الجوع السياسي

الجوع السياسي

الجوع السياسي

 السعودية اليوم -

الجوع السياسي

مأمون فندي

لا أكتب هنا عن سياسة الجوع بالمعنى المتعارف عليه وعلاقته بأزمة الطعام في العالم كما هو متداول في المؤتمرات والمجلات السياسية، أكتب هنا عن «الجوع السياسي» كمفهوم جديد يخص سلوك بعض الجماعات والدول بمنطقتنا، وهو يعني رغبة الجماعات في التهام أنظمة الحكم داخل الدولة الواحدة أو جزء من الدولة، كما في حالة «حزب الله» في لبنان، والحوثيين في اليمن، أو جوع الدول لالتهام دول أخرى أو إضعافها لسد رغبات جوع التأثير الإقليمي. ومن هنا يكون مفهوم الجوع لا يفسر فقط أطماع الجماعات داخل الدولة في التهام الدولة، بل أيضا يفسر سلوك الدولة تجاه جيرانها ومحيطها الإقليمي. فمثلا الجوع السياسي للدول يصل مداه عندما تلتهم دولة دولة أخرى كما فعل صدام حسين مع الكويت، وأحيانا يكون أقل درجة مثل جوع إيران في العراق وسوريا ولبنان. الجوع السياسي هنا بمعنى أنه في تفاوض بعض الحكومات والدول التي تعاني من أزمات مع معارضتها تتنازل الحكومة للمعارضة بشيء فتأخذه ونتيجة للجوع تطلب أكثر فأكثر، تمنحها يدا فتريد الذراع، هذا هو ما أقصده بالجوع السياسي.

وأضرب لهذا أمثلة من حالة الربيع العربي وربما قبل ذلك. مثلا، بعد سقوط حسني مبارك أعلنت جماعة الإخوان المسلمين أن هدفها هو الشراكة في البرلمان والتشريع، وأنها لن تقدم مرشحا للرئاسة، ولكن بعد أن نظرت الجماعة إلى المشهد وبدافع الجوع السياسي تقدمت بمرشح للرئاسة، ثم فازت بالرئاسة، ولكن الجوع السياسي أخذها في طريق السيطرة على مصر كلها، وأخونة الدولة برمتها. واستمر الجوع يدفع «الإخوان» دفعا حتى خسروا كل شيء. الجوع السياسي نوع من الأمراض السياسية التي تعاني منها المعارضات العربية التي لا تعرف الشبع فلا تدري متى تتوقف عن الأكل، حتى بعد السقوط ما زال جوع «الإخوان» يدفعهم في طريق العنف والإرهاب لإرضاء رغبة الشبع. ويمكنك تطبيق مفهوم الجوع السياسي لتفسير ما يحدث في بلدان أخرى غير مصر.

ما يحدث الآن في مملكة البحرين أيضا مثال صارخ على الجوع السياسي للمعارضة الشيعية الخالصة المتمثلة في جمعية الوفاق، التي ما إن رأت الحوثيين في اليمن يسيطرون على صنعاء حتى رفضت ما تقدمه الدولة من تنازلات وهي كثيرة، فأعلنت مقاطعتها للانتخابات في محاولة لنزع الشرعية عن العملية السياسية برمتها. وفي سياق آخر، ربما كانت ستتصرف المعارضة بشكل عقلاني، ولكن كما يقولون «الجوع كافر»، ودافع الجوع أحيانا يأخذ أصحابه إلى التهلكة في حالاته القصوى. مثلا تجاوب الحكم في البحرين مع معارضته من خلال دستور جديد وإعادة توزيع الدوائر الانتخابية وكذلك صلاحيات البرلمان في مسائلة الحكومة بما يجعل البحرين متقدمة كثيرا عن بقية دول المنطقة في التجاوب السياسي، ومع ذلك يقف بين الاستقرار والسلم الأهلي في البحرين جوع المعارضة.

طبعا حالة البحرين حالة لا يمكن الحديث عنها وكأنها دولة أو نظام مغلق، فالبحرين دولة صغيرة، مثل كل الدول الصغيرة، تتأثر بأطماع وتجاذبات جوار قوي، وتقع في منتصف التنافس السعودي الإيراني على النفوذ في الخليج، وتتأثر أيضا برغبات ومصالح القوى العالمية العظمى في المنطقة، ومع ذلك فالمقال ليس عن البحرين بقدر ما هو تأصيل لمفهوم الجوع السياسي كمعوق للاستقرار داخل الدولة الواحدة وفي الإقليم برمته.

الجوع أيضا طائفي، فالجوع الشيعي في لبنان هو الذي يدفع «حزب الله» من آن لآخر ليهدد بالتهام بيروت أو التهام لبنان كله، كما جوع الحوثيين في اليمن الذي نشهده اليوم، وجوع الشيعة في العراق والبحرين.

هذه أمثلة للجوع داخل الدولة الواحدة. أما الجوع ما بين الدول فهو كما نرى في رغبة إيران التهام دول كاملة مثل العراق وسوريا ولبنان والبحرين.

فهل من طريقة للتعامل مع الجوع السياسي إذا كان معوقا للاستقرار داخل الدولة وفي الإقليم؟ وهل هناك من طريقة لنصح الدول والجماعات بأن الجسد السياسي، سواء كان حزبا أو دولة، مثل الجسد البشري قد يدفعه الجوع إلى ارتكاب حماقات أو يصيبه بالتخمة فيموت، أو إذا ما قضم الإنسان أكثر مما يستطيع مضغه فمن الوارد أن يختنق؟

ألم تكن تلك حالة «الإخوان المسلمين» في مصر، الذين بدافع الجوع السياسي حاولوا ابتلاع أكبر دولة عربية حتى انتهى بهم الحال ليكونوا تابعين لأصغر دولة عربية؟ أعتقد أنه في هذا المثل المصري دروس مستفادة يجب أن تتعلمها جماعة الوفاق في البحرين، ويجب أن يفهمها الحوثيون في اليمن. الجوع السياسي يقتل صاحبه، وما مثال نوري كامل المالكي في العراق أيضا إلا إضافة أخرى للأمثلة داخل الدولة.

أما عن الجوع خارج الحدود فابتلاع صدام حسين للكويت أوصله إلى نهايته في أشهر مسلسل من مسلسلات الجشع السياسي، وفي هذا أيضا دروس مستفادة يجب أن تتعلمها إيران.

مفهوم الجوع السياسي وعلاقته بعدم الاستقرار وربما موت الأنظمة والجماعات يحتاج نقاشا أوسع من مجرد مقال في صحيفة، وأتمنى أن يكون هذا المقال بداية لهذا النقاش.

arabstoday

GMT 15:09 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

ابنه البكر

GMT 15:08 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

... إنّها حرب تطالبنا بأن ننسى كلّ شيء تقريباً

GMT 15:07 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

المشعوذون القدامى... والجُدد

GMT 15:04 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

الدول العربية «المضروبة»

GMT 15:03 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

حانت لحظة الرحيل

GMT 15:02 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

الأسئلة الصعبة

GMT 15:01 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

من غزو العراق... إلى حرب غزّة

GMT 15:00 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

عن رسالة بوريل ومستقبل أوروبا

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الجوع السياسي الجوع السياسي



إطلالات متنوعة وراقية للأميرة رجوة في سنغافورة

سنغافورة - السعودية اليوم

GMT 22:28 2018 الخميس ,14 حزيران / يونيو

قائد أوروجواي دييجو جودين يدافع عن سيرجيو راموس

GMT 19:38 2018 الإثنين ,14 أيار / مايو

فهد المولد يستفز برشلونة بعد الخماسية

GMT 07:59 2018 الجمعة ,09 آذار/ مارس

أكثر من 10 أمراض تصيب النساء أضعاف الرجال

GMT 04:50 2018 الإثنين ,29 كانون الثاني / يناير

كاميرات مراقبة لمساجد بنغازي خوفًا من العلميات المتطرفة

GMT 20:28 2017 الإثنين ,18 كانون الأول / ديسمبر

المنتخب السعودي لكرة القدم يواجه العراق وديا

GMT 11:57 2017 الأربعاء ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

دار JIOVANI MARCO تقدم مجموعتها الماسية لمناسبة الأعياد

GMT 00:02 2017 الأحد ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

الحسين عموتة يؤكد غاب عنا التركيز ولم نكن الأفضل

GMT 08:09 2013 الأربعاء ,30 كانون الثاني / يناير

قرود مكاك ذكية يابانية تتجمع من أجل الوقاية من البرد

GMT 08:54 2021 الأربعاء ,03 شباط / فبراير

يحالفك الحظ في الايام الأولى من الشهر
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
alsaudiatoday alsaudiatoday alsaudiatoday
alsaudiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab