التجاهل والتعامي بوصفهما حرفةً

التجاهل والتعامي بوصفهما حرفةً

التجاهل والتعامي بوصفهما حرفةً

 السعودية اليوم -

التجاهل والتعامي بوصفهما حرفةً

عبدالله بن بجاد العتيبي
بقلم : عبدالله بن بجاد العتيبي

التجاهل ليس جهلاً، بل هو تعمّد رفض المعرفة وادعاء الجهل، والتعامي ليس عمىً بصرياً، بل هو محاولة للتغاضي الواعي الذي لا يختار غضَّ الطرف بصرياً عن بعض المشكلات، بل يختار غضَّ العقل وتغطية بصيرته، فهما أي التجاهل والتعامي عملان ذهنيان يختاران عن وعي رفض العلم وانتقاء الجهل، ورفض البصيرة واختيار طمسها في العقل، ومن هنا فالواقع وأحداثه ومعانيه وتفسيراته الراشدة، من خلال هذه الفكرة، لا تَعْنِي شيئاً، لا لمفكرٍ ومثقفٍ ولا لصانع قرارٍ.

تحدّث المفكر الألماني الكبير ماكس فيبر عن «العلم والسياسة، بوصفهما حرفةً» وها نحن نشهد اليوم انعكاس الآية ومناقضة فكرته في سياقنا الحضاري، وذلك حين يختار البعض «التجاهل والتعامي بوصفهما حرفةً»، ولئن كانت أفكار فيبر تعبّر عن سعي حثيثٍ لترقٍ حضاري يفتح آفاق المستقبل، فإنَّ هذه الفكرة لدينا حول «التجاهل والتعامي» لا تعني شيئاً أكثر من اختيار التقهقر الحضاري.

بعض الأفكار التي يجمد عليها أصحابها، وإن كانت خاطئةً، تؤدي عبر العناد إلى كوارث متعددة المستويات، لا لشيء إلا لعدم الاستعداد للاعتراف بالخطأ والتراجع عنه، فتصبح المكابرة سياسةً عامةً، تتأزم كلما تجلت الحقائق وانكشفت المعلومات الموثقة، وهذه سبيلٌ لاحبٌ لاعتماد «سياسة النعامة» التي تحدث عنها العرب، فجعلوها مثلاً للجبن والخور، وأنها تدس رأسها في التراب.

الحديث السائد، الذي يروّج على نطاقٍ واسعٍ، هو أنَّ «الإرهاب انتهى»، و«الأصولية تلاشت»، و«التطرف تبخّر» من واقع العالم، ومن التأثير على سياساته، وكذلك لم يعد له مكانٌ في تهديد البشرية بأي حالٍ من الأحوال، فلا إرهاب ولا إسلام سياسي ولا تناقضات في المصالح ولا اختلافات سياسية في المنطقة ولا صراعات دولية، فالأمور كلها تحت السيطرة ما دامت الأماني واسعة.

المشكلة الكبرى التي نعاني منها اليوم هي أنَّ أحداً لم يخبر عناصر «داعش» في العالم وفي سوريا والعراق بذلك، والأخطر أن أحداً لم ينبّه عناصر «القاعدة» في المكانين نفسيهما على الأمر ذاته، فظلت تلك العناصر تتصرف على ما تربّت عليه عقوداً من الزمن، دون أن تنتبه لما أصبح يروّج عن انتهائها من قِبَل محللين وسياسيين رغبويين.

لماذا اغتال عنصر أمني سوري ثلاثة أميركيين؟ ولماذا تحرك إرهابيٌ قاتلٌ مع ابنه لقتل الكثيرين من الآمنين في أستراليا يهوداً كانوا أم غير يهودٍ؟ ولماذا تتم التعمية المقصودة على كل تحركات الإرهاب المخيفة، مع أنها مستمرةٌ وتتكرر حول العالم؟ هذا الأمر تحديداً يعبّر فعلياً وواقعياً عن أمرٍ مخيفٍ حين نتخلَّى عن العقل والمنطق والواقع لصالح الأماني والأحلام.

في الإعلام العربي أصبح من المهم الاهتمام بما لا يهم، وفي الثقافة التثقّف بما لا يثير، ويجب إعادة ترتيب مكانة المواطنين والبشر والكفاءات بمعايير جديدة، فمن يخدم الأماني والأحلام يكون مقدماً، ومَن ينشر الأوهام يكون مؤثراً، ومَن يروّج للتفاهات يحظى بكل الدعم والتأييد مادياً ومعنوياً.

إنها بالفعل معادلة قاتلة، بحيث تضمن إفراغ الدول والمجتمعات من أي مثقف محترم أو مفكر معتبر أو محلل ذي رأي، وهذه وصفة للهلاك لا للانتعاش الحضاري لأي دولةٍ أو أمةٍ أو شعبٍ يسعون للمنافسة على المراكز الأولى في النجاح والإنجاز والتميز العالمي في كل المجالات.

إن الزعم باختفاء كل المشكلات خصوصاً المعقدة منها مثل الأصولية والإرهاب بمجرد «التجاهل» و«التعامي» عنها إنما يؤدي إلى تفاقمها وانتشارها وتفشيها، بينما الحل سهلٌ بالعلم والمعرفة والعمل، وذلك بالاستمرار في النجاحات التنموية مع الأخذ بالاعتبار أن التحديات القديمة وضاربة الجذور في المجتمعات لا يمكن أن تختفي بين يومٍ وليلةٍ.

جعل «الاقتصاد» و«التنمية» أولويةً أمرٌ بالغ الأهمية وعظيم الأثر على الدول والمجتمعات والشعوب، ولكن ينبغي ألا نغفل عن التحديات التي تواجههما، فلا بد من التصدي لها ورسم الخطط لحلها بشكلٍ تكتيكيٍ واستراتيجي في آنٍ واحدٍ.

أحمد الأحمد المواطن الأسترالي من أصولٍ سوريةٍ أثبت للعالم أجمع أنَّ المسلم ليس إرهابياً، بل الإرهابيون هم فئةٌ مريضةٌ متمردة على الأديان والثقافات والبشرية جمعاء، وهو الذي خاطر بحياته لمواجهة الإرهاب بنفسه ما جعل منه بين عشيةٍ وضحاها بطلاً عالمياً يستحق كل أنواع الإشادات والتكريم، بينما الإرهابي القاعدي في سوريا خان الأمانة، ونفذ عمليةً غادرةً لتهديد مستقبل سوريا الجديدة، وإثارة اللغط حول كثيرٍ من التفاصيل المهمة التي اختار البعض تجاهلها والتعامي عنها، حتى احترف «التجاهل» و«التعامي» حرفةً لا يمكن أن توصل الدول والمجتمعات إلى أي شكلٍ من أشكال بحر الأمان.

أخيراً، فالتجاهل والتعامي حين يتحولان لحرفةٍ، فإنهما مؤذنان بتخلّف الدول والأمم وتقهقر المجتمعات والشعوب، فلا شيء يعدل العلم والمعرفة في رفد السياسة وفرض الرخاء.

 

 

arabstoday

GMT 19:42 2025 الأحد ,21 كانون الأول / ديسمبر

السردية الإسرائيلية التي دحضها أحمد الأحمد

GMT 19:34 2025 الأحد ,21 كانون الأول / ديسمبر

«الست»

GMT 19:31 2025 الأحد ,21 كانون الأول / ديسمبر

ذكريات من الوفد!

GMT 19:29 2025 الأحد ,21 كانون الأول / ديسمبر

رياح الكرة الإفريقية من شرقية إلى «غربية شمالية»

GMT 19:26 2025 الأحد ,21 كانون الأول / ديسمبر

«حزب الله» خسر الحرب ويريد الربح في السياسة!

GMT 19:23 2025 الأحد ,21 كانون الأول / ديسمبر

عذابات الملياردير الرقمي!

GMT 19:20 2025 الأحد ,21 كانون الأول / ديسمبر

صهيونيّتان وإسرائيلان؟!

GMT 19:19 2025 الأحد ,21 كانون الأول / ديسمبر

المتحف المصرى بالتحرير.. هل غابت شمسه؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

التجاهل والتعامي بوصفهما حرفةً التجاهل والتعامي بوصفهما حرفةً



أجمل فساتين السهرة التي تألقت بها سيرين عبد النور في 2025

بيروت - السعودية اليوم

GMT 15:43 2025 الأحد ,21 كانون الأول / ديسمبر

الفلفل الحار وتأثيره على صحة البروستاتا
 السعودية اليوم - الفلفل الحار وتأثيره على صحة البروستاتا

GMT 14:35 2025 الأحد ,21 كانون الأول / ديسمبر

تسلا تكشف عن روبوتها الشبيه بالبشر اوبتيموس في برلين
 السعودية اليوم - تسلا تكشف عن روبوتها الشبيه بالبشر اوبتيموس في برلين

GMT 11:54 2019 السبت ,27 تموز / يوليو

هند صبري تظهر بـ3 شخصيات في "الفيل الأزرق2"

GMT 19:00 2017 الثلاثاء ,17 تشرين الأول / أكتوبر

محمد الباز يفتح ملف الخطاب الديني في برنامج "90 دقيقة"

GMT 13:52 2016 الأربعاء ,07 كانون الأول / ديسمبر

الاتحاد ينعي غازي كيال ويشيد بمسيرته الرياضية

GMT 21:02 2018 الأربعاء ,26 كانون الأول / ديسمبر

كيفية الحصول على خصر نحيف وقوام رشيق في أسبوع

GMT 20:35 2018 الأربعاء ,05 أيلول / سبتمبر

لمحات من نموذج "iNext Vision" القادم من بي إم دبليو

GMT 02:38 2018 الخميس ,26 تموز / يوليو

أجمل ديكورات "غرف نوم" بالأسود والأبيض

GMT 20:40 2018 السبت ,10 شباط / فبراير

أنطوان جريزمان يهدي هدفه السريع لطفل

GMT 20:37 2014 الخميس ,18 كانون الأول / ديسمبر

رجيم الكمون لاذابة الدهون والتخلص منها بكل سهولة

GMT 05:17 2019 الإثنين ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

غوتيريش يصف الحكومة اليمنية الشرعية بـ"مفتاح الحل"
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
alsaudiatoday alsaudiatoday alsaudiatoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh Beirut - Lebanon.
lebanon, lebanon, lebanon