تاريخ ما أهمله التاريخ الإنتاج والكرامة

تاريخ ما أهمله التاريخ: الإنتاج والكرامة

تاريخ ما أهمله التاريخ: الإنتاج والكرامة

 السعودية اليوم -

تاريخ ما أهمله التاريخ الإنتاج والكرامة

بقلم : مصطفي الفقي

إن هناك ارتباطاً عضوياً بين القدرة على العطاء فى جانب والكرامة بمعناها الواسع فى جانب آخر، فإن لم تكن إنساناً منتجاً وشخصاً فاعلاً فقد تدوسك الأقدام، ولا ينسحب ذلك على المستوى الفردى وحده، ولكنه يشمل الدول، بل الأمم والشعوب، فالدول المنتجة تعتز بكرامتها وتحافظ على كبريائها حتى ولو دفعت فى ذلك ثمناً غالياً من المصاعب والمتاعب، بل والحرمان أيضاً فى ظل ظروف ضاغطة وأحوال معيشية صعبة، لأن قدر بعض الأجيال أن تدفع (الفاتورة) الكلية فى زمانها، فهناك شعوب عاشت على المنح والقروض وتحول مواطنوها إلى (عيال الدولة)، ومضت بهم الحياة وهم يتصورون أنها سوف تمضى كذلك على الدوام.

لقد كنا كمن يسحب على المكشوف من المتجر الكبير الذى يملكه أجنبى متعنت، وكانت حساباتنا مؤجلة (شكك) إلى أن جاء وقت تغيرت فيه الأمور، وتبدلت معه الأحوال، وتزايدت الديون، وتراكمت الأعباء، وأصبحت مواجهة الحقيقة أمراً حتمياً لا مفر منه، ذلك توصيف بسيط لحال هذا الوطن الذى ننتمى إليه، فقد ضاعت السكرة وجاءت الفكرة، ولقد عشنا عقوداً طويلة فى ظل شعارات صاخبة وقيادات عابرة وزعامات كاد نورها أن يعمى الأبصار، وها هو وقت الحصاد قد حل، وأصبح على الحاكم الرشيد أن ينكر ذاته، بل وأن يضحى بجزء من شعبيته ثمناً قليلاً لفاتورة الإصلاح المؤجل، حيث لا مفر من اقتحام المشكلات المتراكمة عبر العقود الطويلة التى مضت ودفعنا فيها نفقات باهظة لحروب مفروضة علينا، كما أننا أيضاً استمرأنا الاستهلاك، واستسهلنا الاستيراد، وأهملنا الإنتاج، وتوقفنا تقريباً عن التصدير، لذلك اختلت الموازين واضطربت الحسابات وأصبحنا أمام موقف صعب قد يستعصى على فهم البعض.

إن استقراء التاريخ المصرى الحديث يشير بوضوح إلى الفرص الضائعة والإمكانات المهدرة، بل والأجيال المدللة، وعندما جاء وقت الحساب وجدنا الفقراء يزدادون فقراً، لأن المسألة نسبية، فالاحتياجات تتسع، والطموحات تتزايد، وأنماط الحياة تعطى بدائل للرفاهية والمتعة لم تكن موجودة من قبل، لأن ثورة الإعلام فى عالم تكنولوجيا المعلومات قد جعلت المواطن فى أى بلد هو مواطن عالمى فى النهاية يرى ما يستهلكه الأغنياء ويتابع أحدث الصيحات فى عالم المأكل والملبس والمسكن، ولم يعد ممكناً فرض سياج على مجتمع معين، أو تحقيق عزلة لشعب بذاته، فنحن فى عصر عالمية الإنسان، وهو عصر يربط بين الإنتاج والكرامة، لأن هيبة الدول تتأتى من خلال ما تستطيع تقديمه للعالم المعاصر.

ولا يخفى على أحد أن إسهامنا الضخم فى تاريخ الإنسانية ليس له ما يقابله عطاءً حالياً من جانبنا، بل إن هناك من يرى أننا قد أصبحنا دولاً مستهلكة تعيش على ذكريات تاريخها وأمجاد ماضيها، ولكنها لا تتجه إلى البناء فى الحاضر ولا التشييد للمستقبل، ويكتفى معظم الناس بالثرثرة الدائمة وإدمان النقد السلبى والابتعاد عن رؤية الصورة كاملة من كافة الزوايا، ولنا على هذا الواقع الذى نعيشه بعض الملاحظات:

أولاً: لقد قالوا (إن هناك جيلاً يبنى وجيلاً يجنى)، ولعل هذه المقولة هى حجر الزاوية فى فهم البعض لما يدور، وهناك مثل شعبى مصرى يقول (أحينى اليوم وأمتنى غداً)، وأنا أوكد أنه حتى هذا المثل الشعبى لم يعد معقولاً ولا مقبولاً فى وقتنا الراهن، إذ لم تعد إمكانات الحياة وموارد الدولة كافية لسد الاحتياجات أو حتى لمعظمها، وهناك فئات كثيرة تحلم بالصعود الطبقى، خصوصاً أننا نعيش فى عصر تدفع فيه الطبقة المتوسطة أكثر من غيرها ثمناً للتغيير وسعياً نحو الإصلاح، وليس يعنى ذلك أن الفقراء- وهم الأكثر عدداً والأشد حاجة- لا يعانون من المتاعب والمصاعب وشظف العيش وضعف الخدمات المتاحة وتدنى مصادر الدخل.

ثانياً: إن الذى يبنى الأوطان بل ويصنع المعجزات هم أبناء الوطن ذاته وسواعد أبنائه قبل غيرهم، فلن تبنى الدول قواعد مجدها ودعائم وجودها على قروض الأصدقاء ومعونات الأشقاء، فتلك أمور غير مضمونة وقابلة للتوقف فى أى لحظة، ولعلنا عانينا فى الأسابيع الأخيرة شيئاً من ذلك، وهو يعطينا درساً يذكرنا بأن الذى بنى المعجزة الألمانية بعد الحرب العالمية الثانية هو الشعب الألمانى ذاته، وأن الذى أقام اليابان الحديثة بعد (هيروشيما) و(ناجازاكى) هو أيضاً الشعب اليابانى وحده، ليت هذه المفاهيم تستقر فى الوجدان المصرى خلال هذه المرحلة شديدة الحساسية بالغة التعقيد.

ثالثاً: إننى أرى أن ولى الأمر محاط بهذه الظروف الصعبة والخريطة المعقدة، وهو لا يبحث عن مجد شخصى، ولا شعبية مؤقتة، إذ ليس لديه أجندة خاصة، كما أنه يعتمد بالدرجة الأولى على وعى المصريين وإدراكهم لطبيعة المرحلة التى نمر بها.

إننى أكتب هذه الكلمات لكى يتذكر الجميع أن الأمم لا تموت، وأن الشعوب لا تسقط، ولكن الوعى الحقيقى هو الذى يصنع الإرادة الصلبة والرؤية الشاملة دون الاستغراق فى التفاصيل التائهة أو التركيز على الجزئيات دون الكليات، فالرؤية الشاملة هى فى النهاية كاشفة للحقيقة ومضيئة للطريق.

arabstoday

GMT 03:55 2018 الخميس ,23 آب / أغسطس

الأصول المصرية.. الهوية نموذجاً

GMT 04:11 2018 الثلاثاء ,17 تموز / يوليو

زراعة الصحراء فى الوطن العربى

GMT 03:40 2018 الجمعة ,13 تموز / يوليو

رحيل أزهرى جليل

GMT 06:52 2018 السبت ,24 آذار/ مارس

وعادت جامعة بيروت العربية!

GMT 05:37 2018 الأربعاء ,07 آذار/ مارس

ظاهرة الحَوَل السياسى

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تاريخ ما أهمله التاريخ الإنتاج والكرامة تاريخ ما أهمله التاريخ الإنتاج والكرامة



إطلالات متنوعة وراقية للأميرة رجوة في سنغافورة

سنغافورة - السعودية اليوم

GMT 06:52 2020 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

"اهتزاز" تواصل عروضها على مسرح مركز الهناجر

GMT 15:50 2018 الجمعة ,14 أيلول / سبتمبر

كوفاتش يوضّح أهمية خوض مباراة كل 3 أيام

GMT 04:10 2018 الأربعاء ,15 آب / أغسطس

Essential PH-1 يبدأ فى تلقى Android 9 Pie

GMT 09:15 2018 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

طرح قصر عازف الغيتار "كيرك هاميت" في سان فرانسيسكو للبيع

GMT 11:33 2013 الخميس ,10 تشرين الأول / أكتوبر

ارتفاع التضخم في مصر 1.7%

GMT 23:36 2020 الإثنين ,13 كانون الثاني / يناير

الكويت تحبط عملية تهريب مخدرات في عرض البحر

GMT 11:30 2018 الثلاثاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

أفكار مميزة لتجديد حديقة منزلك بدون تكاليف في الشتاء

GMT 14:27 2018 الثلاثاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

رينو تكشف عن أسعار ومواصفات "Kadjar" موديل 2019
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
alsaudiatoday alsaudiatoday alsaudiatoday
alsaudiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab