المسؤولية بين الدولة والقطاع الخاص

المسؤولية... بين الدولة والقطاع الخاص

المسؤولية... بين الدولة والقطاع الخاص

 السعودية اليوم -

المسؤولية بين الدولة والقطاع الخاص

بقلم -د. آمال موسى

عندما يتم تناول التغييرات التي شهدتها وظائف الدولة نجد أن التركيز يشمل بالخصوص تراجع دورها الاجتماعي وانسحابها من المجالات الحساسة والحيوية، مثل التعليم والصحة، كما هو الشأن اليوم في الدول الكبرى المتقدمة. ومن جهة أخرى، فإن القطاع الخاص ارتبط بقيم السوق أساساً، وظلت علاقته بالاجتماعي غير مطروحة.

     

السؤال؛ هل تعني هذه التحولات التي بدأت تعلن عن نفسها بقوة من قرابة 3 عقود تقريباً مع فوارق نسبية بين البلدان أن المجتمع في وضعية تخلٍ متنامية؟

في الحقيقة، بدايات الانتقال من طور الدور القوي للدولة اجتماعياً إلى مرحلة تاريخية اجتماعية منحت فيها الدولة مساحة، ما فتئت تكبر للقطاع الخاص في تحريك العجلة الاقتصادية والمساهمة في التشغيل، هي عملية انتقال رافقتها أوجاع اجتماعية كانت محدودة في ظاهرها، وتعد على الأصابع. غير أن هذا الواقع تغير فعلاً على امتداد السنوات الماضية، ولولا ما أحدثته جائحة «كوفيد 19» من إرباكات في القطاعات الخاصة، ومن إلزام للدولة باستعادة بريق دورها الاجتماعي، لكان القطاع الخاص اليوم عالمياً في نقطة متقدمة جداً وعالية جداً.

طبعاً المسار كان واضحاً وواثق الاتجاه. واليوم، بيّن الواقع للجميع أن المجتمع لا يمكن التخلي عنه، وأن الجدير بفهمه والعمل على تجذيره هو أن العمل الاجتماعي ما زال الوظيفة الأساسية للدولة، مع إضافة ثقافة جديدة إلى بلداننا، تتمثل في فكرة المسؤولية المجتمعية للقطاع الخاص بشركاته ومؤسساته الكبرى.

الأمر ليس تبرعاً تحكمه قيم أخلاقية فردية بقدر ما نحن أمام مفهوم كامل المعاني والدور، يندرج ضمن تقسيم جديد للدور الاجتماعي، ما بين الدولة والقطاع الخاص من خلال أجسامه الكبرى.

وكي نفهم أهمية هذا الدور يكفي أن نصفه بالأساسي، وأنه لا يمكن اليوم تحقيق التنمية المستدامة ومواجهة ظواهر الفقر والجوع وعدم تكافؤ الفرص، دون أن يؤدي القطاع الخاص دوره في المسؤولية المجتمعية من خلال تمويل مشاريع تتصل ببناء مدارس وتأمين خدمات الإعاشة للفقراء وأطفالهم. بمعنى آخر، ما تنازلت عنه الدولة من امتيازات لفائدة القطاع الخاص يتطلب تعويضه وسداده من خلال القيام بالمسؤولية المجتمعية. وهي مسؤولية تخفف من أعباء الدول، وأيضاً تمنح وجاهة للشركات الكبرى وقرباً من الناس، وهذا في حد ذاته ربحاً غير مباشر يصنع مكانة اعتبارية للمؤسسة الاقتصادية في المجتمع، الشيء الذي يمكن قياسه في حجم الإقبال على منتوجاتها.

وفي كثير من البلدان نشهد اليوم تنافساً بين المؤسسات التابعة للقطاع الخاص في مجال المسؤولية المجتمعية حيث إن هذه المؤسسات التي تحكمها علاقة تنافسية، وأحياناً صراعية من أجل الهيمنة على السوق، نجدها قد بدأت تتنافس، وهو ما يظهر في حجم الميزانيات التي تخصصها لما يسمى في برنامجها المالي بند المسؤولية المجتمعية.

إن العالم وجد نفسه مضطراً لحماية المجتمع، وإيجاد فاعلين جدد لأداء دور اجتماعي لا يمكن تجاهله أو إهماله، باعتبار أن الاستثمار والقطاع الخاص لن يكبرا ولن يتمكنا من تنمية الربح دون أمن اجتماعي يحمي الطبقة المتوسطة والطبقات الهشة من الانزلاق حيث إن الأمن الاقتصادي مرتبط بالأمن الاجتماعي. في هذا السياق، برز مفهوم المسؤولية المجتمعية ليسدّ فراغاً وليعيد تقسيم الدور الاجتماعي داخل البلد الواحد. فمن خلال المسؤولية المجتمعية للشركات والمؤسسات البنكية يحمي أصحاب المؤسسات الكبرى مستقبل مؤسساتهم وبيئة العمل والاستثمار. لذلك، فإن الجميع معني بالدور الاجتماعي والأطفال الذين لا يجدون مدرسة، ولا يتوفر لهم الحد الأدنى من الظروف المادية لطفولة متوازنة. هذا يعني أن المستقبل غير واضح ومعرض لأزمات من النوع الذي يوظف فيه الخزان الاجتماعي الذي يعاني من الهشاشة الاجتماعية والاقتصادية.

لا يجب أن ننسى كم دفعت بلداننا من تكلفة باهظة بسبب العمليات الإرهابية التي عاشتها بلدان عربية كثيرة، وكيف أضرت عميقاً بعائدات السياحة التي تمثل عموداً فقرياً لميزانيات دول عدة. أي أن الرهان على المسؤولية المجتمعية وانخراط المؤسسات الكبرى في معاضدة جهود الدول في معالجة مظاهر الهشاشة إنما يعني عملياً التصدي الوقائي الذكي الاستباقي لما يمكن أن يهدد في الحاضر والمستقبل سيرورة العمل والاستثمار.

أيضاً يجب ألا ننسى أن المجتمع هو أصل الربح، وهو مبرر الاستثمار، وهو أيضاً الحريف والمستهلك... لذلك، فإن إيلاء دور المؤسسات الاقتصادية الكبرى الخاصة في ما يسمى المسؤولية المجتمعية الأهمية اللازمة، ومضاعفة التشريعات التي تجذب الإقبال على أداء هذا الدور، يعدّان أجندة عمل أساسية، في ظل تراكم أعباء الدول التي لا تستطيع التخلي عن دورها الاجتماعي، مهما ادعت النظريات السياسية. ومثلما منحت الدولة جزءاً من المجال للقطاع الخاص، فإنه آلياً يوازيه تأمين خدمات اجتماعية للفئات الهشة.

arabstoday

GMT 15:09 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

ابنه البكر

GMT 15:08 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

... إنّها حرب تطالبنا بأن ننسى كلّ شيء تقريباً

GMT 15:07 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

المشعوذون القدامى... والجُدد

GMT 15:04 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

الدول العربية «المضروبة»

GMT 15:02 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

الأسئلة الصعبة

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

المسؤولية بين الدولة والقطاع الخاص المسؤولية بين الدولة والقطاع الخاص



إطلالات متنوعة وراقية للأميرة رجوة في سنغافورة

سنغافورة - السعودية اليوم

GMT 05:53 2020 الإثنين ,20 كانون الثاني / يناير

احتجاج في نيويورك ضد فرقة أوركسترا إسرائيل

GMT 22:41 2018 الخميس ,18 كانون الثاني / يناير

7 معلومات يجب معرفتها عن تحديث أيفون المقبل

GMT 02:04 2017 الجمعة ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

نجاح كبير للسباق التأهيلي الدولي لمسافة 120 كم في سيح السلم

GMT 12:39 2017 الأربعاء ,25 كانون الثاني / يناير

إعدام 7 أشخاص في الكويت بينهم فرد من الأسرة الحاكمة و3 نساء

GMT 18:06 2012 الخميس ,20 كانون الأول / ديسمبر

الأخطاء الـ 5 الأكثر شيوعًا بين متعلمي اللغات

GMT 02:50 2017 الأربعاء ,29 آذار/ مارس

محمد بدار يوضح أهمية علم النفس الإيجابي

GMT 11:13 2020 الإثنين ,29 حزيران / يونيو

تحقق قفزة نوعية جديدة في حياتك وانطلاقة مميزة

GMT 22:49 2021 الأربعاء ,20 كانون الثاني / يناير

"هينيسي" تتحدى "بوغاتي" بشاحن توربيني مزدوج في "شيفروليه" 2020

GMT 00:43 2020 الثلاثاء ,28 كانون الثاني / يناير

تعرف على أضخم 5 قوات جوية في منطقة الشرق الأوسط

GMT 06:37 2020 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

صدور "مصريات عربية" للكاتبة رضوى زكي قريبًا

GMT 08:38 2019 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

مواعيد مباريات اليوم الجمعة والقنوات الناقلة

GMT 15:18 2019 الجمعة ,06 كانون الأول / ديسمبر

تطبيق للهواتف والكمبيوترات يساعدك على تنظيم مواعيدك
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
alsaudiatoday alsaudiatoday alsaudiatoday
alsaudiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab