يا مال الشام

"يا مال الشام"؟!

"يا مال الشام"؟!

 السعودية اليوم -

يا مال الشام

حسن البطل

يقولون في الأدب: فلاح على ظهر دابته، أو يقولون: بدوي على متن راحلته. ماذا يقولون في ديار الشام، غوطتها خصوصاً؟ فلاح على ظهر "كديش". الكديش حمار ودابة وراحلة. فلاحو قرية دوما (مدينة الآن) ربما عناهم الشاعر القديم بقوله: "وقد أغتدي والطير في وكناتها" وفي عزّ الظهيرة يعودون من حقول وبساتين "الصيفي" إلى القرية؛ وفي عز الظهيرة نصادفهم ونحن أولاد لاجئين ذاهبين إلى "رأس العين"، أسفل الجبال الصخرية الجرداء التي تحدّ دوما شمالاً. ما الذي يذكرني بهذه الصورة الطفولية؟ معظم حقول دوما، بين النهر والجبل، كانت حقولاً من كروم العنب. للأعناب أسماء وألوان وأنواع. في بيوت دوما هناك عنب "أصابع الست زينب"، والعنب الأسود، وهذا "الدروبلي" .. وجميعها تتسلق العرايش، وتعطي لوحات البيوت فيئاً في الصيف القائظ. لكن، بين النهر موسمي الجريان، وهو فرع من فروع نهر بردى، وسفوح الجبال، ليس هناك غير هذا "العنب الدوماني". إنه أكثر الأعناب حلاوة، وأفضل أنواع "الزبيب" مذاقاً، ما جعل البلدة وبيوتها مجالاً حراً لـ "المزلاقط" والدبابير بنوعيها الأحمر والأسود، التي تحب حلاوة العنب الدوماني، وكان أرخص الأعناب .. وصار أغلاها بعد أن تجاوز العمران حدّ النهر ووصل سفوح الجبال الجرداء. انقرضت الكروم. فلاح يمتطي جحشاً، وفي اليد رغيف خبز قمح (خبز تنور) وفي اليد الأخرى قطف عنب. لكن، في غير موسم العنب، ترى الفلاح يقضم "لفيفة" (ساندويش) من الخبز المحشو بالزيتون الأسود وبعض الجبنة البيضاء، ويقضم (ينتش ويكدش) حبة بندورة بلدية - بلدية فعلاً. نحن، الأولاد، أولاد اللاجئين، نذهب إلى نبع "رأس العين" أسفل الجبل - الجبال الجرداء. لا يوجد مسبح في القرية. والنبع العجيب هو مسبحنا. لماذا عجيب؟ لأن النبع ينبع من عينين متجاورتين، إحداهما باردة والثانية ساخنة. قبل وصول النبع، وبعد العودة نتذوق تيناً بعلياً جبلياً هو أشهى ما تذوقت. حلو كالعسل، أو نصعد الجبل الوعر شديد الانحدار، ونلقي من الأعلى بجلاميد صخر ضخمة تتدحرج إلى الأسفل تامة الاستدارة. غوطة دمشق غوطتان: الغوطة الغربية وافرة المياه التي ترويها روافد بردى، وتلك الشرقية التي ترويها فروع بردى .. وقرية / مدينة دوما هي عاصمة الغوطة الشرقية، أو هي عاصمة "المشمش". وللمشمش أسماء وألوان وأنواع، لكنها عاصمة مشمش عجيب يسمى "المشمش الكلابي" وهو غير "الوزيري" الأبيض ذي الثمرة الحلوة، أو "البلدي" الأحمر ذي الثمرة الحلوة. "الكلابي" ثمرته مرة، لكنه الأكثر حلاوة والأسرع نضجاً، بحيث تتساقط ثمراته أرضاً، ويجمعها الفلاحون ومنها يصنعون هذا "القمردين". لماذا؟ لأن ثمرات المشمش "الكلابي" أعشاش للديدان، ولعلها تعطي للقمردين الشامي نكهته، ويسمونه في مصر "يا ميش الشام" ويحلو شراباً في شهر رمضان. لا أعرف لماذا يحبّ الشوام الزيتون الأسود أكثر من الأخضر، ربما لأنه لذيذ أكثر مع خبز القمح والجبنة البيضاء، وربما لأن اللاجئين الفلسطينيين اعتادوا الزيتون الأخضر في بلادهم. يقولون: "يا مال الشام" وربما يقصدون حرير "الدامسكو" أو الأثاث الشامي من خشب الجوز المطعم بالأصداف وخيوط الفضة، وربما يقصدون حلويات الشام، ولماذا لا؟ ربما نساء الشام، لأنهم في لبنان كانوا يغنون في أعراسهم: "شاميّة وجاي من الشام، ومن الشام جايب شامية". كانت الشامية الأصلية تمضي ثلث عمرها في إعداد أطايب المطبخ الشامي، وصارت الشامية، الآن، تشتري ورق العنب محشواً جاهزاً للطبخ، والكوسا والباذنجان محشوة بالرز واللحمة وجاهزة للطبخ. دوما لم تعد دوما، والشام تبقى هي الشام، ومن حقول غوطتها الغربية رسم القرآن كيف تكون الجنّة في الآخرة: "جنّات تجري من تحتها الأنهار" ولعلها روافد وفروع نهر بردى؟! هل شربت عصير "توت شامي" أصلياً على عربة بائع؟ هل شربت كأس "تمر هندي" حقيقية؟ هل شربت "ليمونادة" شامية؟ هل أكلت عنباً دومانياً؟ ربما "راحت عليك" والأكيد أنها "راحت عليّ". أوصي القادمين من الشام بزجاجة مشروب "توت شامي" ليس لها نكهة التوت شامي على عربات الباعة في أسواق دمشق القديمة. الشام أكثر من أغنية، وأكثر من نشيد.. والآن أكثر من مأساة! نقلاً عن جريدة "الأيام"

arabstoday

GMT 15:09 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

ابنه البكر

GMT 15:08 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

... إنّها حرب تطالبنا بأن ننسى كلّ شيء تقريباً

GMT 15:07 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

المشعوذون القدامى... والجُدد

GMT 15:04 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

الدول العربية «المضروبة»

GMT 15:03 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

حانت لحظة الرحيل

GMT 15:02 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

الأسئلة الصعبة

GMT 15:01 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

من غزو العراق... إلى حرب غزّة

GMT 15:00 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

عن رسالة بوريل ومستقبل أوروبا

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

يا مال الشام يا مال الشام



إطلالات متنوعة وراقية للأميرة رجوة في سنغافورة

سنغافورة - السعودية اليوم

GMT 01:44 2017 الأحد ,01 كانون الثاني / يناير

6 أمراض لا تعلمها يسببها التوتر وكيف تتغلب عليها

GMT 13:05 2021 الثلاثاء ,16 شباط / فبراير

اختراع جهاز لتحويل بول رواد الفضاء إلى ماء

GMT 21:08 2019 الإثنين ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

الاتحاد السعودي يتأهل إلى ربع نهائي كأس محمد السادس

GMT 16:51 2019 الخميس ,14 آذار/ مارس

تأجيل بطولة إفريقيا للكرة الطائرة سيدات

GMT 07:36 2019 الجمعة ,22 شباط / فبراير

سطوع شاشة هاتف ذكي يحدث 500 ثقب في عيني فتاة

GMT 12:22 2019 الجمعة ,08 شباط / فبراير

الحزم يكرم مدرب الأهلي يوسف عنبر

GMT 17:13 2018 الأربعاء ,17 تشرين الأول / أكتوبر

وفاة العراقية فرجينيا ياسين وحيدة بلا أقارب ولا معارف

GMT 17:18 2018 الأربعاء ,12 أيلول / سبتمبر

"الامن العام" ينظم ورشة للتعريف بمشروع عزم الشباب
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
alsaudiatoday alsaudiatoday alsaudiatoday
alsaudiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab