نحن  في عز مؤتمر دولي حول لبنان
أخر الأخبار

نحن في عز مؤتمر دولي حول لبنان

نحن في عز مؤتمر دولي حول لبنان

 السعودية اليوم -

نحن  في عز مؤتمر دولي حول لبنان

سجعان القزّي
بقلم - سجعان القزّي

حين يطالبُ البطريركُ المارونيُّ بشارة الراعي الأممَ المتّحدةَ بعقدِ مؤتمرٍ دوليٍّ خاصٍّ بلبنان، لا يفكِّرُ بالبندِ السابعِ أو بأيِّ بندٍ آخَر، بل بلبنانَ واللبنانيّين. ليس في طرحِه امتحانُ قوّةٍ، بل إنقاذُ وجود. لا يَبحَثُ عن صلاحيّاتٍ وامتيازاتٍ لطائفتِه، بل عن حقوقِ شعبِ لبنان بحياةٍ طبيعيّة. لا يَعرِضُ إشكاليّةً جديدةً، بل حَلًّا نهائيًّا. لو كان البطريركُ يخافُ على مصيرِ المسيحيّين فقط، لمشَى في تعديلٍ دستوريٍّ عُرِضَ عليه ورَفضَه، لكنّه يَخشى على مصيرِ هذه التجربةِ المسيحيّةِ/الإسلاميّةِ التي اسمُها "لبنان الكبير".
نحن أمامَ واقعٍ مؤلمٍ: لا الشعبُ قادرٌ على التغييرِ، ولا السلطةُ قادرةٌ على الحكم. موروثاتُ الشعبِ أقوى من ثورتِه، وخِياراتُ السلطةِ تعاكسُ نظامَ الدولةِ وإرادةَ الشعب، وقِوى الأمرِ الواقع العديدةُ تَمنعُ السلامَ الداخليَّ وتُعرِّضُ لبنانَ لأخطارٍ إقليميّة. صارت مواصفاتُ الدولةِ الفاشلة تَنطبِقُ على دولةِ لبنان. فإذا كانت هذه الدولةُ عاجزةً عن الحكمِ فهي ـــ استطرادًا ـــ عاجزةٌ عن الإنقاذ.
لم يُقْدِم غبطةُ البطريرك الراعي على طرحِ فكرةِ مؤتمرٍ دوليٍّ بسببِ تعثّرِ تأليفِ الحكومة ـــ الحكومةُ صارت تفصيلًا وتأليفُها فَقَد بريقَه ومفعولَه وصدْمتَه. وأصلًا، إنّ جوهرَ أزمةِ الحكومةِ ليس سوى تعبيرٍ عن الخلافِ حولَ وجودِ لبنان ونظامِه ودورِه. منذ نحو سنتين والبطريركُ المارونيُّ يَتردّدُ في طرحِ فكرتِه. ليس التدويلُ هِوايتَه. أفْسَحَ في المجالِ أمامَ مختلفِ المبادراتِ اللبنانيّةِ والعربيّةِ والدوليّة، لكنها اغْتيلَت الواحدةُ تِلوَ الأُخرى عن سابقِ تصوّرٍ وتصميم. صُدِمَ بأنَّ هناك من يرَفُض أيَّ حلٍّ لا يُشَرعِنُ سيطرتَه على البلاد. واختَبرَ شخصيًّا مدى الحِصارِ المضروبِ على الشرعيّةِ بجميعِ مؤسّساتِها ما يُعطِّلُ قرارَها المستقِل. وتأكّدَ من وجودِ مشروعٍ متكامِلٍ لإقامةِ دولةٍ نقيضِ مرتكزاتِ لبنان التاريخيّةِ والحضاريّةِ والمدنيّة. تجاه هذا الواقعِ الـمُثْبَتِ، كان البطريرك أمام خيارين: الاستسلامُ، وليس الاستسلامُ من شيمِه ولا من شيمِنا، وإما دعوةُ الأممِ المتّحدةِ أن تتحمّلَ مسؤوليتَها تجاه دولةٍ عضوٍ مؤسِّسٍ فيها، فاختارَ الحلَّ السلميَّ. والشكرُ لـمَن يَجِدُ حلًّا آخَرَ قبلَ انعقادِ المؤتمرِ الدوليّ.
كان يُفترضُ بالشرعيّةِ اللبنانيِّة أن تَسبِقَ البطريركَ الراعي في الدعوةِ إلى مؤتمرٍ دوليّ، لأنّها هي المحاصَرةُ والمعطَّلةُ والمسلوبةُ السيادةِ والسلطةِ والقرار. وكان يُفترض أيضًا بالقِوى والأحزابِ التي تَعتبرُ نفسَها سياديّةً أن تَسبِقَه لأنّ نَضالها مهروقٌ وشهداءَها يَنتظرون جوابًا، لكنها مُنهمِكةٌ في صراعِ المحاورِ والمصالحِ والمناصِبِ والاستحقاقاتِ. لذلك، اضْطُرَّ البطريركُ الماروني أن يَسترجِعَ الأمانةَ ويُبادرَ إلى رفعِ الصوتِ لإنقاذِ لبنان مثلما رفعَ البابا يوحنا بولس الثاني الصوتَ في وجهِ الاتّحاد السوفياتيِّ والأنظمةِ الشيوعيّةِ في نهايةِ القرنِ الماضي وأسقَطَ الاثنين معًا.
بعيدًا عن الاجتهاداتِ المسيَّسةِ حولَ مدى تطابقِ الوضعِ اللبنانيِّ مع حقِّ الأممِ المتّحدةِ في التدخّل، جميعُ مواثيقِ الأممِ المتّحدةِ تَنطبقُ على وضعِ لبنان وتُجيزُ لها التدخُّلَ بل تَفرِضُهُ عليها: من ميثاقِ تأسيسِها (26 حزيران 1945)، إلى شِرعةِ حقوقِ الإنسان (10 كانون الأول 1948)، إلى ميثاقِ "الحقوقِ المدنيّةِ والسياسيّةِ للدولِ والشعوب" (16 كانون الأول 1966)، وصولًا إلى قراراتِها الدوليّةِ الخَمسينَ الخاصّةِ بلبنان. فلو كانت أزماتُ لبنان المتواليةُ داخليّةً و"أهليّة بمحليّة"، لِمَ جميعُ هذه القراراتِ الدوليّة؟
منذ سنةِ 1945 نَجحت منظّمةُ الأممِ المتّحدةِ في تحريرِ 80 دولةً يعيش فيها 750 مليونَ مواطنٍ تحت الاستعمارِ والاحتلال، وساهَمت في أن تنالَ هذه الشعوبُ استقلالَها وتُــــثــبِّتَ حدودَها الدوليّة. إنَّ واقعَ لبنان اليومَ يُشبه حالَ دولةٍ محتلّةٍ من الخارجِ بدونِ قوّاتِ احتلالٍ خارجيّة. وهي حالةٌ قلّما شَهِدَتها دولةٌ مستقلّةٌ منذ سقوطِ حائطِ برلين، حين كان الاتّحادُ السوفياتّي يحتلُّ دولَ أوروبا الشرقيّةِ عَبرَ شرعيّاتِ تلك الدولِ ومن خلالِ الحزبِ الشيوعيّ المحليّ.
الّذين يَسْتصعِبون الحلَّ الدوليَّ للقضيّةِ اللبنانيّةِ سَها عن بالِـهم أنَّ جميعَ الحلولِ صعبةٌ في لبنان، وأصْعبُها هو الحلُّ اللبنانيّ. والّذين اسْتغرَبوا دعوةَ البطريرك الراعي إلى مؤتمرٍ دوليٍّ خاصٍ بلبنان تغافَلوا أنَّ جميعَ أزَماتِ لبنانَ منذ بداياتِ القرنِ السابعَ عشَرَ إلى اليوم ـــ وجميعُها أزَماتٌ خارجيّةٌ بواجهةٍ محليًّة ـــ عولِـجْت بتدخّلٍ دوليّ. منذ ذلك الزمن، والقضيّةُ اللبنانيّةُ تَعبُر توسكانا وروما وباريس وڤيينا والأَسِتانة ولندن وڤرساي وسَان ريمو ونيويورك، إلخ... هناك ثُبِّتَت إمارةُ الجبل. هناك قرّروا القائمقاميتّين ثم المتصرفيّة. وهناك نَشأت دولةُ لبنان الكبير.
والّذين هالَهم الاحتكامُ إلى الأممِ المتّحدةِ تناسَوْا أنّهم هُم من دَوّلوا الوضعَ اللبنانيَّ حين احتجَزوا شرعيّةَ لبنان وحَرفوها عن دورِها، وحين عَبثوا بدستورِ البلادِ ونظامِها وميثاقِها وأمنِ شعبِها، وحين تجاوزوا حدودَ لبنان الدوليّةَ للقتالِ في حروبِ الشرقِ الأوسط، وحين تورّطوا في نزاعاتٍ مع دولٍ عربيّةٍ وإقليميّة ودوليّة، وحين أطاحوا جميعَ توصياتِ وقراراتِ هيئاتِ الحوارِ الوطنيِّ التي انعقدَت بين القصرِ الجُمهوريِّ والمجلسِ النيابيِّ منذ سنةِ 2006 إلى الآن. وحين...
نحن في أوْجِ التدويل. التدويلُ في ديارِنا منذ عقود. أليست القراراتُ الدوليّةُ الخاصّةُ بلبنان تدويلًا؟ أليس وجودُ القوّاتِ الدوليّةِ في الجَنوبِ تدويلًا؟ أليست حركةُ الموفَدين الأميركيّين بشأنِ المربّعاتِ النفطيةِ وتأليفِ الحكومةِ تدويلًا؟ أليست مفاوضاتُ ترسيمِ الحدودِ برعايةٍ أميركيّةٍ وأمميّةٍ بين لبنان وإسرائيل تدويلًا؟ أليس تقديمُ شكاوى إلى مجلسِ الأمنِ ضِدَّ الخروقاتِ الإسرائيليّةِ تدويلًا؟ أليس وجودُ اللاجئين الفِلسطينيّين والنازحين السوريّين على أرضِنا تدويلًا؟ أليست مبادرةُ الرئيسِ الفرنسيِّ تدويلًا؟ أليست بياناتُ الأمينِ العامِّ للأممِ المتّحدةِ كلَّ ستّةِ أشهر حولَ لبنان تدويلًا؟ إلخ...
هل كان البعضُ يُفضّلُ أن يدعوَ البطريركُ قواتِ الردعِ العربية؟ أو القوّاتِ السوريّة؟ أو القواتِ الإسرائيلية؟ أو الجيش الفرنسي؟ أو أن "يَستقربَ" ويدعوَ القواتِ الروسيّةَ والتركيّةَ والأميركيةَ المرابِطةَ في سوريا؟ لقد توجّه البطريرك إلى الأمم المتحدة، المنظمةِ الجامعةِ، المرجِعيّةِ الحياديّةِ. كان الرئيس الفرنسي الراحل فرنسوا ميتران يقول: "حقُّ الأممِ المتّحدةِ أن ترفضَ التدخلَّ في شأنِ دولةٍ طالما أنَّ عدمَ تَدخّلِها لا يؤثّرُ على استقرارِ هذه الدولةِ واستقلالِها، وإلّا واجبُها التدخلّ فورًا". وأثبتَ التاريخُ الحديثُ أنْ كلّما أسْرعَت الأممُ المتّحدةُ وتَدخَّلت حالَت دونَ تدهورِ الأوضاع، وكلّما تأخّرَت اندلعت الحروبُ والفتنُ وازدهرَ التقسيمُ.
لأنَّ البطريركَ الراعي يتوجّسُ من التطورات، ناشدَ الأممَ المتّحدةَ التدخّلَ وتنظيمَ مؤتمرٍ دوليٍّ استباقًا لانفجارِ الوضعِ اللبنانيّ وإنقاذًا الدولةَ اللبنانيّة.

arabstoday

GMT 13:43 2025 الجمعة ,12 كانون الأول / ديسمبر

ترمب: لا تحبسوني

GMT 13:40 2025 الجمعة ,12 كانون الأول / ديسمبر

فيلم «السِّتّ» إبداعٌ وإضافة

GMT 13:38 2025 الجمعة ,12 كانون الأول / ديسمبر

المانحون الكبار وضحاياهم

GMT 13:35 2025 الجمعة ,12 كانون الأول / ديسمبر

صعوبة استقبال الجديد في سوريا

GMT 13:33 2025 الجمعة ,12 كانون الأول / ديسمبر

صحافة الابتزاز

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

نحن  في عز مؤتمر دولي حول لبنان نحن  في عز مؤتمر دولي حول لبنان



أجمل فساتين السهرة التي تألقت بها سيرين عبد النور في 2025

بيروت - السعودية اليوم
alsaudiatoday.com

GMT 14:28 2025 الأربعاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

أورسولا فون دير لاين تؤكد ضرورة تولي أوروبا مسؤولية أمنها
 السعودية اليوم - أورسولا فون دير لاين تؤكد ضرورة تولي أوروبا مسؤولية أمنها

GMT 14:41 2025 الأربعاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

ساناي تاكايتشي تُشدد على بناء علاقات مستقرة مع بكين
 السعودية اليوم - ساناي تاكايتشي تُشدد على بناء علاقات مستقرة مع بكين

GMT 07:46 2021 الأربعاء ,03 شباط / فبراير

تتيح أمامك بداية السنة اجواء ايجابية

GMT 10:00 2018 الثلاثاء ,17 تموز / يوليو

أسعار النفط تتراجع وسط توقعات بزيادة الامدادات

GMT 20:31 2018 الأحد ,18 شباط / فبراير

منتجع فاخر وسط سهول توسكانا في إيطاليا

GMT 15:46 2017 السبت ,21 تشرين الأول / أكتوبر

إينيس دي سانتو تطلق تصاميمها لفساتين الزفاف ٢٠١٨

GMT 07:11 2019 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

عباس يؤكّد إبعاد رموز النظام المعزول لتفكيك “الدولة”

GMT 19:19 2019 الإثنين ,04 شباط / فبراير

عبد العزيز الفيصل رئيسًا للأولمبية السعودية

GMT 00:02 2018 السبت ,15 كانون الأول / ديسمبر

انطلاق بطولة العيد الوطني لسباقات القدرة في البحرين

GMT 22:46 2018 السبت ,08 كانون الأول / ديسمبر

مستحضرات التجميل أثناء الرياضة تتسبب بضرر للبشرة

GMT 21:32 2018 السبت ,20 تشرين الأول / أكتوبر

"كروم 70" يدعم وضع صورة داخل صورة في ماك وويندوز ولينكس

GMT 23:30 2018 الأربعاء ,17 تشرين الأول / أكتوبر

بورش ستطلق كروس أوفر كهربائية في عام 2022

GMT 23:43 2018 السبت ,13 تشرين الأول / أكتوبر

برهم صالح يدعو إلى تشكيل حكومة بعيدة عن المحاصصة

GMT 22:49 2018 الثلاثاء ,02 تشرين الأول / أكتوبر

أمطار على مركزي الزيته وعلقان بمحافظة حقل

GMT 15:58 2018 الأربعاء ,19 أيلول / سبتمبر

10 مراكز متقدمة للسويداء في بطولة الجمهورية للرماية

GMT 14:37 2018 الإثنين ,20 آب / أغسطس

مقتل جندي أميركي إثر تحطم طائرة في العراق

GMT 23:02 2018 الثلاثاء ,10 تموز / يوليو

أفضل مطاعم حلال في باتومي في جورجيا

GMT 03:48 2017 الجمعة ,06 تشرين الأول / أكتوبر

العلماء يطورون علاجًا جديدًا لمرض "باركنسون"
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
alsaudiatoday alsaudiatoday alsaudiatoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh Beirut - Lebanon.
lebanon, lebanon, lebanon