«كوب 23» يحمي السمك فَمَن يحمي البشر

«كوب 23» يحمي السمك فَمَن يحمي البشر؟

«كوب 23» يحمي السمك فَمَن يحمي البشر؟

 السعودية اليوم -

«كوب 23» يحمي السمك فَمَن يحمي البشر

بقلم - نجيب صعب

 

ليس في العنوان خطأ مطبعي، إذ إن موضوع المقال هو «كوب 23» وليس «كوب 28». وهذه مناسبة للتذكير أنه، على أهمية التحديات التي يطرحها التغيُّر المناخي، فالعالم يواجه مشاكل بيئية أخرى لا تقلّ أهمية عن المناخ. لقد تزامن انعقاد «مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن التغيُّر المناخي» الثامن والعشرين (كوب 28) في الإمارات، مع «مؤتمر الأطراف في اتفاقية برشلونة للبحر المتوسط» الثالث والعشرين (كوب 23) على ساحل سلوفينيا المتوسطي. وهذان اثنان فقط من عشرات مؤتمرات الأطراف في معاهدات واتفاقات بيئية دولية، تبدأ بالبحار والصحارى والأراضي الرطبة، ولا تنتهي بالتنوُّع البيولوجي والجبال والنفايات السامّة.

وفي حين تستقطب مؤتمرات «أطراف المناخ» اهتمام وسائل الإعلام الدولية، فهي تتجاهل مؤتمرات أطراف الاتفاقات البيئية الرئيسية الأخرى، التي تطرح أيضاً مواضيع تهمّ مليارات البشر وتنطوي على نقاشات وخلافات حادّة، لا تختلف في توجّهاتها الأساسية عن مكامن الاختلاف في قاعات المناخ. وهذا يتعدى الانقسام بين مصالح الدول الغنية وحقوق الدول الفقيرة، إلى الحدود التي تحكم استثمار الموارد والثروات، وكيفية التوفيق بين الحقوق السيادية والمصالح الوطنية من جهة، والاهتمامات الإقليمية والدولية المشتركة من جهة أخرى. ناهيك عن التمويل وتوزيع المسؤوليات والالتزامات.

مؤتمر المناخ انتهى على خير، رغم النقاشات الطويلة والخلافات، وصولاً إلى تسويات اعتَبَر كلُّ طرف فيها فريقه رابحاً، وهو مؤشر إيجابي، إذ إن نجاح المفاوضات الدولية تصنعه التسويات. فماذا عن مؤتمر أطراف اتفاقية البحر المتوسط، الذي غاب كلياً عن الإعلام، إلا في صحافة جمهورية سلوفينيا؟

خطة عمل البحر المتوسط كانت الأولى بين 18 خطة لإدارة البحار الإقليمية، أطلقها برنامج الأمم المتحدة للبيئة (يونيب) عام 1974، بعضها يديره «يونيب» وبعضها الآخر مستقل، وتضم اليوم 143 بلداً. وعدا عن برنامج البحر المتوسط، تشارك دول عربية في «الهيئة الإقليمية للمحافظة على بيئة البحر الأحمر وخليج عدن»، و«المنظمة الإقليمية لحماية البيئة البحرية»، التي تضم دول الخليج العربية وإيران.

في إطار خطة العمل للبحر المتوسط، أبرمت الدول الأعضاء اتفاقية برشلونة للحماية من التلوُّث، التي تطوّرت لتشمل حماية البيئة البحرية والمنطقة الساحلية، ودعم تحقيق أهداف التنمية المستدامة في دول الحوض. وتشعّبت عن الاتفاقية سبعة بروتوكولات ملزمة، تغطي حماية المتوسط من التلوُّث الناجم عن السفن والطائرات، مع خطة للتعاون في معالجة حوادث التلوُّث الطارئة، والتصدي للتلوُّث من مصادر برية، وإنشاء مناطق محمية تحافظ على استدامة الثروة الطبيعية والتنوُّع البيولوجي، ونقل النفايات الخطرة عبر الحدود، والإدارة المتكاملة للمناطق الساحلية، وحماية البحر من التلوُّث الناجم عن نشاطات الاستكشاف والاستثمار للثروات البحرية، خاصة النفط والغاز. وتجدر الإشارة إلى أن هذه الاتفاقية وبروتوكولاتها مُلزمة للدول الـ22 الأعضاء التي يضمها «مؤتمر الأطراف».

ويتميّز البحر المتوسط، الذي تقع على شواطئه دول من أوروبا وآسيا وأفريقيا، بأنه شبيه ببحيرة مغلقة، إذ يربطه مضيقُ جبل طارق بالمحيط الأطلسي وقناةُ السويس بالبحر الأحمر. ويتشارك مع المتوسط في النظام نفسه البحر الأدرياتيكي والبحر الأسود. ولأنه بحر شبه مغلق، يستغرق تجديد مياهه مائة سنة، مما يجعل بيئته شديدة الحساسية للتلوُّث. وهو يستقبل 730 طناً من النفايات البلاستيكية يومياً، كما ترتفع الحرارة في حوضه 20 في المائة أسرع من المعدّل العالمي.

«كوب 23» للبحر المتوسط نجح في دراسة جدول أعمال من عشرات النقاط وآلاف الصفحات، مع إقراره خلال الأيام الأربعة المخصصة له، بلا تأجيل أو تمديد. وقد اتفق الأطراف الأعضاء على برامج عملية لوقف التدهور في التنوُّع البيولوجي، وتعزيز تدابير التخلُّص من الكربون الذي يضرّ البيئة البحرية، والحدّ من استعمال المواد البلاستيكية المستخدمة مرّة واحدة وصولاً إلى منع إنتاجها وتداولها، وتخصيص 30% من المناطق الساحلية كمحميات مع حلول 2030، وتعزيز برامج الإدارة المتكاملة للمناطق الساحلية. ومن أبرز المقررات إنشاء مركز متوسطي لتغيُّر المناخ، بناء على اقتراح من تركيا، هدفه المراقبة ووضع برامج مشتركة لتخفيف الانبعاثات، كما لمواجهة آثار التغيُّر المناخي، أي تدابير التكيُّف.

ولما كانت دول أوروبية عدّة تشارك في هذا البحر، فهي، مع أجهزة الاتحاد الأوروبي، تدعم برامج حمايته وتطويره، حفاظاً على مصالحها، وتساهم بالجزء الأكبر في تمويل نشاطاته.

لكن التباين لم يَغِب عن المصالح المشتركة، فظهرت خلافات استدعت نقاشات حادّة، وصولاً إلى تسويات. وأحد النماذج اعتراض دول نامية من الحوض الجنوبي للمتوسط على ضم أسماك محدّدة إلى لائحة الأنواع المحمية، لأن هذا يهدّد مورد رزق أساسياً لصيادي الأسماك في تلك البلدان، مما يذكِّر بخلافات مشابهة في مؤتمر المناخ، إذ عارضت دول منتجة للحوم وضع قيود مشدّدة على تربية الأبقار، باعتبارها من أبرز مصادر الميثان، أقوى غازات الاحتباس الحراري، لأن هذا يضرّ بمُزارعيها ومصالحها الاقتصادية.

ولم تَغِب أحداث غزة عن مؤتمر المتوسط، إذ قال رئيس وزراء سلوفينيا روبرت غولوب، في كلمة أمام الجمعية العامة، إن حماية البحر المتوسط لا يمكن أن تنجح ما لم يوضع حدّ للنزاعات المسلحة وقتل المدنيين. فلا معنى لرعاية البيئة والموارد الطبيعية مع انتهاك حقوق الإنسان. ودعا إلى حلّ الدولتين في فلسطين كأساس لسلام عادل ينعكس إيجاباً على دول حوض المتوسط جميعاً. وفي حين استدعى هذا الكلام اعتراضاً من ممثل إسرائيل، الذي اعتبره خروجاً عن موضوع المؤتمر، وجد باقي المشاركين أنه لا يمكن الفصل بين رعاية البيئة وحقوق الإنسان.

نجح «كوب 23» في وضع خطة لحماية السمك، فهل ينجح المجتمع الدولي في حماية البشر؟

* الأمين العام للمنتدى العربي للبيئة والتنمية (أفد)

ورئيس تحرير مجلة «البيئة والتنمية»

arabstoday

GMT 15:09 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

ابنه البكر

GMT 15:08 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

... إنّها حرب تطالبنا بأن ننسى كلّ شيء تقريباً

GMT 15:07 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

المشعوذون القدامى... والجُدد

GMT 15:04 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

الدول العربية «المضروبة»

GMT 15:02 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

الأسئلة الصعبة

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«كوب 23» يحمي السمك فَمَن يحمي البشر «كوب 23» يحمي السمك فَمَن يحمي البشر



إطلالات متنوعة وراقية للأميرة رجوة في سنغافورة

سنغافورة - السعودية اليوم

GMT 06:52 2020 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

"اهتزاز" تواصل عروضها على مسرح مركز الهناجر

GMT 15:50 2018 الجمعة ,14 أيلول / سبتمبر

كوفاتش يوضّح أهمية خوض مباراة كل 3 أيام

GMT 04:10 2018 الأربعاء ,15 آب / أغسطس

Essential PH-1 يبدأ فى تلقى Android 9 Pie

GMT 09:15 2018 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

طرح قصر عازف الغيتار "كيرك هاميت" في سان فرانسيسكو للبيع

GMT 11:33 2013 الخميس ,10 تشرين الأول / أكتوبر

ارتفاع التضخم في مصر 1.7%

GMT 23:36 2020 الإثنين ,13 كانون الثاني / يناير

الكويت تحبط عملية تهريب مخدرات في عرض البحر

GMT 11:30 2018 الثلاثاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

أفكار مميزة لتجديد حديقة منزلك بدون تكاليف في الشتاء

GMT 14:27 2018 الثلاثاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

رينو تكشف عن أسعار ومواصفات "Kadjar" موديل 2019

GMT 21:19 2018 الثلاثاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

اهتمامات الصحف الباكستانية الصادره الثلاثاء

GMT 22:45 2018 السبت ,27 تشرين الأول / أكتوبر

ماسك اللبن من أفضل الطرق الطبيعية لتكثيف الحواجب

GMT 20:53 2018 الإثنين ,08 تشرين الأول / أكتوبر

٥ أفكار للتجديد من المايوه القديم إلى آخر عصري وجذاب

GMT 21:23 2018 الثلاثاء ,18 أيلول / سبتمبر

دونا فيكيتش تقصي سلون ستيفنز من بطولة طوكيو للتنس

GMT 00:23 2018 الإثنين ,17 أيلول / سبتمبر

نينتندو تعلن عن مجموعة "Switch" الجديدة
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
alsaudiatoday alsaudiatoday alsaudiatoday
alsaudiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab