تطور مفهوم النجومية

تطور مفهوم النجومية

تطور مفهوم النجومية

 السعودية اليوم -

تطور مفهوم النجومية

بقلم : مصطفي الفقي

لكل عهد رموزه، ولكل عصر نجومه، والمجتمعات لا تظل ثابتة لكنها تتحرك إلى الأمام غالباً وإلى الوراء أحياناً أيضاً، وتسطع فى سماء كل مرحلة نوعية من النجوم تختلف باختلاف الزمان والمكان، ولا يمكن أن نتصور أبداً أن تظل خصائص النجم هى ذاتها فى كل أوان، ففى عصور الحروب الدامية تتقدم النجوم العسكرية طليعة المجتمعات، بل الدول أيضاً، بينما حين تزدهر الآداب قد يكون هناك شاعر يتألق أو روائى يتوهج، وعندما ترقى الفنون قد يتقدم الصفوف فنان يتماشى مع ذوق الناس ويعكس انفعالاتهم فى صدق يثير حماسهم ويحرك مشاعرهم، ألم يكن «العقاد» نجماً فى عصره؟ وكذلك كان «طه حسين»؟، ألم يكن «عبدالوهاب» و«أم كلثوم» و«عبدالحليم حافظ» و«فريد الأطرش» نجوماً زاهرة فى سماء القرن العشرين؟، ألم يكن «صالح سليم» و«حمادة إمام» ومحمود الخطيب نجوماً ساطعة فى فضاء كرة القدم فى العقود الأخيرة؟ فالنجومية مفهوم نسبى لا يتميز بالجمود أو الثبات ولكنه يتصل بالحيوية والحركة، ولكل قطاع من جماهير الشعب نجومه، بل إن شرائح المجتمع ترتبط هى الأخرى بنجومها، التى قد تختلف فى مظاهرها وشخوصها، إننى أتذكر أن المهندس «إبراهيم المعلم» والسيدة قرينته قد دعيانى أنا وزوجتى إلى العشاء فى نادى العاصمة منذ أكثر من خمسة عشر عاماً، بحضور الراحل الكاتب الصحفى «محمد حسنين هيكل» والسيدة قرينته ونجم كرة القدم صاحب الكاريزما «صالح سليم» وعقيلته، وعند انتهاء العشاء التف بعض الموجودين حول الكابتن «صالح سليم» لتحيته، وشعرت لحظتها أنهم لا يدركون وجود الكاتب الكبير ومكانته الحقيقية لابتعادهم عن منابع الثقافة ومصادر السياسة وأدوات الإعلام، فقلت لهم إن الأستاذ «هيكل» هنا أيضاً، فردوا علىَّ بتلقائية: الكابتن «عادل هيكل» موجود هنا أيضاً؟!، وتصف لى السيدة الفاضلة، قرينة الكابتن «صالح سليم»- أطال الله فى عمرها- ما ذكره لها زوجها الراحل فى تلك الليلة وصفاً للحرج البالغ الذى شعر به فى ذلك المساء، وهو أمر يؤكد مرة أخرى أن النجومية ليست عامة وشاملة، ولكنها تختلف باختلاف الظروف وتتحرك صعوداً وهبوطاً حسب المستوى الثقافى ووفقاً لطبيعة مَن يتحدثون عنها أو يسيرون فى طريقها، ولعلنا نشير هنا إلى بعض الملاحظات:

أولًا: إن النجومية لا تأتى فقط من تميز الفرد وتألقه، ولكن حضوره الإنسانى والدور الذى تلعبه الكيمياء البشرية مسألة أخرى، لذلك فإن الشعوب المختلفة قد تركت لكل جيل أن يتوهم نجومه، وأن يربط أحلامه بهم، ويمضى فى الطريق على خطواتهم، ذلك أن نجم اليوم ليس بالضرورة نجم الأمس أو نجم الغد، ولابد أن نعى جميعاً أن ظاهرة النجومية لا تقف عند حدود الشهرة أو مظاهر الشعبية، ولكنها تذوق خاص يختلف من جيل إلى جيل، وهى ترتبط بالتنوع الثقافى، الذى لا يمكن إغفال تأثيره، باعتبار أن الثقافة سلوك عام يرتبط بخبراتنا الحياتية وتجاربنا الإنسانية، ولا ينتهى بين يوم وليلة.

ثانياً: لقد حدث تراكم من نوع جديد جعل للنجومية ثمناً يعلو كثيراً ما كانت عليه، ويكفى أن نتأمل نجوم كرة القدم والمبالغ الطائلة التى يحصلون عليها وطبيعة النجومية الجديدة التى تدفع بهم إلى موقع مضىء فى ساحة الحياة المصرية، بل الفضاء العربى عموماً، ولذلك فإننا نتفهم جيداً لماذا يأتى تركيز النجومية على قطاعات دون غيرها، بل داخل دول بذاتها، لقد حكى لى الكاتب الراحل «محمود السعدنى» أن «سيد الضظوى»، لاعب كرة القدم البورسعيدى الشهير فى خمسينيات القرن الماضى، كان يلعب (ماتش الكرة) على رهان جنيه واحد إذا فاز!، ولنقارن ذلك بالأرقام الفلكية التى يحصل عليها اللاعبون الآن، ولماذا نذهب بعيداً؟!، إن كثيراً من نجوم الفن قد رحلوا فقراء، ولعلنا نتذكر «عبدالفتاح القصرى» و«إسماعيل ياسين» وغيرهما من النجوم الساطعة، التى توارت فى شحوب واستحياء، ولم تترك وراءها ثروة مادية، ولكنها تركت أسماء لا تختفى.

ثالثاً: إن تطور مفهوم النجومية يأتى مؤشراً لطبيعة المجتمع من خلال أبطاله الحقيقيين، الذين يتحمس لهم وينادى بهم ويجعلهم قدوة فى المجالات المختلفة، وإذا كنا نرى أن حياة الناس تفرز بالضرورة قيادات مؤثرة بعضها له كاريزما تعمى الأبصار وتخطف القلوب، وقد تكون النتيجة على غير ما جرى توقعه، فالنجومية قد تعنى الشهرة المطلقة بغض النظر عن شرعية الأسباب وطبيعة الملابسات.

رابعاً: لو تأملنا الساحة حولنا لوجدنا أن مفهوم النجومية قد تغير نتيجة الضغوط الأجنبية والتدخلات الخارجية، بل استثمار المشاعر الدينية، وهو ما يجعلنا حالياً حريصين على تطوير مفهوم النجومية إيجابياً حتى نتدارك الأمر إذا ما أقدم خصومنا على استغلال المفهوم المعاصر للنجومية على حساب غيره، خصوصاً أن المعدل العام للتغيرات التى جرت وتجرى سوف يكون فى صالح مَن يدركون المعنى الحقيقى لكلمة «كاريزما» بمدلولها العصرى. إن النجومية إذا استدعت معها الكاريزما الشخصية فإننا نكون أمام نمط متفرد، خصوصاً فى دول الجنوب، ولعلنا ندرك أن النجومية فى النهاية هى إفراز لطبيعة الحياة الفكرية والأهداف البعيدة، التى يسعى نحوها كثير من الشباب، وهم لا يدركون أنها تجسيد لشىء مختلف يصعب تحديده أو التمسك به أو تأبيد وجوده.

arabstoday

GMT 03:55 2018 الخميس ,23 آب / أغسطس

الأصول المصرية.. الهوية نموذجاً

GMT 04:11 2018 الثلاثاء ,17 تموز / يوليو

زراعة الصحراء فى الوطن العربى

GMT 03:40 2018 الجمعة ,13 تموز / يوليو

رحيل أزهرى جليل

GMT 06:52 2018 السبت ,24 آذار/ مارس

وعادت جامعة بيروت العربية!

GMT 05:37 2018 الأربعاء ,07 آذار/ مارس

ظاهرة الحَوَل السياسى

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تطور مفهوم النجومية تطور مفهوم النجومية



إطلالات متنوعة وراقية للأميرة رجوة في سنغافورة

سنغافورة - السعودية اليوم

GMT 10:54 2020 الإثنين ,29 حزيران / يونيو

التفرد والعناد يؤديان حتماً إلى عواقب وخيمة

GMT 18:07 2019 السبت ,12 كانون الثاني / يناير

بيتزي يحذر لاعبي المنتخب من هذا الأمر قبل مواجهة لبنان

GMT 13:29 2017 الأحد ,15 تشرين الأول / أكتوبر

د.مجدي بدران يكشف فائدة غسل الأيدي على المخ

GMT 11:14 2020 الجمعة ,09 تشرين الأول / أكتوبر

تسريب صور تكشف تصميم "هاواوي ميت 40" و"ميت 40 برو"

GMT 06:54 2020 الجمعة ,05 حزيران / يونيو

أفخم المجوهرات العالمية بأسلوب هيفاء وهبي

GMT 07:10 2019 الإثنين ,10 حزيران / يونيو

رانيا يوسف تثير جدلا جديدا وهجوم ناري من الجمهور

GMT 01:42 2019 الإثنين ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

دراسة تتوصَّل إلى سبب أحد أكثر أنواع الحساسية شيوعًا

GMT 03:14 2019 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

دببة قطبية بيضاء تغزو إحدى المناطق في شمال روسيا

GMT 01:42 2019 الإثنين ,11 شباط / فبراير

الصادق المهدي يحذر من انقلاب داخلي في السودان
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
alsaudiatoday alsaudiatoday alsaudiatoday
alsaudiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab