السعودية ستحصد ما تزرعه أميركا الآن في العراق وسورية

السعودية ستحصد ما تزرعه أميركا الآن في العراق وسورية

السعودية ستحصد ما تزرعه أميركا الآن في العراق وسورية

 السعودية اليوم -

السعودية ستحصد ما تزرعه أميركا الآن في العراق وسورية

بقلم : جمال خاشقجي

تعرف واشنطن سورية جيداً، لديها مبعوث خاص معني بأزمتها يلتقي باستمرار أطياف معارضتها، ولديها سفير سابق في سورية ناقم غاضب على إدارة بلاده للأزمة التي عاشها منذ يومها الأول، وما فتئ يسدي النصح لحكومته ولم يسمع له أحد، وشارك منذ سنوات في غرفتين استخباريتين، واحدة في عمّان والأخرى في جنوب تركيا، تتمثل بها أجهزتها الثلاثة: الخارجية والاستخبارات والبنتاغون، وتنتهي إليها شتى المعلومات والخرائط التي تحدد انتشار القوى المختلفة، محلية كانت أم خارجية، والتي تتزاحم في سورية، وتعرف مواقعها وما تكسب وتخسر وما يتناقل بين أيديها من مدن وقرى ومناطق، ويسجل فيها صعود وهبوط نفوذ الفصائل وتعدادها، وما يوزع من سلاح وما مصدره، وأين ينتهي؟ حتى التغيرات الديموغرافية البائسة الجارية بسبب الحرب تسجل هناك وترسم خرائطها.

كما استمعت واشنطن إلى ما تقوله القوى الإقليمية المعنية بالأزمة السورية، سعوديين وأتراكاً وقطريين، ولبعضهم مصالح ولديهم أيضاً معلومات. على رغم كل هذا، وبعدما تعاملت مع كل فصائل الثورة، حزمت أمرها، وأدارت ظهرها للجميع، واتخذت قرارها بعيداً من مصالح حلفائها الإقليميين وعن قاعدة الثورة العريضة العربية السنية، التي تشكل غالبية الشعب السوري، واختارت الأكراد ليقودوا عملية تحرير الرقة من تنظيم «الدولة»، فأرسلت نحو 300 من قواتها الخاصة لدعم مقاتليهم، فواكبوا فرقهم، وتماهوا معهم، حتى ربط أفراد «الطليعة الأميركية المقاتلة» بفخر أشرطة الأكراد الصفراء على أذرعهم، والتي تمثل حزب «الاتحاد الديموقراطي» القريب من «حزب العمال»، المصنف إرهابياً، تركياً وأميركياً! فغضب الأتراك، واعتذر الأميركيون عن ربط الأشرطة فقط، فأكد متحدثهم أنهم يخالفون أنقرة في تصنيف «الاتحاد الديموقراطي»، ولا يرونه إرهابياً، وأنهم ماضون في سباقهم نحو الرقة مع الأكراد وحفنة من مقاتلي العشائر العربية، الذين تقلّب ولاؤهم من النظام إلى الثورة إلى الأكراد، ويقومون الآن بدور «المحلل» لنفي شبهة المشروع الانفصالي الكردي، فشكلوا معهم «قوات سورية الديموقراطية».

كل ما سبق يجب أن يثير ريبة وقلق السعودية، تضيفه إلى قلقها المتزايد من «الأميركيين الجدد»، فحتى لو قبلت تبريرهم القتال كتفاً بكتف مع قاسم سليماني، المطلوب للعدالة الدولية، في الفلوجة، على أساس أنه وقواته «الحرس الثوري» الإيراني و «الحشد الشعبي» والجيش العراقي متداخلون في شكل يجعل محاربة «داعش» من دونهم مستحيلاً، وأكرر (حتى إذا ما قبلت فرضية واهية كهذه) فإنهم غير مضطرين إلى اختيار الأكراد الانفصاليين بمثابة شركاء في الحرب على «داعش» في سورية، ذلك أن أمامهم خيارات ثلاثة أفضل ومتاحة، مجتمعة أو متفرقة.

أولها الثوار السوريون، إنهم الاختيار الأصح والطبيعي، فهم يمثلون غالبية الشعب ويطالبون بتغيير النظام، وضد تقسيم بلادهم، وضد «داعش» بقدر ما هم ضد النظام، وفي حال حرب معه، بل إن «داعش» يكاد لا يقاتل غيرهم في شكل جدي، إذ ينسحب أمام تقدم النظام في تدمر، ويخلي قرى أمام تقدم الأكراد، ولكنه يستبسل الآن بالقتال في أعزاز، حيث أولئك الثوار الوطنيون من دون أن يساعدهم أحد. لقد كانت لأميركا تجربة مرة مع الثوار، إذ انفضوا عنها بعدما دربت بعضهم ووفرت لهم أسلحة محدودة، ذلك أنها فرضت عليهم مقياساً قاسياً لم تلزم به الأكراد، فهي تحاسبهم على علاقتهم بـ «النصرة»، المرتبطة بـ «القاعدة»، في جبهات القتال، في الوقت نفسه الذي لم تنكر على «الاتحاد الديموقراطي» علاقته العلنية مع «حزب العمال الكردي». كانت تلك الشروط الأميركية والتدقيق في علاقات أفرادها وخلفياتهم، بل حتى التجسس على هواتفهم، ثم اشتراطها أن يكون هدفهم مقاتلة «داعش» فقط وليس النظام الذي ثاروا عليه طلباً للحرية، مدعاة لانهيار الثقة بينهم، ولكن هذا ليس مبرراً لأن يصطف الأميركي مع أقلية ليس لديها مشروع وطني، ولو نجحت في تحرير الرقة فستكون سيطرتها عليها قلقة، فمواطنوها عرب لن تستقيم لهم إدارة كردية، ولو سلمتها للنظام فالثورة حينها ستستمر، ومعها تعزيز الشك والريبة في الأميركيين ونياتهم.

الخيار الثاني هو حليف أميركا الاستراتيجي القديم المملكة العربية السعودية، التي ما فتئت تقول إنها مستعدة لأن ترسل قوات برية إلى سورية للقضاء على «داعش»، إذا توافر لها الغطاء الدولي، والمقصود هنا، الدعم الأميركي. ويعلم الأميركي أن السعودية قادرة على تشكيل تحالف إسلامي عريض يمتد إلى ما هو أبعد من الثوار السوريين والأتراك والخليجيين، تحالف كهذا هو الحل المناسب للقضاء على «داعش» عسكرياً وفكرياً، كما أنه مرحب به من السكان المحليين، ولا يتطلب من واشنطن إرسال قوات إلى الأرض وتعريض أبنائها للخطر، يكفي أن تحمي ظهر تحالف كهذا من الروس، ثم تترك للأقوياء في المنطقة إعادة ترتيب منطقتهم.

الخيار الثالث، تركيا، التي كررت عشرات المرات رغبتها في إقامة منطقة عازلة في شمال سورية، تكون آمنة لملايين السوريين، وتوقف سيل الهجرة التي وصلت بعيداً حتى وسط أوروبا، وتبعد «داعش» عن تركيا وتقطع كل إشاعات أنه يتخذ منها معبراً ومنفذاً. في حديثه إلى «اتلانتيك» لم يُغضب الرئيس الأميركي أوباما السعوديين فقط بعباراته السلبية، بل أغضب حتى الرئيس التركي أردوغان، إذ وصفه بالمتسلط الفاشل، لأنه «رفض أن يستخدم جيشه الضخم لإعادة الاستقرار إلى سورية»، وفق ما نقلت المجلة عن أوباما. نعم لقد ضيع أردوغان فرصاً عدة للتدخل قبيل التدخل الروسي، ولكنه حتى أيام قليلة مضت عرض على الأميركيين عملية مشتركة ضد «داعش»، فلماذا هذا التردد الأميركي مع حلفائها التاريخيين، سعوديين وأتراكاً، وهذه الحماسة للتدخل مع قوى مشبوهة وأقليات، كـ «الحشد الشعبي» في العراق والانفصاليين الأكراد في سورية؟

هل هي تصفية حسابات مع «الإسلام السني» الذي ضرب أميركا في11 أيلول (سبتمبر)؟ إنها جملة خاطئة! فليس الإسلام السنّي من فعل ذلك، وإنما جماعة متطرفة، ولكن لعلها كذلك في «ضمير» العقل السياسي الأميركي، فتظهر حقيقة هذا الإيمان في مقالة تنشر في «نيويورك تايمز»، أو تصريح للرئيس أوباما يضطر إلى إعادة تفسيره عندما يلتقي حلفاءه السعوديين، وبغض النظر عن السبب الحقيقي لهذا التخبط الأميركي في عالمنا، فإنها تزرع نتيجة جهل، أو بتخطيط سيئ النية، حنظلاً سنحصده في المنطقة بعد سنوات. انتصار إيران والانفصاليين الأكراد في العراق وسورية، لن يلغي «داعش»، وإنما سيكون انتصاراً موقتاً خارج سياق التاريخ، وسيولّد مزيداً من الانقسامات العرقية لتضاف إلى الطائفية التي تلت سنوات الفشل والاستبداد، والنتيجة كارثة نعيشها عقوداً مقبلة.

أميركا «تعك» في عالمنا ولا نملك منعها، وليس مهماً أن نفهم لماذا «تعك»؟ قد لا تستطيع السعودية أن تحل محلها، أو تدفعها نحو الاتجاه الصحيح، ولكن لا يجوز أن نقف متفرجين، إنه عالمنا، ونحن من سيحصد الحنظل الأميركي الذي تغرسه بيننا!

arabstoday

GMT 06:33 2021 الأحد ,21 شباط / فبراير

المدرسة.. لا البيت!

GMT 13:26 2021 الأحد ,24 كانون الثاني / يناير

الرياض - واشنطن.. ومستقبل العلاقة !

GMT 13:10 2021 الأحد ,24 كانون الثاني / يناير

تفجيرا بغداد... التوقيت المريب

GMT 10:59 2021 الثلاثاء ,19 كانون الثاني / يناير

أعمال الشغب في واشنطن وحشد «نهاية أميركا»

GMT 10:42 2021 الثلاثاء ,19 كانون الثاني / يناير

كآبة المنظر في واشنطن

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

السعودية ستحصد ما تزرعه أميركا الآن في العراق وسورية السعودية ستحصد ما تزرعه أميركا الآن في العراق وسورية



إطلالات متنوعة وراقية للأميرة رجوة في سنغافورة

سنغافورة - السعودية اليوم

GMT 10:19 2021 الإثنين ,15 شباط / فبراير

علامة تحذير خطيرة في البول لمرض السكري النوع 2

GMT 15:50 2020 الأحد ,12 كانون الثاني / يناير

دنيا عبد العزيز تكشف حقيقة زواجها من فاروق الفيشاوي

GMT 17:19 2018 الجمعة ,19 كانون الثاني / يناير

مي سليم مذيعة مشهورة في "قرمط بيتمرمط" مع أحمد آدم

GMT 11:07 2018 الخميس ,04 كانون الثاني / يناير

لقاء سويدان تستأنف تصوير دورها في "البيت الكبير"

GMT 17:58 2017 الجمعة ,01 كانون الأول / ديسمبر

مذيع شبكة "إن بي سي" المشهور مات لاور يعتذر في بيان رسميّ

GMT 13:09 2017 الإثنين ,23 تشرين الأول / أكتوبر

هاري كين يرد على كلمات زين الدين زيدان

GMT 00:35 2016 الثلاثاء ,06 كانون الأول / ديسمبر

ناصر حمدادوش يؤكد تعدي البرلمان على الدستور

GMT 12:23 2016 الأربعاء ,21 كانون الأول / ديسمبر

"موفنبيك بوابة ابن بطوطة" في دبي ينال العضوية الذهبية

GMT 08:34 2021 الخميس ,11 شباط / فبراير

الذهب يسجل تراجعًا بفعل تعافي الدولار

GMT 17:34 2021 السبت ,16 كانون الثاني / يناير

المرأة السعودية أصبحت قريبة من منصب "قاضية"

GMT 09:10 2021 الأحد ,10 كانون الثاني / يناير

"أبل" تعلق عمل تطبيق استخدم لتنسيق حصار مبنى الكونغرس
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
alsaudiatoday alsaudiatoday alsaudiatoday
alsaudiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab