تابوت مستغانمي
حريق ضخم في مبنى شركات بجاكرتا يودي بحياة سبعة عشر شخصا ويعيد مخاوف السلامة في المنشآت الصناعية جامعة الدول العربية تدين إقتحام قوات الاحتلال الإسرائيلية لمقر الأونروا في القدس المحتلة ترامب يصعد هجومه على أوروبا ويتهم قادتها بالضعف والفشل في إدارة الهجرة وأزمة أوكرانيا وقوع إنفجارات بمنطقة المزة بالعاصمة دمشق ناجمة عن سقوط قذائف مجهولة المصدر في محيط مطار المزة العسكري اليونيسف تعلن عن أسوأ تفش للكوليرا في الكونجو منذ خمسة وعشرين عاما مع تسجيل أكثر من ألف وثمانمائة وفاة مقتل 6 جنود باكستانيين في هجوم مسلح على موقع أمني قرب الحدود مع أفغانستان غضب إيراني واحتجاج مصري بعد تصنيف مباراة منتخبيهما في مونديال 2026 كمباراة فخر في سياتل زلزال بقوة 5 درجات على مقياس ريختر اليوم جنوب جزر كيرماديك في نيوزيلندا اليابان تحذر من موجات تسونامي تصل ثلاثة أمتار بعد زلزال بقوة 7,6 درجة ليفربول يستبعد محمد صلاح من رحلة ميلانو وسط توتر مع المدرب سلوت
أخر الأخبار

تابوت مستغانمي

تابوت مستغانمي

 السعودية اليوم -

تابوت مستغانمي

بقلم ـ عبدالله زبير

صباح من شهر يونيو/حزيران. سماء يلفها غمام خفيف يحجب شمسها المتكتمة. قد تمطر في المساء. يمر الوقت، تتقدّم عقارب الساعة، يتلاشى الغيم وتسطو الحرارة على الجسد. ترهقه. تتعبه. مشهد مألوف في صيف هيوستن. تستحيل الحياة من دون المكيّفات. هيوستن تحيا في ظل الأجواء المكيّفة. حتى بداية العشرينات من القرن الماضي، هيوستن مدينة صغيرة جدا. الحرارة والرطوبة تقتل. تدفع الناس بعيدا. يخترع "ويليس كاريير" المكيّف، ينتشر استخدامه على نطاق واسع فتلتقط  هيوستن فرصتها الثمينة في الحياة. يتغير الوضع رأسا على عقب. يبدأ موسم هجرة لا متناهي نحوها من الشرق والغرب والشمال. اليوم، هي مدينة الفرص وملجأ الباحثين عن ميلاد جديد. أولد اليوم تحت شمسها الحارقة.

لم يكن قد مر على مقامي في هيوستن أكثر من أسبوعين. مرا بهدوء تام. أقضي وقتي صباحا أمام التلفاز وأقضي الأماسي في بركة الماء بالجوار. كنت سعيدا باكتشاف هذه الثقافة الغريبة والكشف عنها أمام عيني ومخيلتي. قرأت كثيرا عن أميركا أيام الجامعة. قرأت عن المستوطنين البيض والهنود الحمر، عن عرش بريطانيا وفكرة الاستقلال وكيف تبلورت في ظل غطرسة البريطانيين. قرأت عن بوسطن وفيلادلفيا، عن الشاي والتبغ وعن حق الأميركيين في التمثيل البرلماني. مواقف شتى ومشاهد صنعت هذا العالم الجديد. بعضها حقيقي؛ عاشه الإنسان، وبعضها من نسج الخيال أسّس للأساطير وأحيانا لعظمة زائفة. لا يهم كيف حل الإنجليز بأرض الأحلام.

لا يهم كيف وقع القائد "جون سميث" في أسر الهنود أو كيف أعتقته الأميرة الصغيرة "بوكاهونتاس" من قبضتهم ودلته على سبل الخلاص والبقاء. مات الجميع. بقي الأثر يمحصه دارسو التاريخ. عاشت أميركا. يحتفل الأميركيون اليوم بعيد الشكر وفاء لماض غابر دونا عن ضرورات النبش أو الحاجة إلى اليقين من تفصيلاته.

أجلس بالخارج. أحتسي كأس الشاي وأدندن. بعض الصبية يلعبون في الجوار كرة السلة. يمرحون. تمر سيدة بجانبي. يسبقها كلبها المرح. صاحبته وسيدته. تحييني بابتسامة عابرة. أفرح. اللطف يعين على الاندماج؛ على الغوص في الثقافة والقبول بفكرة العيش المشترك.

أنتشي بحالة التعايش هنا؛ بالحفاوة والروح القابلة للمختلفين. لا داع للغرابة! أميركا أرض المهاجرين. أبدا! القاعدة تعرف الاستثناء. تكسب حقيقتها من ملازمته ومصاحبته، جيراني صينيون. لا يرحبون ولا يسلمون. تخالهم أمواتا. الصينيون لا يحبون الإختلاط. يعيشون في عالمهم. غالبيتهم تختار العيش ب"التشاينا تاون" هنا. أي، المدينة الصينية. تنتشر هذه الحواضر في كل مكان؛ في كاليفورنيا، فلوريدا، نيويورك... وفي تكساس طبعا. مدن آسيوية كاملة الأوصاف؛ الطراز، المطاعم، اللغة، العادات وروح الشرق الأدنى. قد يقضي الصيني العمر كله بين أسوارها دون الحاجة إلى لحظة خروج. بعضهم لا يتكلم الإنجليزية على الإطلاق. أتفهم موقف الجيران. لا أبالي...أنا لست في شنغهاي!

ما السيدة وجيراني الصينيون إلا صورة من صور الحياة هنا. أنا إنسان مغترب. أعيش في متاهات لا حصر لها. حياة بين المد والجزر. فرح وحزن، يأس وطموح، حيرة ويقين. موقف يفرح؛ ينتصر لخيار الغربة وموقف صعب؛ تلعن معه الماضي والحاضر والمستقبل. لطف السيدة يزرع في تربتي إحساسا جميلا بفكرة قبول الإنسان لأخيه الإنسان وباب مسدود بجواري يبعث على القلق من فكرة الرفض. أحاول  في ساعتي هذه الانفلات من قبضة الضيق والخيبة إلى رحابة الأمل. الأمل جوهر الحياة. به يحيا المرء. دونه يموت. سأعيش مع الآخرين، سأسافر وأرحل بين الثقافات. بالبارحة، لا أعرف غير لغة المغاربة، ثقافتهم ودينهم وذهنيتهم. اليوم، أنا أطل على العالم كله ومن قريب. اليوم، أنا أعيش بين البيض والسود والهنود، بين الأوروبيين والآسيويين والأفارقة، بين الكاثوليك والبروتستانت والهندوس واليهود... بالبارحة، لا أرى غير المساجد. اليوم أنا أجاور الكنائس والمعابد...

تراودني بقايا كلمات أحلام مستغانمي من رواية عابر سرير عن الغربة، عن حياة التشرد التي يعيشها المغترب. تكتب هي أن "الغربة فاجعة يتم إدراكها على مراحل، ولا يستكمل الوعي بها إلا بانغلاق ذلك التّابوت على أسئلتك التي بقيت مفتوحة عمرا بأكمله، ولن تكون هنا يومها لتعرف كم كنت غريبا قبل ذلك؟ ولا كم ستصبح منفيا بعد الآن؟" تنطق عن هوى وروح شاعرة؛ عن حكمة الأديبة العارفة. تزيد ريبتي. أطرد شيطان كلماتها بعيدا عني. لست مستعدا بعد للغوص في هذا القاع. لم أر بعد ما يخيف أو يدفعني للسؤال. لا موت ولا توابيت ولا نفي. لم أحمل حقيبتي للسفر في الحزن. سأحتسي الشاي وأغني. سترقص روحي المرحة على وقع موسيقى الحياة. فكرة الحياة أعظم من أن تنجذب لنغمات الحزن. 

يمضي الوقت. ليل هيوستن يبعث على الارتياح. هادئ. نجوم محتشمة من أثر كثرة الأضواء. في أميركا، النجوم لا تتسيّد ولا تتبدى إلا في الخلاء. أتذكر ليالي شاطئ "بوكمور" شمالي مدينة القنيطرة. أتذكر النجوم الساطعة. ينعكس الضوء على الموج المنكسر فيزيد المشهد رونقا لا يقاوم. نجلس أحيانا للفجر. نغني ونحكي. حطب ونار وكؤوس شاي ونجوم. أشتاق. ينكسر خاطري. أسكن في خلوة الذكرى. أغفو. تمر العربات تباعا. وقع كالصمت. لا أبواق. لا شيء يزعج خلوتي الساعة.
 

alsaudiatoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تابوت مستغانمي تابوت مستغانمي



GMT 10:36 2019 السبت ,28 كانون الأول / ديسمبر

"أديب ذو سجون " للكاتب المغربي عبده حقي

GMT 10:31 2019 السبت ,19 تشرين الأول / أكتوبر

تدريس مادة التربية الإسلامية والمسيحية بالأمازيغية

GMT 14:46 2019 الثلاثاء ,08 تشرين الأول / أكتوبر

على مفترق يسمونه حضارة وجدتني تائهة

GMT 14:32 2019 الثلاثاء ,08 تشرين الأول / أكتوبر

على مفترق يسمونه حضارة وجدتني تائهة

GMT 12:37 2019 الإثنين ,30 أيلول / سبتمبر

فتاة القطار

GMT 16:24 2019 الأحد ,19 أيار / مايو

أجيال

أجمل فساتين السهرة التي تألقت بها سيرين عبد النور في 2025

بيروت - السعودية اليوم

GMT 13:51 2025 الثلاثاء ,09 كانون الأول / ديسمبر

الفنانة منة شلبي تخوض الفترة الحالية نشاطًا دراميًا مكثفًا
 السعودية اليوم - الفنانة منة شلبي تخوض الفترة الحالية نشاطًا دراميًا مكثفًا

GMT 07:13 2012 السبت ,08 كانون الأول / ديسمبر

قائمة نيويورك للكتب الأعلى مبيعات في الأسبوع الأخير

GMT 14:18 2019 الثلاثاء ,15 كانون الثاني / يناير

منتخب الأردن في مهمة سهلة أمام نظيره الفلسطيني الثلاثاء

GMT 20:34 2018 الأحد ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

مدرب الهلال يؤكد أن الوحدة الخصم الأفضل في الدوري

GMT 00:22 2017 الأربعاء ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

الـقـدس .. «قــص والصــق» !

GMT 07:41 2017 الثلاثاء ,28 شباط / فبراير

اتحاد عزت والفساد الرياضي

GMT 20:58 2021 الأربعاء ,13 كانون الثاني / يناير

أم صلال يتعادل مع الوكرة بدون أهداف في الدوري القطري

GMT 02:26 2020 الإثنين ,06 إبريل / نيسان

انتحار أمين شرطة في مطار الأقصر الدولي

GMT 18:43 2020 الخميس ,02 إبريل / نيسان

الريحان ينشط الشهية ويحسن الهضم ومضاد للتشنج
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
alsaudiatoday alsaudiatoday alsaudiatoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh Beirut - Lebanon.
lebanon, lebanon, lebanon