حازم صاغيّة
يشي استئناف النهوض الثوري في مصر بأمور عدة، أولها أن الإخوان المسلمين لم يقطعوا مع التراث الاستبدادي الذي غرفوا منه منذ تأسيسهم على يد حسن البنا أواخر العشرينات. لكن الخلاصة الأخرى التي تنافس الأولى أهميةً، أن وصول الإخوان إلى السلطة ليس نهاية التاريخ. فهنا، بسبب المناخ الثوري المتواصل وتعهد الإخوان اللفظي بالديموقراطية والالتزامات حيال الغرب، يمكن الصراع السياسي معهم أن يمضي بعيداً. وها هي القوى التي أشعلت ثورة يناير تعود إلى الميدان، وتعيد معها إلى الواجهة قضية بالغة الأهمية، فحواها أن السياسة حلت محل الاستئصال، فمهما قيل في محمد مرسي وإخوانه، يبقى أنهم ليسوا حسني مبارك، بمعنى استبعاد التقنيات العلاجية لحبيب العادلي أو مواجهات كمعركة الجمل، وهذا حتى لا نقول إنهم ليسوا بشار الأسد أو معمر القذافي أو صدام حسين.
ولأن ما يصح في مرسي يصح في أخيه التونسي راشد الغنوشي، جاز القول إننا، في أجزاء واسعة من العالم العربي، دخلنا طوراً جديداً من العلاقة بالسياسة والاجتماع: نعم، هناك استبداد ديني يملك بعض الرغبة في أن يتجذر ويتغول، لكنْ هناك في المقابل حركة مجتمعية، شبابية، نسائية وثقافية لا يعوزها النشاط، تستطيع أن تبادر وأن تتصدى لذاك الاستبداد.
وأن يكون القضاة محور التحرك المصري الجديد، وأن تكون القوانين وتفسيرها موضوع الخلاف المباشر، فهذا وذاك يشيران إلى وجهة الانتقال من الاعتباطي والكيفي إلى الدستوري. وفي النهاية، من قال إن عوجاً يرقى إلى عشرات السنين، إن لم يكن مئاتها، قابل للتقويم في سنة أو سنتين؟
على أن في تلك المعطيات المصرية (والتونسية) شيئاً سورياً لا يخلو من التباس وتناقض، فحتى لو تمكن الإخوان السوريون (وهم ضعفاء بقياس إخوانهم المصريين والتونسيين) أن يُحكموا قبضتهم على سورية ما بعد الأسد، فهذا لا يعني أن تلك السورية الجديدة ستغدو إسلامية. هذا ما تقوله العبرة المصرية (والتونسية). أبعد من ذلك، سوف يصعب على إسلاميي سورية فرض الإسلامية أكثر مما يصعب الأمر على إسلاميي مصر وتونس، وهذا مرده إلى التكوين السوري، حيث لا يتعدى المسلمون السنة نسبة الثلثين قياساً بقرابة 90 في المئة في مصر وأكثر من 95 في المئة في تونس. ثم إن الثلثين هذين يخسران ما يُقدر بـ10 في المئة من إجمالي السكان ممن هم أكراد مختلفون في الإثنية والقومية عن العرب السنة.
بيد أن ذلك يبقى سيفاً ذا حدين، ذاك أن استحالة الحل الإسلامي في سورية لا تعني بالضرورة سهولة الحل السياسي والديموقراطي. والدواء هنا هو الداء نفسه، فإذا كان عدم الانسجام السكاني يفتح على الحل السياسي والديموقراطي فإنه هو نفسه يفتح على التفتت، الطائفي والإثني، الفالت من كل عقال.
وهنا ربما جاز القول إن السؤال السوري يبقى أشد تركيباً وصعوبة قياساً بالسؤالين المصري والتونسي. فهذا الجزء الآسيوي من المشرق العربي تعاود الثورة السورية امتحانه تماماً بقدر ما تمتحن الأفكار المحيطة به والصانعة له. وكي لا نخرج بنتيجة عراقية، أصبح التشديد على مسألة الوعي حاجة تفوق مثيلتها في ثورتي مصر وتونس. فأي وعي سيكون الوعي الغالب في سورية ما بعد الأسد الذي يتسارع ترنحه؟
نقلاً عن جريدة "الحياة"