الشرق الأوسط ونهاية الآيديولوجيا

الشرق الأوسط ونهاية الآيديولوجيا

الشرق الأوسط ونهاية الآيديولوجيا

 السعودية اليوم -

الشرق الأوسط ونهاية الآيديولوجيا

مأمون فندي

دائمًا ما تكون هناك مبالغة فيما يوصف بعلم النهايات مثل مقولة فوكوياما بنهاية التاريخ أو دانيال بيل في كتابه «نهاية الآيديولوجيا»، الذي لم يكن سوى تجميع لمجموعة مقالات متفرقة قصد بها نهاية الشيوعية كرؤية حاكمة، ولكن معظم هذه المقولات لا يطلق جزافا، بل يستند إلى ملاحظات أمبيريقية أو معطيات مستقاة من الواقع لتكون سندا وداعما لمثل هذه المقولات. شاعت فكرة نهاية الآيديولوجيا في الغرب بكثرة بداية من عام 1955، بعد موت الزعيم السوفياتي ستالين وبعد خطاب خروشوف الذي أدار ظهره فيه للستالينية وبعدها شاعت في الغرب فكرة نهاية الآيديولوجيا في اجتماعات عتاولة علم السياسة مثل ريموند آرون، وسبمو مارتن لبست وآخرين من بينهم دانيال بيل وكان القصد من ذاك الحديث هو انقلاب حضاري على الفكرة الماركسية التي نظرت ليوتوبيا المجتمع الشيوعي.

ما أطرحه اليوم فيما يخص نهاية الآيديولوجيا في العالم العربي له شقان إن لم يكن أكثر، الشق الأول مرتبط بتحلل بعض دول المنطقة لمكوناتها الأولية من مؤسسات حماية الأفراد في صيغتها البدائية كالطائفة (الدروز، والعلويين وغيرهم) كما في حالة سوريا والعراق أو القبيلة (حاشد وبكيل إلخ) كما هو الحال في اليمن وليبيا الآن أم الجماعة العرقية كما في حالة الأكراد. من قبل كل هذا جميعا كان لبنان طبعا والذي يعيش حالة الدولة الطائفية بامتياز، حيث لم ينه اتفاق الطائف الطائفية بل أصل لها ووضعها في إطار قانوني ليصبح لبناء فضاء الطوائف شبه المتصالحة. والدولة كتجمع بشري يحتمي فيه الناس من أخطار الخارج والداخل هي وعاء الآيديولوجيا وحاملة شعلتها في العالم العربي أو الشرق الأوسط كله، فشل هذه الدولة الحديثة وإحلال «داعش» محلها يعني بالضرورة نهاية آيديولوجية الدولة واحتماء الناس بالهويات الأولية مثل الطائفة (درزي مثلا) أو العرق (كردي مثلا) أو القبيلة (حاشد في اليمن مثالا أو بني وليد في ليبيا)، أما الشق الثاني فهو رغم الزخم الإعلامي المصاحب لآيديولوجيا «داعش» وشعار «الدولة الإسلامية»، إلا أن الصدام اليوم بين الفكر الإسلاموي و«التطرفي» مع المكونات الأولية لمجتمعات قديمة مثل سوريا والعراق يشير إلى نهاية الآيديولوجيا الإسلاموية في نسختها الداعشية وما قبلها.

الآيديولوجيا هي رؤية كبيرة للنفس وللعالم تمنح الشعوب فكرة استقرار عوالمها، وهي نسيج من أفكار متجانسة تكررها مؤسسات الدول كل صباح كوسيلة لتماسك الدولة من نشيد الصباح وتحية العلم في المدرسة إلى الإعلام الجماهيري.

في العالم العربي لا توجد فكرة جامعة اليوم سوى فكرة الحرية التي ارتبطت بالربيع العربي والذي يمكن القول بأنه فشل في اللفة الأولى من الأحداث خلال الأربع سنوات الفائتة، الآيديولوجيا المنافسة التي تتغذى على جثة الدولة اليوم هي «داعش» أو الأفكار الإسلاموية المشابهة. وليس هناك مشكلة لدي في أي فكرة إلا عندما تطبق بالقوة، وهذا ما تفعله «داعش».

«داعش» كرمز للآيديولوجيا الجامعة لشتات من البشر لا تربطهم علاقات دم أو قبيلة اليوم لا تواجهها الدولة في سوريا والعراق، بل الذين يواجهونها دفاعا عن هويتهم هم الدروز في سوريا والكرد في العراق. الدروز في محافظة السويداء والمسيحيون في محردة في سوريا والأكراد في الموصل هم من يواجهون «داعش»، إذن الطائفة والقبيلة والعرق في مواجهة الآيديولوجيا. نرى الشيء نفسه في ليبيا والمواجهة بين «داعش» والقبائل الليبية، والشيء نفسه نراه حتى في مصر في تحالف قبائل بدو سيناء ضد جماعة «داعش» و«بيت المقدس»، حيث تحشد قبائل الترابين في شمال سيناء ضد «داعش».

في أي مواجهة كانت بين الآيديولوجيا والعرق أو الطائفة كان دائمًا النصر حليف القبيلة، وتحتل الآيديولوجيا مكانًا ثانويًا إذا ما قررت القبيلة استخدامها أو تجييرها لمصلحتها.

الناظر إلى التاريخ الإسلامي نفسه بعد الخلافة الراشدة يرى تسيد بني أمية وبني العباس على الآيديولوجيا لتسمى الخلافة ذاتها فيما بعد بالدولة الأموية والدولة العباسية والدولة الفاطمية والدولة الأيوبية والإخشيدية إلى آخر هذه المسميات التي كانت عنوان انتصار علاقات الدم والطائفة على الآيديولوجيا، وفي حالة المجتمعات التي تتمركز حول فكرة الطائفة مثل الدروز مثلا نرى تلاصق الطائفة بالعرق. فالدروز لا يتزاوجون مع غير الدروز إلا ما ندر. إذن الطائفة والقبيلة صنوان، أو هما الشيء ذاته.

وبنهاية الآيديولوجيا في بلاد مثل سوريا والعراق نحن لا نتحدث عن نهاية الآيديولوجيا المتسربلة بالدين مثل حالة «داعش» و«النصرة»، بل أيضا نهاية آيديولوجيا البعث التي يتغطى بها النظام الحاكم هناك.

طبعا هناك من يتحدثون عن التواصل الاجتماعي والاستخدام المتميز لجماعات الإسلام السياسي لها وقدرة هذه الجماعات على نشر أفكارها بشكل أسرع، أقول إن 140 حرفًا في «تويتر» لا تصنع آيديولوجيا، الآيديولوجيا كتب ذات كثافة معرفية ورؤية سردية.

مرّ الشرق الأوسط بآيديولوجيات ما فوق الدولة مثل فكرة القومية العربية وفكرة الخلافة الإسلامية، والآن تمر المنطقة بمرحلة ما تحت الدولة من قبيلة وطائفة وفي مواجهة الآيديولوجيا والقبيلة في معظم تاريخ المنطقة انتصرت القبيلة، ومن هنا أقول بأن المرحلة القادمة من تاريخ المنطقة، رغم ما يقال ويكتب عن تمدد «داعش»، ستكون مرحلة نهاية الآيديولوجيا.

arabstoday

GMT 15:09 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

ابنه البكر

GMT 15:08 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

... إنّها حرب تطالبنا بأن ننسى كلّ شيء تقريباً

GMT 15:07 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

المشعوذون القدامى... والجُدد

GMT 15:04 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

الدول العربية «المضروبة»

GMT 15:03 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

حانت لحظة الرحيل

GMT 15:02 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

الأسئلة الصعبة

GMT 15:01 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

من غزو العراق... إلى حرب غزّة

GMT 15:00 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

عن رسالة بوريل ومستقبل أوروبا

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الشرق الأوسط ونهاية الآيديولوجيا الشرق الأوسط ونهاية الآيديولوجيا



إطلالات متنوعة وراقية للأميرة رجوة في سنغافورة

سنغافورة - السعودية اليوم

GMT 02:37 2018 الجمعة ,24 آب / أغسطس

تسريبات جديدة لتصميم الهاتف ""Google Pixel 3 XL

GMT 23:42 2018 الثلاثاء ,07 آب / أغسطس

عماد متعب يؤكد اللاعب المصري "قليل الطموح"

GMT 12:35 2018 الثلاثاء ,17 تموز / يوليو

منصور الحربي يقترب الانتقال إلي من نادي الاتحاد

GMT 02:38 2018 الإثنين ,18 حزيران / يونيو

700 ألف دولار سنويًا تفصل بيليات عن الزمالك

GMT 02:32 2018 الجمعة ,05 كانون الثاني / يناير

5 لقطات غير متوقعة في حفلة أفريقيا لجوائز الأفضل
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
alsaudiatoday alsaudiatoday alsaudiatoday
alsaudiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab