سطور من ذهب في محبة صاحب «فساد الأمكنة»

سطور من ذهب.. في محبة صاحب «فساد الأمكنة»

سطور من ذهب.. في محبة صاحب «فساد الأمكنة»

 السعودية اليوم -

سطور من ذهب في محبة صاحب «فساد الأمكنة»

بقلم - عمار علي حسن

فى ميعة الصبا قرأت روايته «فساد الأمكنة» للأستاذ الأديب صبرى موسى، فانخطفت، وأنا أسبح فى نهر فياض بالجمال والمعنى، مع أن المكان فيها كان الصحراء، لكن الصور اللغوية المبهجة، والوجدان الصوفى العميق، وروعة السرد، حولت الرمل أمام عينى إلى بساط أخضر، فيه القمح والرياحين.

ورحت أفتش عن أخريات له، فالتهمت روايتيه «حادث النصف متر» و«السيد من حقل السبانخ» ومجموعاته القصصية «القميص» و«وجهًا لظهر» و«مشروع قتل جارة» و«روايات صغيرة» و«حكايات صبرى موسى» بقدر ما أمتعتنى السيناريوهات التى كتبها لأفلام «البوسطجى» و«قنديل أم هاشم» و«قاهر الظلام» و«الشيماء» و«حبيبى أصغر منى» و«رحلة داخل امرأة» و«رغبات ممنوعة»، إلى جانب فيلمين لم تُتَحْ لى فرصة مشاهدتهما، أحدهما مغربى هو «أين تخبئون الشمس»، والثانى عراقى هو «الأسوار». كما أفادتنى كتبه فى أدب الرحلات: «فى الصحراء» و«فى البحيرات» و«رحلتان فى باريس واليونان» و«الغداء مع آلهة الصيد».

إنه صبرى موسى، الذى غادر هرج الحياة ومرجها قبل سنوات، ليتأمل كل شىء بوداعة وألق فى محراب فنه، فجاء المرض فى أواخر حياته ليأخذه قليلًا خطوة إلى الوراء، فيعطينا فرصة كى نفتش عن أعماله الحاضرة فى ذاكرتنا، وعن جسده المهيض فى دنيا الناس، والذى دب بقدمين واثقتين على هذه الأرض منذ واحد وثمانين عامًا، فراح يتداعى، لكن بقيت الروح قادرة على أن تحمل أحلامه، وظلت إرادته بمكنتها أن تعطيه فرصة لترويض الألم، بينما راحت عيناه تتابعان فى امتنان النصوص المتتابعة لأعماله المترجمة إلى عدة لغات، من بينها الإنجليزية والفرنسية والروسية والإيطالية والصينية والألمانية.

لم تأخذ الصحافة أديبنا من فنه، إذ عمل فى «الجمهورية» و«روز اليوسف» وظل طيلة الوقت هو «مدرس الرسم» الذى يحكى، ففى إحدى مدارس دمياط كان يعلم الأولاد كيف يخطون الصور على الورق، وكيف يطلقون عليها أفراحهم الملونة فتزدهى، فترك المدرسة، التى لم يستقر فيها سوى عام، وجاء ليرسم بالكلمات، فى صبر ودأب، فحصد تقديرًا تلو آخر.

فمن جائزة الدولة التشجيعية فى الأدب عام 1974، إلى وسام الجمهورية للعلوم والفنون من الطبقة الأولى عن أعماله القصصية والروائية عام 1975، ومثله عام 1992، ثم جائزة الدولة للتفوق عام 1999، وأخيرًا جائزة الدولة التقديرية فى الآداب عام 2003، وقبل هذا بربع قرن كامل حصد جائزة «بيجاسوس» من أمريكا، وهى الميدالية الذهبية للأعمال الأدبية المكتوبة بغير اللغة الإنجليزية عام 1978، وجائزة الدولة للسيناريو والحوار فى مصر عام 1968، كما تم تكريمه فى مهرجانات ومؤتمرات عديدة فى مصر والخارج.

وعلى قلة أعماله المنشورة، حفر صبرى موسى لنفسه اسمًا كبيرًا فى عالم الأدب، إذ إن كل رواية أو قصة أو كتاب له، عمل متميز ومختلف، وكل حرف خطه بنانه مرشوق فى مكانه، بلا تزيُّد ولا إسهاب، لأنه مكتوب بعد أن تأمل صاحبه الصورة والرؤية، فداعبت ذهنه وعايشها طويلًا، ثم جلس ليرسم ملامحها على مهل. ومثله قلائل فى الحياة الأدبية.

ممن رفضوا أن يكتبوا أى شىء لا يضيف إلى ما أبدعوه، كعلاء الديب وعبدالحكيم قاسم ويحيى الطاهر عبدالله، والأديب المكسيكى خوان رولفو، أو أولئك الذين قالوا كل شىء باختصار لأنهم أمسكوا بالجواهر البعيدة مبكرًا، ولذا يظل اسم صبرى موسى مطروحًا طوال الوقت، رغم توالى السنين، وتدفق الأعمال الروائية والقصصية التى يبدعها أدباء عرب، ونظل دومًا فى حاجة ماسّة إلى أن نرجع إليه، لنستمتع ونتعلم ونكتشف مخبوءًا لم يتهادَ إلينا فى قراءة سابقة له، أو نقف لنندهش من جديد.

لقد عشق موسى الصحراء، كرمز للصفاء والصلابة والحرية، ولعله تعلم منها الكثير، وهو ما تدل عليه تلك العبارة الأثيرة فى روايته «فساد الأمكنة»، حيث يقول: «إن مئات الخطايا الصغيرة التى نرتكبها بسهولة ويسر فى المدينة ضد أنفسنا وضد الآخرين تتراكم على قلوبنا وعقولنا، ثم تتكثف ضبابًا يغشى عيوننا وأقدامنا، فنتخبط فى الحياة كالوحوش العمياء، فالمدينة زحام، والزحام فوضى وتنافس وهمجية. ولكنهم فى الصحراء قلة.

والخطايا الصغيرة تصبح واضحة تطارد مَن يرتكبها، ويصبح ضبابها على النفس أشد كثافة وثقلًا، بينما تحتاج دروب الحياة فى الصحراء إلى بصيرة صافية نفاذة لتجنب أخطارها. إن الفضائل تمنحهم قدرة على الصفاء، فيمتلكون حسًّا غريزيًّا مشبعًا بالطمأنينة، يضىء فى عقل البدوى حين يضيع منه الطريق فى رمال الصحراء الساخنة الناعمة، فيهتدى فى طريقه، وتجعل قلبه يدق له إنذارًا بالخطر وهو نائم فى ليل الصحراء السحرى حينما يقترب من جسده عقرب أو ثعبان».

عرفت أعمال صبرى موسى وأنا طالب بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية، وحين تخرجت عام 1989 واتصلت بالجماعة الأدبية مقدمًا أعمالى القصصية الأولى إلى الندوات والناشرين، التقيت بأدباء كثر، لكن الغريب أننى لم أتشرف بلقائه ولا مرة واحدة فى حياتى، لكننى كنت أتابع كل ما يُنشر عنه من أخبار، بين حين وآخر، إذ كانت شحيحة كظهوره بين الناس، لكنها عميقة وفارقة كإنتاجه الفنى البديع.

وترك هذا الرجل فى نفسى ونفوس كل محبيه قيمة، لا يمحوها الزمن، وهى أن «تحرص دومًا على أن تحضر أعمالك حين تغيب»، ليكسر القاعدة التى ظل كثيرون يحاولون ترسيخها على مدار سنوات من أن الحضور الجسدى للكاتب بين مَن يقرأونه أو يكتبون عنه يساعده على التحقق والانتشار، وهو محض زيف، لأن الحقيقى والخالص والمعتنى به والأصيل هو الذى يعيش: «فأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِى الْأَرْضِ».

arabstoday

GMT 13:43 2025 الجمعة ,12 كانون الأول / ديسمبر

ترمب: لا تحبسوني

GMT 13:40 2025 الجمعة ,12 كانون الأول / ديسمبر

فيلم «السِّتّ» إبداعٌ وإضافة

GMT 13:38 2025 الجمعة ,12 كانون الأول / ديسمبر

المانحون الكبار وضحاياهم

GMT 13:35 2025 الجمعة ,12 كانون الأول / ديسمبر

صعوبة استقبال الجديد في سوريا

GMT 13:33 2025 الجمعة ,12 كانون الأول / ديسمبر

صحافة الابتزاز

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

سطور من ذهب في محبة صاحب «فساد الأمكنة» سطور من ذهب في محبة صاحب «فساد الأمكنة»



أجمل فساتين السهرة التي تألقت بها سيرين عبد النور في 2025

بيروت - السعودية اليوم

GMT 06:56 2019 الأحد ,31 آذار/ مارس

شهر مناسب لتحديد الأهداف والأولويات

GMT 05:12 2018 الأربعاء ,19 كانون الأول / ديسمبر

تطبيقٌ جديد يُسمّى "Mei" يُحلِّل الرسائل النصية

GMT 01:45 2016 السبت ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

غياب ياسر القحطاني ونواف العابد عن تدريبات الهلال

GMT 21:26 2020 الثلاثاء ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

ماني يسجل الهدف الرابع في الدقيقة 49 ضد أتالانتا

GMT 08:41 2020 الثلاثاء ,28 إبريل / نيسان

عز الدين بيزان الإبن على خطى والده في أهلي طرابلس

GMT 07:15 2019 السبت ,14 كانون الأول / ديسمبر

شاومي تطور عالم الهواتف بهاتف غير مسبوق

GMT 11:07 2019 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

المطران حنا يؤكّد أهمية استعادة القضية الفلسطينية

GMT 13:31 2019 السبت ,03 آب / أغسطس

"غوغل" يريد إسقاط ترامب في انتخابات 2020

GMT 21:23 2019 السبت ,01 حزيران / يونيو

ليفربول يفوز بلقب دوري أبطال أوروبا بنتيجة 2-0

GMT 18:24 2018 الثلاثاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

هوساوي يغيب عن تدريبات الاتحاد بسبب ظروف عائلية

GMT 22:23 2018 الأحد ,23 كانون الأول / ديسمبر

تعرفي على وصفات جديدة في عالم العناية بالبشرة

GMT 18:44 2018 الإثنين ,17 كانون الأول / ديسمبر

رئيس الأهلي يجتمع باللاعبين لتصحيح المسار

GMT 19:07 2018 الجمعة ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

رايس مبولحي يقترب مِن المُشاركة مع الاتفاق أمام النصر

GMT 13:10 2018 الإثنين ,29 تشرين الأول / أكتوبر

مدرب وفاق سطيف الجزائري يكشف سبب الخسارة من الأهلي السعودي

GMT 02:12 2018 الثلاثاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

مدرسة ترفض قبول فتاة هندية مُغتصبة لاعتبارها "ستفسد الجو"

GMT 23:53 2018 الثلاثاء ,24 تموز / يوليو

لماذا يتصرف الأطفال بعناد وعنف؟

GMT 00:35 2018 الإثنين ,25 حزيران / يونيو

طريقة إعداد براونيز القرع بدون دقيق بكل سهولة
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
alsaudiatoday alsaudiatoday alsaudiatoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh Beirut - Lebanon.
lebanon, lebanon, lebanon