لبنان ليس المقاومة والمقاومة ليست لبنان

لبنان ليس المقاومة والمقاومة ليست لبنان!

لبنان ليس المقاومة والمقاومة ليست لبنان!

 السعودية اليوم -

لبنان ليس المقاومة والمقاومة ليست لبنان

حازم صاغية
بقلم- حازم صاغية

منذ عقود ثلاثة والربط بين لبنان والمقاومة على قدم وساق. المقاومة، في بعض الاستخدام اليومي للسياسة والإعلام، صارت تُقدّم كأنّها خير ما أنتجه لبنان في تاريخه، تماماً كما أنّ حافظ الأسد خير من أنجبتهم لبنان في تاريخها. ذاك أنّ ما حقّقته المقاومة في لبنان، وفقاً للرواية إيّاها، لم تحقّقه مقاومة في تاريخ المقاومات. هذا ما يرفع مؤيّديها إلى مرتبة «أشرف الناس»، كما يخفض خصومها إلى درَك الشبهة والاتّهام.
الربط هذا نشأ في زمن الوصاية السوريّة وراح يتنامى عاماً بعد عام، بحيث ظهرت في وقت لاحق نظريّة الثالوث «شعب وجيش ومقاومة»، على إيقاع شعارات مفتاحيّة تلخّص طبيعة الحاضر وتصادر مهمّات المستقبل، كـ: «وحدة، حرّيّة، اشتراكيّة» أو «وحدة، تحرّر، ثأر».
«لبنان المقاوم» هذا وُضع، ضمناً أو صراحة، في مواجهة ما درج عليه اللبنانيّون من أوصاف، كـ«الجسر بين الحضارات» و«سويسرا الشرق» و«ملتقى الجبل والبحر»، أو تلك الأوصاف التي تقرنه بوظائف معيّنة تتعلّق بالحرّيّة أو بالسياحة أو بالطبيعة والطقس فتعرّف الكلّ بما يُفترض أنّه جزء منه. ومع أنّ هذه النعوت مبالَغ فيها كثيراً، وتسعى إلى إضفاء صورة ورديّة على الذات، فإنّها تبقى أقرب ألف مرّة إلى الواقع من «لبنان المقاوم». هنا يبلغ الافتراء على التاريخ الذروة.
ذاك أنّ أفضل ما في تاريخ لبنان ما قبل المقاومات أنّه لم يُضطرّ لأن يقاوم. لقد أعفته ظروفه من تلك التجربة المُرّة التي تجعل حزباً قائداً وزعيماً ملهَماً يصعدان على دم الضحايا. هكذا رُسمت المقاومات القديمة، كتلك المنسوبة إلى مدينة صيدا التي يقال إنّ الأشوريّين دمّروها وأحرقوها قبل المسيح بمئات السنين، بوصفها تعوّضنا الحاجة إلى المقاومة في الزمن الراهن. أمّا التاريخ اللبناني الرسمي فكُتب بما يشبه القول: كان أجدادنا أبطالاً عظماء ينبغي دوماً أن نكرّمهم لكنْ لا ينبغي أبداً أن نقلّدهم. فتمجيد الأساطير بالتالي جاء مقروناً بافتراض أنّها فرجة من الماضي تغني عن تجشّم الموت والقتل في الحاضر.
وفي مقابل «ثقافة المقاومة» التي هي دوران حول ميثولوجيا الشهادة، ظلّ لبنان ما قبل المقاومات يقصد بالثقافة الأدب والشعر والموسيقى والرسم والنحت والرقص. فحين احتُفل بشيء من الإسهاب بـ«شهداء 6 أيار» الذين أعدمهم جمال باشا عام 1916، لم يرافق ذلك احتفال بالشهادة. لقد قُدّمت المناسبة كآخر الأحزان، واستُخدمت للتوكيد على شراكة مسيحيّة - إسلاميّة في الموت يُراد لها أن تغدو شراكة في الحياة وفي بناء وطن موعود.
وتكرّر الأمر نفسه في وقت متأخّر كالعام 2005. فتمجيد «شهداء ثورة الاستقلال» لم تصحبه أيّ ميثولوجيا من النوع المألوف عن الشهادة. لقد ساد، مرّة أخرى، التركيز على التلاقي بين اللبنانيّين كجسر إلى وطن حي وحيويّ، أو أنّ هذا، على الأقلّ، ما كانه الخطاب المعلن.
فالمقاومة، أيّاً كانت، لم تكن مصدراً لشرعيّة لبنان وشرعيّة نظامه اللذين لم يرزحا تحت حزب قائد أو زعيم معصوم. وبالمعنى نفسه بُعث التاجر الفينيقي بوصفه دليلاً إلى النجاح والعيش الأفضل. لقد أريد له، وإن بقدر من الغنائيّة والرومنطيقيّة، أن يكون هو البوصلة.
والحال أنّ أكثريّة اللبنانيّين الساحقة عرفت وتعرف أنّها حين لم تمتهن المقاومة لم تتعرّض لاحتلالات. لكنّها، وهذا أهمّ، عرفت أنّ القداسة التي يصف المقاومون بها مقاومتهم لا تفعل سوى تعطيل النقد والحدّ من الحرّيّة وإلقاء ظلّ قاتم على الحياة السياسيّة.
هكذا لم يكن الانتقال من لبنان ما قبل المقاومات إلى لبنان المقاومة سوى انقلاب في كلّ شيء، انقلابٍ صاحبته تحوّلات ديموغرافيّة أحدثت اعتداءات إسرائيل الكثير منها. وهو، ككلّ الانقلابات، سيّئ وخطير، حتّى ليصحّ القول إنّ الإيجابيّة الوحيدة لظهور المقاومة هي استقدام القوّات الدوليّة بما تنفقه وتستهلكه في الجنوب.
لكنْ إذا كان ربط لبنان بالمقاومة كاذباً فأكذب منه ربط المقاومة بلبنان. صحيح أنّ لبنانيّين كانوا يحملون السلاح في تنظيمات المقاومة الفلسطينيّة، كما أنّ مقاتلي «حزب الله» لبنانيّون، لكنّ قرار المقاومة لم يكن مرّة لبنانيّاً، ولا كان من السهل تبيّن إفادته للبنان وإن كان سهلاً جدّاً تبيّن أضراره عليه.
ثمّ إذا كان التوجّه في زمن ما قبل المقاومات محكوماً بضمّ الآخرين وتوسيع المساحات المشتركة بينهم، ولو على نحو متعثّر ومتباطئ ومتضارب، فالمقاومة هي بالضرورة والتعريف فئويّة مهما زعمت عكس ذلك. إنّها تخصّ جماعة بعينها فيما تدفع الجماعات الأخرى إلى ما يتراوح بين الحذر والخوف واللجوء إلى التسلّح إن أتيحت فرصة كهذه. هذا بالضبط ما حصل عشيّة اندلاع الحرب اللبنانيّة، وهو ما يشتهي كثيرون أن يحصل اليوم ويكون الخاتمة الجدّيّة لتلك الحرب.

 

arabstoday

GMT 08:08 2023 الجمعة ,06 تشرين الأول / أكتوبر

الاستحواذ على الأندية الرياضية

GMT 13:43 2023 الجمعة ,22 أيلول / سبتمبر

الشرق الأوسط الجديد والتحديات!

GMT 15:35 2023 الخميس ,14 أيلول / سبتمبر

كشف أثري جديد في موقع العبلاء بالسعودية

GMT 15:51 2023 الأربعاء ,13 أيلول / سبتمبر

الممر الاقتصادي... و«الممر الآيديولوجي»

GMT 20:15 2021 الأحد ,21 شباط / فبراير

حزب الله والارتياب والتدويل

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لبنان ليس المقاومة والمقاومة ليست لبنان لبنان ليس المقاومة والمقاومة ليست لبنان



إطلالات متنوعة وراقية للأميرة رجوة في سنغافورة

سنغافورة - السعودية اليوم

GMT 11:30 2017 الأربعاء ,22 شباط / فبراير

فريق الجيش السوري يكشف حجم إصابة الواكد والخولي

GMT 21:19 2019 الأحد ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

أفضل الطرق لحماية البشرة وإزالة الماكياج بمواد طبيعية

GMT 03:50 2019 السبت ,13 إبريل / نيسان

جولة داخل أول مسجد عائم في البحر الأحمر

GMT 08:21 2018 الأربعاء ,18 إبريل / نيسان

عرض فيراري "625 Targa Florio" في المزاد العلني

GMT 00:18 2017 الخميس ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

هاني شاكر يستعد لطرح أغنية "مصر محتاجانا" الأسبوع

GMT 13:47 2017 الأربعاء ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

ليفربول يسهل مهمة برشلونة في ضم فيليب كوتينيو

GMT 03:59 2016 الجمعة ,22 كانون الثاني / يناير

الفنانة التشكيلية رشا مرسي تحول الإسكارف إلى حلي للفتيات

GMT 05:30 2015 الأربعاء ,25 آذار/ مارس

كشف الفنان

GMT 05:00 2013 الثلاثاء ,08 كانون الثاني / يناير

BBC تحتفل بمرور 75 عامًا على أول بث باللغة العربية

GMT 21:22 2015 الثلاثاء ,08 أيلول / سبتمبر

"مريم حسين" تتعرض لانتقادات بسبب نشرها لصورة مسيئة

GMT 09:56 2015 الجمعة ,02 كانون الثاني / يناير

أفكار بسيطية للحصول على مظهر جديد لغرفة النوم
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
alsaudiatoday alsaudiatoday alsaudiatoday
alsaudiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab