الأسئلة الصعبة

الأسئلة الصعبة

الأسئلة الصعبة

 السعودية اليوم -

الأسئلة الصعبة

بقلم : د.محمد الرميحى

 

لا يبزغ فجر يوم إلا وتسمع من خلال وسائل الإعلام عن عدد الضحايا الذين سقطوا الليلة السابقة في غزة، وأيضاً في الضفة الغربية. ولا يوجد عاقل على وجه الأرض إلا ويصاب بالغثيان من تلك الأرقام وذلك الصلف الإسرائيلي المنزوع من الإنسانية وهو يغمس آلته العسكرية في دماء الفلسطينيين والعزل، ومن جهة أخرى نجد مندوب الدولة الكبرى، وهي الولايات المتحدة، يطوف بالعواصم الإقليمية مطالباً ليس بوقف الحرب الشعواء، ولكن بعدم توسيع رقعة الحرب! ضارباً بعرض الحائط كل من يسقط من هؤلاء البشر من موتى أو جوعى أو مشردين.

طبيعي أن يكون هناك شعور جارف بالاشمئزاز والغضب، ليس بين مجمل العرب فقط، ولكن أيضا من كل انسان على وجهة الأرض لديه القليل من المشاعر الإنسانية، كل ذلك مدان، لكن أيضا هناك من جهة أخرى أسئلة صعبة من العسير الإجابة عليها وسط هذا الدمار الهائل والمشاعر الجارفة، إلا أنها أسئلة مستحقة، وهي: هل الحرب الدائرة هي حرب بين حماس (فصيل وطني فلسطيني غير معترف به على الساحة العالمية) وبين إسرائيل؟ أم هي حرب بين الفلسطينيين قاطبة وبين إسرائيل؟ أم هي حرب بين محور المقاومة (ايران – العراق – سوريا – لبنان- اليمن "الحوثي") وبين إسرائيل؟ تلك أسئلة مستحقة، والإجابات عليها مُرة، تقف في الحلق معلقة لا تبلع ولا تلفظ! ولكنها تقربنا من فهم الحدث الدامي أمامنا.

نشاهد مجموعة من الصدامات مع المحتل في الضفة الغربية، ومواطنو الضفة الغربية في الغالب غير مسلحين، ولا بقادرين على التسلح بمستوى واسع، ويربط السلطة الفلسطينية خيط رفيع من المعاهدات مع إسرائيل، مهما قيل فيها، فإن التحلل منها سيكون ذا مردود سلبي على أهل الضفة وأي خلل كبير فيها سيكون ذريعة لطرد أهل الضفة بالقوة من قراهم ومدنهم، ولن يرف جفن المجتمع الدولي -بمعظم مكوناته- لذلك الأمر إن حصل! ومن المزعج في هذا الملف أنه بعد كل هذا الكم من الضحايا الذين سقطوا، يتبين النقص الهائل في التواصل الفلسطيني/الفلسطيني، إلى درجة أن يطالب السيد محمود عباس -وعلى الملأ- من مصر بعقد "اجتماع للمصالحة بين الفصائل الفلسطينية"! ألا يوجع القلب بل يفطره تلك الحقيقة المرة؟ فبعد أكثر من ثلاثة أرباع القرن من النضال وقضم الأرض الفلسطينية وتشريد الملايين، لم يتوحد المتضرر والضحية على قلب رجل واحد، ومن خلال مشروع واحد. أليست هناك خطيئة كبرى في هذا الملف الشائك ترتكب أمام عيون الجميع؟ ذلك سؤال يحتاج إلى إجابة موضوعية وليست عاطفية. الافتراض أنه لو كان هناك رأي موحد فلسطيني، لما ذبح الفلسطينيون فرادى أو فصائل واحدة إثر أخرى، إلا إنها شهوة السلطة وإغراء الأيديولوجيا لا أكثر.

أما السؤال الثاني فهو أين "محور المقاومة" وقد ملأ الدنيا بصيحات عالية، بأن هناك "مكتب تنسيق بين قوى المقاومة"؟ وأن هناك شيء اسمه "فيلق القدس" مهمته الرئيسية تحرير القدس!!

الحقيقة أنه مع الطلقات الأولى للحرب المدمرة الإسرائيلية على غزة، "تبرأ" قسم كبير وفاعل من "محور المقاومة" من كل ما حدث ونظر باتجاه آخر، ولم يبد منه إلا ترديد الشعارات، نعم هناك بعض المناوشات في جنوب لبنان، ولكنها "مناوشات مضبوطة" بما يعرف بـ"قواعد الاشتباك"، وتلك القواعد من أسرار "محور المقاومة"، ولكنها تبدو من الخارج "ضبط للاشتباك" لا يتعدى حدوداً معينة متوافقاً عليها، بصرف النظر عما يجري من قتل وتدمير في أماكن أخرى!

والآن يجري الحديث لدفع حزب الله خلف نهر الليطاني (بطرق دبلوماسية أو عسكرية إذا لزم)، وهذا يخرجه من المعادلة ومن الإحراج أيضاً، تأكيداً لما قيل إن الحزب هو للدفاع عن مصالح إيران ليس أكثر، وإخضاع لبنان كحاملة سلاح للاستخدام في وقت ما!

ولعل العقل أيضاً يأخذنا إلى التماس الأعذار، لأن أي اشتباك مع الآلة العسكرية الإسرائيلية، يعني في النهاية دمار لبنان، ولكن دمار لبنان قائم، من خلال امتلاك السلاح واخضاع الدولة اللبنانية بغضها وغضيضيها إلى مكان يزداد الفقر فيه والعوز تحت إرهاب الحزب.

العواطف الجياشة تطرح السؤال الثالث، وتتحدث عن تدخل عربي مسلح، وهو أمر يحمل من العواطف أكثر مما يحمل من الحقائق على الأرض، فقد خاضت الجيوش العربية بالفعل حروباً عديدة وقدمت فيها الكثير من التضحيات، ولكن كانت النهاية خسارة الأرض، وتعطل التنمية، بجانب أن معظم الدول المحيطة بإسرائيل قد وقعت اتفاقات سلام -مهما قيل حولها- فهي اتفاقات دولية التنصل منها له عواقب لا تستطيع هذه الدول أن تتحملها في الظروف السائدة. والعجب أنه بعد أكثر من ثلاثة أشهر من الحرب، يخرج لنا السيد إسماعيل هنية بمطالبة العرب بتسليح حماس، ولكنه يقصر أن يقول كيف وبأية طريقة؟ أليس هذا الطلب العلني دليل على قصور في التفكير السياسي؟؟

الحل المتاح هو حل سياسي تفاوضي، بدأت بعض أفكاره وخطوطه العامة تظهر على السطح، بدلا مما هو قائم وهو "الإبادة الجماعية" بموافقة متخذ القرار السياسي في عواصم العالم (من جديد، بصرف النظر عما يجري في الشارع في تلك العواصم). هنا أهمية التفكير خارج الصندوق، وأهمية اتخاذ قرارات من قيادة حماس بالذات تقود إلى حقن دماء أهل غزة التي تنزف.

أحد الدروس المؤلمة والقاتلة التي ظهرت نتيجة الصراع مع إسرائيل في مختلف المواقع في العقود الأخيرة، شيء اسمه "المزايدة"، إما المزايدة على النفس، أو المزايدة على الآخرين. وتأتي المزايدة من "مناضلي الكنبة" أي أولئك الناس غير المتضررين بالصراع مباشرة، ولا حتى القريبين منه، مستفيدين من المشاعر الجارفة للناس، حتى يبيعون الجمهور انتصارات ممكنة، وهي في نفس الوقت صعبة -إن لم تكن مستحيلة.

هذه المزايدة التي خبرناها في المعارك الكثيرة السابقة، وأدت إلى كوارث، يضاف إليها اليوم مزايدة "قوة إقليمية" هي النظام الإيراني، والذي يستخدم كل ذاك الكم من الضحايا من أجل تحقيق أهداف خاصة به، وهي في نظره الضغط على الولايات المتحدة لتقديم تنازلات لصالح مشروعه السياسي، مستخدماً قوى تابعة له في العراق ولبنان وحتى في اليمن!

أمام هذه الصورة البشعة من الإبادة، لا بد من تقديم الحل السياسي، والذي بالضرورة يحمل بعض التنازلات، وهو أمر حتى الآن لا يهضمه العقل السياسي العاطفي، ولكن على من يهمه الأمر أن يجهر به، ويتحمل رذاذ المتفرجين وثرثرتهم.

arabstoday

GMT 15:09 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

ابنه البكر

GMT 15:08 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

... إنّها حرب تطالبنا بأن ننسى كلّ شيء تقريباً

GMT 15:07 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

المشعوذون القدامى... والجُدد

GMT 15:04 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

الدول العربية «المضروبة»

GMT 15:01 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

من غزو العراق... إلى حرب غزّة

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الأسئلة الصعبة الأسئلة الصعبة



إطلالات متنوعة وراقية للأميرة رجوة في سنغافورة

سنغافورة - السعودية اليوم

GMT 10:54 2020 الإثنين ,29 حزيران / يونيو

التفرد والعناد يؤديان حتماً إلى عواقب وخيمة

GMT 18:07 2019 السبت ,12 كانون الثاني / يناير

بيتزي يحذر لاعبي المنتخب من هذا الأمر قبل مواجهة لبنان

GMT 13:29 2017 الأحد ,15 تشرين الأول / أكتوبر

د.مجدي بدران يكشف فائدة غسل الأيدي على المخ

GMT 11:14 2020 الجمعة ,09 تشرين الأول / أكتوبر

تسريب صور تكشف تصميم "هاواوي ميت 40" و"ميت 40 برو"

GMT 06:54 2020 الجمعة ,05 حزيران / يونيو

أفخم المجوهرات العالمية بأسلوب هيفاء وهبي

GMT 07:10 2019 الإثنين ,10 حزيران / يونيو

رانيا يوسف تثير جدلا جديدا وهجوم ناري من الجمهور

GMT 01:42 2019 الإثنين ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

دراسة تتوصَّل إلى سبب أحد أكثر أنواع الحساسية شيوعًا

GMT 03:14 2019 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

دببة قطبية بيضاء تغزو إحدى المناطق في شمال روسيا

GMT 01:42 2019 الإثنين ,11 شباط / فبراير

الصادق المهدي يحذر من انقلاب داخلي في السودان

GMT 05:43 2019 الخميس ,31 كانون الثاني / يناير

حنان مطاوع تخوض سباق رمضان المُقبل بـ"لمس أكتاف"

GMT 18:12 2019 السبت ,26 كانون الثاني / يناير

سامي الجابر يُعلّق على هاشتاج “محيط الرعب”

GMT 00:18 2019 الثلاثاء ,22 كانون الثاني / يناير

"مجلس النواب الأردني يقر مشروع قانون "العفو العام

GMT 02:21 2019 الثلاثاء ,15 كانون الثاني / يناير

يحيى الفخراني "سعيد" بتكريمه في مهرجان المسرح العربي
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
alsaudiatoday alsaudiatoday alsaudiatoday
alsaudiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab