منصب الوزير

منصب الوزير

منصب الوزير

 السعودية اليوم -

منصب الوزير

بقلم : مصطفي الفقي

حكى لى صديقى السفير د. «خيرالدين عبداللطيف» أنه عندما كان يعمل فى سفارتنا فى «لندن»، وذات صباح بارد كان يمرق بسيارته متجهًا إلى مقر عمله قريبًا من نهر «التايمز»، فلفت نظره وقوف شخصية بريطانية محترمة على الرصيف وحيدًا ينظر فى ساعة يده، ولأن د. «خيرالدين عبداللطيف» إنسان شديد الرقى والتحضر قذفت به محافظة «سوهاج» إلينا لكى يكون واحدًا من أيقونات الخارجية المصرية، فإنه تطلع من نافذة السيارة، وقال للشخصية التى تبدو عليها مظاهر الاحترام: هل أستطيع مساعدتك؟ قال: نعم، إننى أريدك إن أمكن أن تأخذنى فى طريقك إلى وزارة الخزانة، ولم يكن الأمر بعيدًا عن مسار د. «خيرالدين عبداللطيف»، فاستضاف ذلك البريطانى الذى تبدو عليه ملامح الاحترام فى سيارته ومضى به، وكانت المفاجأة أنه اكتشف أن ذلك الشخص هو وزير الخزانة البريطانية، وهو منصب متميز تاريخيًا فى مجلس الوزراء لديهم، وعندما كنت سفيرًا فى «فيينا»، توقفت سيارتى فى إشارة المرور، وبجانبى مباشرة سيارة مستشار النمسا، «كليما»، (وهو رئيس الوزراء)، يجلس بجانب السائق، مستسلمًا لدقائق أمام إشارة المرور، وأنا أتأمله، فلا أجد فى مظهره ضجرًا أو استعلاءً أو ضيقًا، وقارنت ذلك بأوضاع الوزراء فى بلادنا، حيث «الهيلمان» الذى يصاحب مواكبهم والضجة التى تصيب الشوارع عند مرورهم، وقد يقول قائل إن الإرهاب الذى يضرب بلدنا هو الذى اقتضى ذلك، وجعل السيارات المصفحة ضرورة والدراجات النارية لفتح الطريق لازمة! وأنا أؤكد هنا أن هذه المظاهر متجذرة فى بلدنا، وكأنها تعكس طقسًا فرعونيًا يجعل للمنصب تميزًا قد لا يكون هناك مبرر له، فأنا أظن أن منصب الوزير تكليف قبل أن يكون تشريفًا، ومسؤولية جسيمة قبل أن يكون ميزة كبيرة، ويضع صاحبه فى مرمى النيران بقذائف صديقة أو معادية، قد تصل إلى حد تجريحه والإساءة إليه، وقد لا يملك ردًا ولا يستطيع مجابهة النقد الحاد كل مرة، فالمنصب يكبله، والظروف المحيطة به لا تُمكِّنه من أن يكون طرفًا دائمًا فى جدل أو حوار، وبهذه المناسبة فإننى أستسمح القارئ فى طرح الملاحظات التالية:

أولًا: لقد امتد تركيزنا فى العصر الجمهورى على الوزير الفنى، واستبعاد الوزير السياسى فى كثير من الأحيان، وبذلك تحول مجلس الوزراء إلى جهاز فنى أكثر منه سياسيا، ولو استعرضنا أسماء رؤساء الحكومات المصرية منذ 1952 لوجدنا أن الجانب المهنى والطابع الفنى هو الذى يحكمها، لأن الأحزاب السياسية غائبة، والموجود منها غير قادر على طرح شخصيات سياسية تملأ المنصب مثلما كان الأمر فى العصر الملكى، وهذا التقزيم للمناصب الوزارية يجعل الوزير الحالى فى وضع صعب للغاية، فهو محكوم باعتبارات يومية دون استراتيجية طويلة المدى تسمح له أن يرى فى الأفق البعيد إمكانية وضع سياسات مستقرة ورؤى دائمة، لقد كان الوزير فى العصر الملكى شخصية عامة حصلت على تدريب سياسى وتصعيد حزبى، فامتلكت أدوات القرار النهائى، تاركة للوكيل الدائم للوزارة، وهو شخصية إدارية وفنية صعدت سلم مهنته فى داخل وزارته من أسفل إلى أعلى صعودًا يسمح له بتسيير «دولاب» الحركة اليومية لوزارته، وهو يلتقى بوزيره كل يوم ليدرك منه عناصر التوجه السياسى واتجاه «البوصلة» الوطنية كما يراها مجلس الوزراء بالنسبة لذلك القطاع، ويقدم لوزيره تصورًا شاملًا عن الإجراءات التى تتخذها الوزارة تمشيًا مع تلك السياسات التى رسمها صناع القرار الكبار فى المؤسسات العليا للحكم، وبذلك لا يسقط الوزير فى مستنقع الشواغل الفرعية من ترقيات وتنقلات إلا إذا ما استدعى الأمر اللجوء إليه فى بعضها، وبذلك يأخذ منصب الوزير قيمته الحقيقية ومكانته التاريخية.

ثانيًا: إن دورة تغيير الوزراء أصبحت مثار جدل يصل إلى حد التندر، فلقد كنا نشكو أثناء حكم الرئيس الأسبق «مبارك» من أبدية المناصب وبقاء بعض الوزراء أكثر من عشرين عامًا فى مواقعهم، فإذا بنا نتجه فى تطرف إلى الاتجاه الآخر! فكم وزيرًا مر على وزارة الثقافة أو التعليم أو الطيران المدنى- على سبيل المثال- ولاشك أن قصر مدة بقاء الوزير فى منصبه وعلمه بذلك مسبقًا هو أمر يحرمه من القدرة على اتخاذ القرار، الذى لا يقوى عليه خشية المساءلة التى قد تصل إلى المحاكمة، فيؤثر السلامة ويتحول إلى مسؤول سلبى يكتفى ببعض الإجراءات الشكلية دون أن يخوض فى جوهر المشكلات أو يقتحم الأزمات، مكتفيًا ببعض المظاهر الإعلامية، وراضيًا من المنصب بأن يصبح ذات يوم وزيرًا سابقًا، ولابد أن أعترف هنا بأن هذا الأمر لا ينسحب على كل الوزراء، فهناك مخلصون أكفاء يملكون الخبرة والقدرة على اتخاذ القرار الصحيح فى الوقت المناسب.

ثالثًا: إن الإقبال على المنصب الوزارى قد تراجع كثيرًا بعد 25 يناير 2011، وقد سمعت من رئيس الوزراء الحالى أنه يعرض المنصب على مَن يستقبلهم، ولكن الكثيرين يعتذرون بشواغل أخرى، لأنهم لا يريدون أن يكونوا بين مطرقة الإعلام وسندان المنصب، كما أن بعضهم قد يرى أن فى الوزارة خسارة مادية له مقارنة بالموقع الذى يشغله، فيخضع اعتذاره لحسابات شخصية يصعب تدخل الغير فى تفاصيلها، وقس على ذلك منصب المحافظ، الذى يهرب منه الكثيرون، لأنه واحد من أشق المناصب فى الدولة المصرية حاليًا!

هذه ملاحظات عبرت بخاطرى بمناسبة الحديث عن التعديل الوزارى وأسعار الوزراء الحاليين فى «بورصة المناصب».. كان الله فى عونهم راحلين أو قادمين، فنحن نمر بظروف صعبة ومرحلة شديدة الخطورة والحساسية فى تاريخنا الوطنى والقومى فى ذات الوقت.

المصدر : صحيفة المصري اليوم

arabstoday

GMT 03:55 2018 الخميس ,23 آب / أغسطس

الأصول المصرية.. الهوية نموذجاً

GMT 04:11 2018 الثلاثاء ,17 تموز / يوليو

زراعة الصحراء فى الوطن العربى

GMT 03:40 2018 الجمعة ,13 تموز / يوليو

رحيل أزهرى جليل

GMT 06:52 2018 السبت ,24 آذار/ مارس

وعادت جامعة بيروت العربية!

GMT 05:37 2018 الأربعاء ,07 آذار/ مارس

ظاهرة الحَوَل السياسى

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

منصب الوزير منصب الوزير



إطلالات متنوعة وراقية للأميرة رجوة في سنغافورة

سنغافورة - السعودية اليوم

GMT 06:52 2020 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

"اهتزاز" تواصل عروضها على مسرح مركز الهناجر

GMT 15:50 2018 الجمعة ,14 أيلول / سبتمبر

كوفاتش يوضّح أهمية خوض مباراة كل 3 أيام

GMT 04:10 2018 الأربعاء ,15 آب / أغسطس

Essential PH-1 يبدأ فى تلقى Android 9 Pie

GMT 09:15 2018 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

طرح قصر عازف الغيتار "كيرك هاميت" في سان فرانسيسكو للبيع

GMT 11:33 2013 الخميس ,10 تشرين الأول / أكتوبر

ارتفاع التضخم في مصر 1.7%

GMT 23:36 2020 الإثنين ,13 كانون الثاني / يناير

الكويت تحبط عملية تهريب مخدرات في عرض البحر

GMT 11:30 2018 الثلاثاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

أفكار مميزة لتجديد حديقة منزلك بدون تكاليف في الشتاء

GMT 14:27 2018 الثلاثاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

رينو تكشف عن أسعار ومواصفات "Kadjar" موديل 2019
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
alsaudiatoday alsaudiatoday alsaudiatoday
alsaudiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab