ليبيا وفخ البنك الدولي

ليبيا وفخ البنك الدولي

ليبيا وفخ البنك الدولي

 السعودية اليوم -

ليبيا وفخ البنك الدولي

بقلم - جبريل العبيدي

بعد كارثة درنة ظهرت قضية الإعمار والصراع حول الأموال التي رصدها البرلمان لإعادة الإعمار، في ظل أصوات تطالب بالتدويل، وإشراك البنك الدولي، أو حتى الاقتراض منه، في سابقة خطيرة ستكون عواقبها أكثر بشاعة من كارثة درنة، خاصة أن ليبيا ليست في حاجة للاقتراض من البنك الدولي، فهي من البلدان الغنية التي ليست لها ديون، وفي أرصدتها ما يفوق مئتي مليار دولار، واحتياطي من الذهب كبير.

مسألة تدويل الإعمار ستكون نتائجه السلبية كارثية في مقابل الفساد المحلي الذي يخشاه أغلب السكان، بعد تجارب مع فساد حكومي متعاقب أهدر الأموال، لدرجة أن إحدى حكومات فبراير أهدرت خمسة مليارات دينار ليبي في قرطاسية مكتبية لديوان الحكومة!

ليبيا في تاريخها المعاصر لم تكن دولة دائنة ولا مدينة، بل عندها احتياطي مجمد من الدولار يتجاوز مئتي مليار دولار في بنوك مختلفة، وبالتالي طلب قرض من البنك الدولي، أو حتى إشراكه في أي عملية إعمار في ليبيا، سيكون كارثياً، خاصة في ظل التجارب الفاشلة والكارثية لتدخّل البنك الدولي في الدول النامية، مما يعدّ انتقاصاً للسيادة الوطنية، بل يعد تدخلاً غير معروف العواقب من خلال تجارب في المنطقة مع تدخل البنك الدولي، جميعها غير مشجعة.

وفي محاولة كسب ثقة، حاول البنك الدولي طمأنة مخاوف الليبيين بالتأكيد على التزامه دعم ليبيا من خلال المساعدة الفنية والخدمات التحليلية، إضافة إلى تمويل الصناديق الائتمانية والمنح، وكان قد سبق للبنك الدولي أن نبَّه إلى حاجة ليبيا لإصلاح نظامها الاقتصادي بشكل هيكلي وبشكل عاجل.

الاقتصاد الليبي يعاني المشاكل في التحول من الحالة الريعية إلى الحالة الإنتاجية والصناعية، ولكن رغم المحاولات المختلفة للدفع نحو الإنتاج، أو كما كان يسميه النظام السابق «التحول إلى الإنتاج»، فشلت جميعها؛ لأنها كانت حكومية تدار بنظام شبه «اشتراكي» حكومي بالدرجة الأولى، رغم رفع النظام لشعار عمالي «شركاء لا أجراء»، وسمى العمال منتجين، رغم أنَّهم لم ينتجوا شيئاً يذكر.

الاستثمارات الليبية الخارجية شهدت في البداية طفرة غير مسبوقة لإنعاش الاقتصاد، لدرجة أنَّ ليبيا كانت شريكاً أساسياً في شركة «فيات» الإيطالية للسيارات في سبعينات وثمانينات القرن الماضي، ولكن سرعان ما تعرضت ليبيا لأزمات اقتصادية جراء مواقفها السياسية والحصار، فباعت حصصها في الاستثمار، وما استمر منها نخرها الفساد الحكومي.

الحكومات الليبية المتعاقبة جميعها لم تسعَ إلى تحسين الوضع الاقتصادي، ولا حتى تطويره وإعادة تهيئة الاقتصاد الليبي للخروج به من حالة «الاقتصاد الريعي»، حيث ما يصرف هو ما يأتي من عوائد النفط من دون أي استثمار يذكر يمكن التعويل عليه للأجيال القادمة، والنهوض بالبنية التحتية التي ينبغي الإسراع فيه، خاصة أن البلاد توقفت زمنياً منذ 2011؛ إذ ظلت الحكومات الليبية المتعاقبة تمارس الصراع السياسي ونهب الأموال، من دون معالجة حالة الاقتصاد الريعي، ما أخّر البلد عن اللحاق بركب التقدم.

بينما يرى خبراء اقتصاد ليبيون أن الأولوية والهدف الأساسي هو ترميم الاقتصاد الليبي وإعادة الاستقرار، وتوحيد سعر صرف الدولار مقابل الدينار؛ لمنع السوق الموازية التي تنهك اقتصاد البلاد بشكل كارثي، في ظل غياب إنتاج محلي قابل للتصدير وإدخال عملة صعبة للبلاد.

ليبيا لا تزال في سنوات الثراء النفطي، رغم كل المشاكل والصراعات القائمة، على العكس من تقارير البنك الدولي، وخاصة تقريره بشأن «ديناميكيات سوق العمل في ليبيا: إعادة الإدماج من أجل التعافي».

دخول البنك الدولي الآن على خط الإعمار كما طلبت حكومة الوحدة الوطنية منتهية الولاية من قبل البرلمان، الذي سحب منها الثقة، سيجعل من البنك الدولي طرفاً في الصراع، فالطلب جاء من هذه الحكومة المنتهية الصلاحية، وهي طرف في الصراع السياسي في مقابل حكومة أخرى كلفها البرلمان الشرعي المنتخب، وبالتالي تدخل البنك الدولي في هذا التوقيت سيعقد الأمور، ولن يسهم في الحل، بل سيصبح جزءاً من الأزمة ناهيك عن سمعة البنك في المنطقة العربية والشرق الأوسط، وإملاءاته على الحكومات، التي ستضطر لنهج السياسات المطلوبة من هذا البنك حتى ولو تعارضت مع مبدأ السيادة.

ليبيا في حاجة لعملية تهيئة اقتصادها وتطويره فعلاً، ولكن ليس البنك الدولي هو الشريك المناسب، خاصة في المرحلة الحالية، حيث تتنازع الشرعية في ليبيا حكومتان ومجلسان وبنكان مركزيان أعلن مؤخراً عن توحيدهما، بالإضافة إلى حالة من التشظي السياسي، مما سيجعل من البنك الدولي «أداة» مغالبة واستقواء لأحد الأطراف، سواء كان البنك الدولي يعلم أو لا يعلم، وهذه الفرضية الأخيرة مستبعدة، ويصبح دخول البنك الدولي إلى ليبيا مجرد فخ يصعب التخلص منه.

arabstoday

GMT 13:43 2025 الجمعة ,12 كانون الأول / ديسمبر

ترمب: لا تحبسوني

GMT 13:40 2025 الجمعة ,12 كانون الأول / ديسمبر

فيلم «السِّتّ» إبداعٌ وإضافة

GMT 13:38 2025 الجمعة ,12 كانون الأول / ديسمبر

المانحون الكبار وضحاياهم

GMT 13:35 2025 الجمعة ,12 كانون الأول / ديسمبر

صعوبة استقبال الجديد في سوريا

GMT 13:33 2025 الجمعة ,12 كانون الأول / ديسمبر

صحافة الابتزاز

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ليبيا وفخ البنك الدولي ليبيا وفخ البنك الدولي



أجمل فساتين السهرة التي تألقت بها سيرين عبد النور في 2025

بيروت - السعودية اليوم

GMT 18:51 2025 الثلاثاء ,16 كانون الأول / ديسمبر

عراقجي يصل موسكو وسط تصاعد الخلاف بين إيران والوكالة الذرية
 السعودية اليوم - عراقجي يصل موسكو وسط تصاعد الخلاف بين إيران والوكالة الذرية

GMT 18:00 2025 الثلاثاء ,16 كانون الأول / ديسمبر

هيئة الإذاعة البريطانية تعلن الدفاع عن نفسها أمام دعوى ترامب
 السعودية اليوم - هيئة الإذاعة البريطانية تعلن الدفاع عن نفسها أمام دعوى ترامب

GMT 10:47 2015 الجمعة ,30 تشرين الأول / أكتوبر

"الجلد" يزين ملابس النجمات العرب هذا الأسبوع

GMT 16:03 2021 الخميس ,07 كانون الثاني / يناير

حظك اليوم برج الجوزاء الخميس 7 يناير/كانون الثاني 2021

GMT 03:29 2020 الجمعة ,24 كانون الثاني / يناير

الحكومة اليمنية تحذر الحوثيين بشأن اتفاق استكهولم

GMT 23:09 2019 الخميس ,19 كانون الأول / ديسمبر

"أموال عامة" تعيد هانى سلامة للسينما

GMT 05:54 2019 الجمعة ,04 تشرين الأول / أكتوبر

تعرف على فوائد "زيت النعناع" في تسريع نموّ الشعر بشكل صحيّ

GMT 11:44 2019 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

مرجان يطالب بعرض مرتضى منصور على مصحة نفسة

GMT 06:26 2019 السبت ,16 آذار/ مارس

%6.5 نمو الأصول المصرفية المتوقع 2019

GMT 19:44 2019 الجمعة ,04 كانون الثاني / يناير

قناع طبيعي من الخشب يوحد لون البشرة ويحميها في الصيف

GMT 09:50 2018 الأربعاء ,03 تشرين الأول / أكتوبر

محمد رمضان يحتفل بعيد ميلاد ابنه وابنته

GMT 22:07 2018 الإثنين ,01 تشرين الأول / أكتوبر

طريقة إعداد وتحضير ليموناضة بالتوت الأزرق

GMT 00:09 2017 الخميس ,14 كانون الأول / ديسمبر

أبرز الاختلافات بين هاتفى هواوى Mate 10 Pro و جوجل Pixel 2 XL

GMT 01:34 2017 الإثنين ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

آندي موراي يسخر من دونالد ترامب على "تويتر"
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
alsaudiatoday alsaudiatoday alsaudiatoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh Beirut - Lebanon.
lebanon, lebanon, lebanon