملاقاة الطلب المتزايد على المقاعد الوزارية.

البعض يقول إنها «ضريبة» الديمقراطية القائمة على التعددية الحزبية، وهذا قول صحيح، بيد أنه صحيح جزئياً فحسب، فكثير من الديمقراطيات الغربية والشرقية، القائمة على التعددية على الحزبية، لا تعاني أعراض المرض الذي يضرب العمليات السياسية في كل من العراق وسوريا... والأرجح أنها ضريبة «الديمقراطية التوافقية» القائمة على نظام المحاصصة الطائفية والمذهبية في كلا البلدين.

لكن على الرغم من التعطيل المتمادي في تشكيل الحكومات في بلدان الديمقراطيات التوافقية، إلا أن هذا «النموذج» يظل مع ذلك، النموذج الأقل كلفة في دول ومجتمعات، تتميز بوجود فسيفساء طائفية وإثنية ودينية، وخارجة لتوها من حروب أهلية دامية... فشل تجربة الاحتكام إلى صناديق الاقتراع وعقد التسويات والصفقات التفاوضية، يعني شيئاً واحداً فقط: العودة للاحتكام إلى «صناديق الذخيرة»... ومن دون تردد نقول إن الخيار الأول، هو الأفضل بلا نقاش.

على أننا نؤمن أن الديمقراطية التوافقية، وهو مصطلح اشتق من رحم تجارب الانتقال المكلفة للديمقراطية، يتعين أن تكون لحظة انتقالية في تاريخ الشعوب والمجتمعات، مشروطة بمدى التقدم المٌخرز على طريق ترسيخ «العقد الاجتماعي» وبناء دولة «المواطنة المتساوية والفاعلة»، دولة جميع أبنائها وبناتها بصرف النظر عن اختلاف اللغة والجنس والدين والعرق واللون.

في الحالتين، اللبنانية والعراقية، يلعب «الناخب الإقليمي والدولي» دوراً لا يقل حيوية وتأثيراً عن الناخب المحلي... في العراق مثلاً، يتعين على أية تشكيلة حكومية جديدة، أن تحظى برضا مزدوج من واشنطن وطهران، ولذلك لم يكن مستهجناً أن يتحول كل من بريت ماكغورك وقاسم سليماني إلى عقدتي اتصالات ومشاورات هامتين، قبل الانتخابات، وبالأخص بعدها... كما يتعين استرضاء بعض اللاعبين الخارجيين الأقل وزناً وأهمية على الساحة العراقية (تركيا والسعودية)، فضلاً عن تأمين حصص وازنة للقوائم العشرة الكبرى التي أفرزتها الانتخابات (5 شيعية، 3 سنية وقائمتان كرديتان)، أقله حتى الآن، وقبل انتهاء الفرز اليدوي.

أما في لبنان، فإيران والسعودية، وبدرجة ما، الولايات المتحدة وفرنسا والفاتيكان، هم «ناخبون كبار» كذلك، ولا يمكن بحال، التفكير بصياغة إي ائتلاف حكومي من دون الأخذ بنظر الاعتبار حسابات هؤلاء ومصالحهم، وإن بتفاوت، كما أن القوائم الست الكبرى (واحدة سنية وأخرى درزية واثنتان شيعيتان واثنتان مسيحيتان) لا تكتفي بالمطالبة بحصص وازنة لمنتسبيها، بل وللمحسوبين عليها من قوائم صغيرة أو شخصيات مستقلة أخرى.

لبنان، أكثر من العراق، اعتاد «لعبة التمديد» للبرلمان ولحكومات تصريف الأعمال، وتشكيل حكومة جديدة احتاج في بعض المرات لأشهر عديدة من العمل والمفاوضات والمساومات الشاقة والمريرة... العراق يقترب من التجربة اللبنانية، أي «يتلبنن» على نحو ما... البرلمان قرر التمديد لنفسه لأول مرة، أو هو في الطريق إلى ذلك، خشية وقوع «فراغ دستوري»، وهي ذات الحجة اللبنانية للتمديد المتكرر واستطالة «التصريف»، كما أن حكومة الدكتور حيدر العبادي، ستواصل تصريف الأعمال، ربما لفترة طويلة قادمة، بعد أن تعذر الحسم إلى الآن، حتى بالنسبة إلى نتائج الانتخابات.

أياً يكن من أمر، وبرغم مرارة التكليف والتأليف في تجربتي البلدين، وما يترتب عليها من تعطيل لمصالح المواطنين والخدمات الأساسية، فإن الحوار بالكلمات والتوافق على إدارة مرحلة الانتقال، يظل أفضل بكثير من التراشق بالرصاص والصواريخ، وتعميق الاستقطاب والتنابذ، أو الارتهان لحكم الاستبداد، سواء أكان حكم الفرد الواحد أم حكم الحزب القائد.

المصدر : جريدة الدستور

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

 

arabstoday

GMT 09:20 2020 السبت ,06 حزيران / يونيو

أخبار المتزوجين

GMT 09:15 2020 السبت ,06 حزيران / يونيو

أخبار من ايران وغيرها

GMT 05:49 2020 السبت ,06 حزيران / يونيو

«قيصر» يقتحم أبوابكم!

GMT 04:28 2020 السبت ,06 حزيران / يونيو

3 سنوات قطيعة

GMT 04:19 2020 السبت ,06 حزيران / يونيو

مسكين صانع السلام

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الديمقراطية التوافقية في الحالتين العراقية واللبنانية الديمقراطية التوافقية في الحالتين العراقية واللبنانية



أجمل فساتين السهرة التي تألقت بها سيرين عبد النور في 2025

بيروت - السعودية اليوم

GMT 12:18 2025 الإثنين ,08 كانون الأول / ديسمبر

نتنياهو يعلن رغبته في اتفاق يضمن خلو جنوب سوريا من السلاح
 السعودية اليوم - نتنياهو يعلن رغبته في اتفاق يضمن خلو جنوب سوريا من السلاح

GMT 11:51 2025 الأحد ,07 كانون الأول / ديسمبر

جورج كلوني يعترف بتغيير مساره المهني من أجل أطفاله
 السعودية اليوم - جورج كلوني يعترف بتغيير مساره المهني من أجل أطفاله

GMT 12:14 2019 الإثنين ,01 إبريل / نيسان

تشعر بالإرهاق وكل ما تفعله سيكون تحت الأضواء

GMT 06:18 2025 الجمعة ,05 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج الدلو الجمعة 05 سبتمبر/ أيلول 2025

GMT 16:59 2021 الخميس ,07 كانون الثاني / يناير

حظك اليوم برج الجدي الخميس 7 يناير/كانون الثاني 2021

GMT 05:59 2025 الجمعة ,05 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج الثور الجمعة 05 سبتمبر/ أيلول 2025

GMT 09:35 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج الحمل الأربعاء 7 أكتوبر/تشرين الثاني 2020

GMT 23:13 2020 الجمعة ,05 حزيران / يونيو

أمانة منطقة عسير تطرح 40 فرصة استثمارية

GMT 11:35 2020 السبت ,06 حزيران / يونيو

"الشارقة الثقافية" تحتفي بتاريخ وجمال تطوان

GMT 05:20 2020 الإثنين ,16 آذار/ مارس

مولودية الجزائر يستعيد وصافة الدوري

GMT 16:33 2019 الأحد ,08 كانون الأول / ديسمبر

حارس جديد يظهر في مران الأهلي اليوم

GMT 10:00 2019 الأربعاء ,22 أيار / مايو

ترامب في زيارة رسمية إلى أيرلندا للمرة الأولى

GMT 09:33 2019 الثلاثاء ,12 آذار/ مارس

«أفوكادو توست» حذاء ركض رجالي بألوان الطعام

GMT 00:23 2015 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

نصائح لتبييض الركبتين و المناطق الخشنة
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
alsaudiatoday alsaudiatoday alsaudiatoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh Beirut - Lebanon.
lebanon, lebanon, lebanon