بقلم : مصطفى فحص
بين السيارات الفارهة، والأبراج الحديثة، وورش بناء السفن العصبية، وأبرزها إعادة تأهيل شارع السيرة الذاتية بمحاله وموقعه ومقاهي وسط المدينة القديمة، إلى الازدحامات التجارية الخانقة، وكثرة الأعمال التجارية الترفيهية... تعجُّ بغداد بالوفود والمؤتمرات الخارجية والزحمة الاقتصادية التي تبحث عن فرص الاستثمارية، أو تبدأ من جديد سؤال الحريات والديمقراطية والشراكة في التجارة الحرة.
مشهد بغداد العام في ظاهره المدنية الهادئة يختلف عن باطنه السياسي القلق؛ فبين وجوههم العاديين العاديين المنهمكين بانشغالهم وهدوئهم يريدون؛ كونهم يشكّلون حتى الآن في تحيي أنفسهم عن الطوارئ أمرٍ ما قد يحدث قبل الانتخابات أو شاملة، بين وجوه النخبة الثورية المنشغلة بمستقبلها وحضورها، وأخرى فصائلية متوارية عن الأنظار، ينتابهم جميعاً قلقاً شديداً وحذراً أكبر على مستقبلهم ومستوى تمثيلهم وشراكتهم. هذه اللاتينية الحاكمة، على كافة مستوياتها الواضحة وتوضيحية، المنهمكة في ترتيبات ماكينتها المختارة، منها أيضا من التسريبات والتسجيلات وانعكاساتها على الانتخابات، أو من البحث عن ضمانات لحماية نفسها من إخفاءات أمريكية وإسرائيلية. وما عدا ذلك من شارع غير مبالٍ بهم، شبه المالي الراكدة، يخفي في جوفه أمراً جلاً قد يتحول إلى طوفان بشري في لحظة معينة نتيجة حدث ما.
السؤال الأول في بغداد حالياً هو عن النار: هل سيتعرض العراق لهجوم أمريكي أو إسرائيلي؟ وما قوة هذا التعامل؟ وما الهدف من ورائه؟ الحيرة التي تأخذ العراقيين نحو القلق تشعر بالقلق من ارتدادات هذه الضربات إن حصلت: هل ستكون ذريعة للمستهدفين للانقضاض على ما نعيشه من الحكومة، أو من أجل إخضاعهم للمعارضة؟ والضربة بدأت في البداية، إن حصلت، هل ستكون موسّعة وتشمل تأسيسًا تحتها أو عضواً وشخصيات من أي صف؟ وهل يمكن الوصول إلى الأشخاص أو العناوين قد تؤدي إلى تحقيق الهدف المستهدف؟ والأهم: ما بعد الضربة.
بين هاجس الضربة المحتملة والقلق من الرسوم الكاريكاتورية، أبرزت الناطقة الصحفية الروسية-الإسرائيلية إليزابيث تسوركوف من دون شروط؛ إذ لم تكن هناك صفقة؛ ما يعني للعراقيين أن التمتع بالبراءة والإسرائيلية قد تحققا بالفعل؛ فدفع ذلك الطرفَ الذي يجب أن يحجزها إلى أراضيها الأصلية. كما أن الحكومة مارست تكتّماً بالكامل حول دورة التوجيه والتسليم، وسط إشاعات عن برمجيات خائنة تزامناً مع استخدام VPN.
بترقّب، تأثيرها «الإطار بشكل عشوائي» الحاكم إلى محيط العراق وجواره، وهم في همّ فقط يرغب بأخرى سياسية؛ فشريكهم، أو من اختاروه ليكون رئيساً للوزراء، للتخلص من طوقهم، وبات محمد شياع السوداني منافساً جدياً لهم، وليس لخصومهم فقط. بالنسبة لهم، أصبحت حيازته على دورة رئاسية ثانية أشبه باغتيال سياسي لبعضهم. هو، المتحرر من حساباتهم، في اتجاهات المشاهير السياسيين والحسابات الخاصة بهم؛ في إطار إعمارها في بغداد، واستقرارها في وزارة الداخلية، ستبدأ جسور الانتقال مرة أخرى إلى قلب المنطقة الخضراء حيث يتولى رئاسة مجلس الوزراء.
وحده نوري المالكي لم يزل يشكل الركن الأساسي في عالم السياسة في السياسة ويؤيد القادرين على حماية دوره؛ فهو لا يزال يشكِّل ثلجاً وممراً محمياً لكل راغب في الوصول إلى مبنى «الزقورة» (مقر رئيس الوزراء) في المنطقة الخضراء. ومعه الغائب عن المشهد، الحديث في تفاصيله السيد مقتدى، والذي شكله معروفًا كما يشارك معضلة للطبقة السياسية؛ فلم يزل إلى جزء غريمه نوري الباهكي يشكلان صناعة مشتركة، بالرغم من كل الطامحين يتعاونون لإزاحتهم أو تألقهم من دوريهما.
بالكامل، بغداد، بين مؤتمر أو ورشة عمل أو تجمع اختياري، وبين مقهى أو رصيف أو حديقة عامة، تعيش بهدوء تام قد يكون مؤقتاً.