«دكتـاتـوريـــة ناشـــئــة»

«دكتـاتـوريـــة ناشـــئــة»

«دكتـاتـوريـــة ناشـــئــة»

 السعودية اليوم -

«دكتـاتـوريـــة ناشـــئــة»

بقلم : عريب الرنتاوي

يعيد السيد رجب طيب أردوغان انتاج السيرة الذاتية للاستبداديين العرب، الذين ما أن يصلوا إلى السلطة، حتى يشرعون في تصفية الأعوان و”الرفاق” والمساعدين، الواحد تلو الآخر، ودائماً باستخدام ذات الحجج والذرائع: التآمر على “القائد الضرورة”، وعدم القدرة على تمثّل رؤيته وأفكاره، والتي غالباً ما تكون، “سابقة لعصرها”؟!

قصة الخلاف بين أردوغان وتلميذه “غير النجيب” أحمد داود أوغلو، لم تعد خافية على أحد، وقد جرى تسريب بعض من فصولها وأسبابها خلال الأشهر القليلة الماضية، مع أن رئيس الحكومة المستقيل، نفى أن يكون على خلاف مع رئيسه، مثلما نفى أن يكون قد قصّر أو أخفق (فلماذا يستقيل إذن)، وتنبع بالأساس من “تغوّل” الرئاسة على صلاحيات الحكومة ورئاسة الحزب الحاكم.

الأصل، وفقاً للدستور التركي النافذ، أن رئيس الجمهورية يباشر ولايته بالاستقالة من حزبه، ويكتفي القيام بصلاحيات ذات طبيعة بروتوكولية لا أكثر ... أردوغان، بخلاف جميع رؤساء تركيا، كسر القاعدتين الدستوريين معاً: ظلَ زعيما حزبياً، يقود حملاته الانتخابية ويتولى تشكيل هيئاته القيادية ... وهو فوق هذا وذاك، صاحبة السلطات التنفيذية الأوسع، الذي يتدخل في كل شاردة وواردة في عمل الحكومة.

خلال السنوات الثلاث أو الأربع العجاف الأخيرة في تجربة العدالة والتنمية، بدا أن صدر “الزعيم” قد أخذ يضيق بالرأي الآخر في بلاده، حمل على المعارضة وقادتها، وحمّلهم ما فيهم وما ليس فيهم ... شنّ هجوماً مذهبياً ضارياً على زعيم المعارضة كمال أوكليتشدار باعتباره صوت “العلويين” في تركيا وسوريا ... طارد قادة الحركة الكردية، وصولاً للمقامرة بشن حرب أهلية في جنوب شرق الأناضول، والأرجح أنها ستستمر بملاحقة نوابهم والزج بهم في السجون، قاتل بشراسة لتحويل تركيا من النظام البرلماني إلى النظام الرئاسي، ما أن انتقل من موقع رئيس الحكومة إلى منصب رئيس الجمهورية.

حملاته “المكارثية” ضد الصحفيين (عابرة للحدود وطاولت مؤخراً صحفيين ألمان) والقضاة ورجال المؤسسات “العلمانية الأخرى، توسعت لتشمل الحلفاء الذين حملوه على أكتافهم طيلة السنوات الماضية .... بدأ بحليفه الأقوى فتح الله كولن، واتهمه بالتآمر عليه وعلى تركيا، وشنّ أعنف حملات الاستئصال ضد “التنظيم الموازي” لاقتلاع مؤسساته واستئصال نفوذه ... “خان” رفيق دربه عبد الله غول، ومارسه ضد أبشع الألاعيب و”أصغرها” لضمان إبعاده عن قيادة الحزب والحكومة والرئاسة ... اعتمد على “التلاميذ” والتابعين، ممن لا قيمة لهم بأنفسهم، بل بولائهم لشخصه وتبعيتهم المطلقة لتعليماته، وما أن يفكّر أحدهم بشق طريق خاص، أو انتهاج موقف مغاير، حتى ينقض عليه ويتركه نسياً منسياً.

ثمة قراءة واحدة، وبكل اللغات تقريباً، لما حصل ويحصل في تركيا: الاستبداد يكسب جولة جديدة، وتركيا التي وصفت بـ “الديمقراطية الناشئة”، تسير على درب شقيقاتها الاستبداديات العربيات، صوب “الديكتاتوريات الناشئة” ... فالرجل الذي قامر بوحدة بلاده وسلامها الداخلي، من أجل حفنة إضافية من المقاعد في انتخابات الإعادة، لن يتردد في تدمير حزبه وتفتيته، إن اقتضت الضرورة، جرياً على عادة “القائد الضرورة” الذي يختصر الشعب بالحزب، والحزب بالعائلة والأتباع والمحاسيب، هؤلاء جميعاً بالأبناء والأصهار.

وكعادة الدكتاتوريات الناشئة، يتحول كل فشل في السياسة الخارجية، إلى مزيد من القمع والتأزيم في السياسة الداخلية، وتصبح “نظرية المؤامرة”، الأداة الوحيدة، لتحليل التطورات والأحداث والهزائم، وتتحول نظرية “الغاية تبرر الوسيلة” إلى منهجية عمل رسمية معتمدة، طالما أن الهدف هو بقاء “الزعيم” والحلقة المحيطة به من الأبناء والأصهار والمساعدين ... ومن تتبع السياسة التركية في السنوات العجاف الأخيرة، لا شك لاحظ أن أردوغان، هو أكثر زعماء العالم ميلاً لاستخدام “نظرية المؤامرة” لتفسير كل ما يجري في تركيا وحولها ... وأنه بدأ يتقن لعبة التنقل من خندق إلى خندق، في علاقاته وتحالفاته، ضارباً عرض الحائط بمنظومة المبادئ التي طالما أرهق أسماعنا لفرط ترديدها والتغني بها، ولعل تجربة علاقاته مع إسرائيل، على سبيل المثال لا الحصر، ما يكفي لتوضيح المسألة.

قلنا قبل سنوات ثلاث، أن أردوغان، بات عبئاً على تركيا بدل أن يكون ذخراً لها، والسبب طموحاته الشخصية وأحلام الزعامة والسلطنة التي “تعشش” في مخيلته، واليوم، يتضح أكثر من أي وقت مضى، أن تركيا وحتى حزبها الحاكم، يدفعان أفدح الأثمان لأبشع الأحلام.

arabstoday

GMT 07:01 2020 الإثنين ,24 شباط / فبراير

خيارات أردوغان الصعبة

GMT 15:18 2020 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

الأخبار الأخرى مهمة أيضاً

GMT 06:30 2019 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

أردوغان: تزوير «الحدود» و«الوجود»!

GMT 04:54 2019 الإثنين ,05 آب / أغسطس

أردوغان .. البائع للوهم !

GMT 12:18 2019 الأربعاء ,03 تموز / يوليو

[عريب الرنتاوي] ثلاثة صناديق في حياة «السياسي»

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«دكتـاتـوريـــة ناشـــئــة» «دكتـاتـوريـــة ناشـــئــة»



نادين نسيب نجيم تتألق بإطلالات لافتة في عام 2025

القاهرة - السعودية اليوم
 السعودية اليوم - عباس عراقجي يرى أن المقاومة ليست مجرد سلاح بل تمثل قوة ناعمة

GMT 15:04 2020 الأحد ,01 آذار/ مارس

إكرامي يؤكد أن شريف سيجدد لـ"الأهلي"

GMT 08:38 2019 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

باحثون يدرسون فكرة لإنشاء "مصعد فضائي" بين الأرض والقمر

GMT 23:00 2020 الجمعة ,10 كانون الثاني / يناير

فيلم تسجيلي عن عمر الشريف يكشف عن أهم أسرار حياته

GMT 03:10 2018 الخميس ,20 كانون الأول / ديسمبر

"فيسبوك" أمام القضاء بعد فضيحة بيع بيانات المُستخدِمين

GMT 13:38 2018 الخميس ,13 كانون الأول / ديسمبر

الأهلي يواجه سبورتنج في ذهاب نصف نهائي دوري السلة للرجال

GMT 22:13 2018 الأربعاء ,05 كانون الأول / ديسمبر

صلح يشارك بديلًا لمورينو في الدقيقة "66" أمام برينلي

GMT 01:18 2018 الجمعة ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

أغذية تزيد من إدرار الحليب لدى الأم المرضعة

GMT 06:19 2018 الأحد ,07 تشرين الأول / أكتوبر

أويحيى يطالب رئيس مجلس النواب الجزائري بالتنحي
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
alsaudiatoday alsaudiatoday alsaudiatoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh Beirut - Lebanon.
lebanon, lebanon, lebanon