في وداع بطل من بلادي

في وداع بطل من بلادي!

في وداع بطل من بلادي!

 السعودية اليوم -

في وداع بطل من بلادي

طلال سلمان

حين سعينا إلى «الأسير المحرر» سمير القنطار في بلدته الجبلية «عبيه»، قرب حمانا، لتهنئته بالإفراج عنه عبر مواجهة العدو وليس بالمساومة معه، قال ببساطته التي ظلت تميزه برغم فرادة تجربته: أنا عائد إلى الميدان! حياتي في المقاومة ولا أعرف أن أعيش خارجها!

شددنا، يومها، على يديه مهنئين بسلامة عودته إلينا، فكرر على مسامعنا القسم الذي كان قد أداه لحظة عودته حراً إلى أهله: لا حياة لي خارج فلسطين وطالما هي تحت الاحتلال الإسرائيلي. ولقد غدوت الآن أكثر معرفة بنقاط ضعفه، وأخطرها الروح المعنوية لجنوده الجبناء. إنهم أقوياء بضعفنا وبسلاحهم.. أما في المواجهة فواحدهم يهرب باكياً كقط مذعور.

وحين طَلَبَنا لنكون شهود عقد قرانه، ذهبنا إلى «المجاهد» فرحين بأن قد آن له أخيراً أن يمارس بعض حقوق إنسانيته، فإذا بجبينه يتفصد عرقاً وهو غارق في خجله، وكأنه يغادر ـ ولو لوقت معلوم ـ شخصية المقاتل الذي يفترض أن الفرح الشخصي «عيب»، وأن المساحة الحقيقية للفرح هي في «الميدان»، أما ذروته ففي النصر وبه ومعه.

لكن سمير القنطار، المملوء خبرة بالعدو وقد عرف جنوده عن قرب، في المعتقلات والسجون المتعددة التي احتجز فيها، فصار أعظم خبرة بنقاط ضعفهم التي تغطيها صلابة نظامهم، كان يتلهف إلى حياة ثانية تمكنه من استخدام أسباب معرفته بهم في الميدان وعبر المواجهة المباشرة، وبمختلف أنواع السلاح وأهمها الفهم العميق لشخصياتهم بحقائقها الأصلية وأخطرها جبنهم المغطى دائماً بالتفوق العسكري.

كان سمير القنطار الذي أمضى أكثر من ثلاثين عاماً في سجون العدو، متنقلاً بينها، قد عرف من خلال المجاهدين المعتقلين بلا محاكمة كما من خلال المحكومين بمدد في السجن تتجاوز أعمارهم، أن قوة الجندي الإسرائيلي في نظامه مضافاً إليها ضعف الأنظمة العربية وكذبها على جنودها حتى وهم يواجهون عدوهم في الميدان.

وعندما احتضنت المقاومة في لبنان سمير القنطار، كما غيره من الأسرى المحررين، أدرك أن النصر آتٍ بلا ريب، وأن العدو الذي ذاق من هذه المقاومة الهزائم في مواجهة بعد الأخرى أجبن من أي تصور، وأن دولته العاتية أضعف من خيوط العنكبوت كما عبّر، مرة، قائد مجاهدي المقاومة السيد حسن نصر الله.

ولقد وجد سمير القنطار نفسه، مرة أخرى، حين اتخذ موقعه في هذه المقاومة التي تقاتل عدواً تعرفه معرفة تفصيلية مميزة، بقياداته العسكرية خاصة والسياسية عموماً، وكلها متحدر من الجيش، وضباطه وجنوده، فضلاً عن مخابراته التي امتحنته وامتحنها وهو سجين بين أيديها، محكوم بالسجن بما مجموعه خمسمائة واثنان وأربعون عاماً.

سمير القنطار حزين، الآن، في علياء الشهادة التي ظل يطلبها طوال سنوات عمره: ما يحزنه أننا، بعد كل التجارب الغنية التي عاشها العرب، دولاً وشعوباً، في ميدان المواجهة مع هذا العدو المعزز بأسباب المعرفة، وأخطرها معرفته بأحوالنا تفصيلاً، دولاً ومجتمعات، شعوباً وجيوشاً وأجهزة أمنية، لا نعرفه كفاية. وحدها المقاومة الباسلة في لبنان دلّلت على أنها الأعرف به، بأسلحته ومكونات جيشه، بمخابراته وأساليبها وضعفاء النفوس من بيننا الذين تستخدمهم كأدلاء ومحضرين لمسرح عملياتها، في حين نقف أمامها عاجزين مذهولين بقوتها الأسطورية التي طالما تكسرت على أعتاب المقاومة التي تعد لمواجهة عدوها بالعلم والخبرة والتدريب قبل السلاح ومعه به فتنتصر.

سمير القنطار حزين الآن لأنه لم يستشهد حيث رغب وتمنى: في مواجهة مباشرة مع العدو الإسرائيلي الذي يغتال عن بُعد، بالصواريخ التي يوجهها العملاء ممن يغفل عن مراقبتهم مَن ينشغل عنهم بما يسهل لهم عملياتهم الخاصة.

إلى الجنة يا سمير القنطار... وعسى شهادتك تكون درساً موجعاً لمن يفترض أن يحمي الأرض وأهلها تمهيداً للمواجهة التي لا بد منها مع «العدو» الذي لا يُمضي لحظة خارج الاستعداد لتدميرنا أوطاناً وشعوباً بالقتال المفتوح أو بالصلح المذل أو بالغفلة المفتوحة على المقادير!

arabstoday

GMT 15:09 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

ابنه البكر

GMT 15:08 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

... إنّها حرب تطالبنا بأن ننسى كلّ شيء تقريباً

GMT 15:07 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

المشعوذون القدامى... والجُدد

GMT 15:04 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

الدول العربية «المضروبة»

GMT 15:03 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

حانت لحظة الرحيل

GMT 15:02 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

الأسئلة الصعبة

GMT 15:01 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

من غزو العراق... إلى حرب غزّة

GMT 15:00 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

عن رسالة بوريل ومستقبل أوروبا

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

في وداع بطل من بلادي في وداع بطل من بلادي



إطلالات متنوعة وراقية للأميرة رجوة في سنغافورة

سنغافورة - السعودية اليوم

GMT 01:44 2017 الأحد ,01 كانون الثاني / يناير

6 أمراض لا تعلمها يسببها التوتر وكيف تتغلب عليها

GMT 13:05 2021 الثلاثاء ,16 شباط / فبراير

اختراع جهاز لتحويل بول رواد الفضاء إلى ماء

GMT 21:08 2019 الإثنين ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

الاتحاد السعودي يتأهل إلى ربع نهائي كأس محمد السادس

GMT 16:51 2019 الخميس ,14 آذار/ مارس

تأجيل بطولة إفريقيا للكرة الطائرة سيدات

GMT 07:36 2019 الجمعة ,22 شباط / فبراير

سطوع شاشة هاتف ذكي يحدث 500 ثقب في عيني فتاة

GMT 12:22 2019 الجمعة ,08 شباط / فبراير

الحزم يكرم مدرب الأهلي يوسف عنبر

GMT 17:13 2018 الأربعاء ,17 تشرين الأول / أكتوبر

وفاة العراقية فرجينيا ياسين وحيدة بلا أقارب ولا معارف

GMT 17:18 2018 الأربعاء ,12 أيلول / سبتمبر

"الامن العام" ينظم ورشة للتعريف بمشروع عزم الشباب
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
alsaudiatoday alsaudiatoday alsaudiatoday
alsaudiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab