بايدن يَنتظِرُ إدارةً لبنانيّةً جديدة

بايدن يَنتظِرُ إدارةً لبنانيّةً جديدة

بايدن يَنتظِرُ إدارةً لبنانيّةً جديدة

 السعودية اليوم -

بايدن يَنتظِرُ إدارةً لبنانيّةً جديدة

سجعان قزي
بقلم - سجعان قزي

الدولةُ القائمةُ والناشطةُ والمُكتمِلَةُ تتفاعلُ سلبًا أو إيجابًا مع تبدُّلِ إداراتِ الدولِ الكبرى. أما الدولةُ المُنهارَةُ والفاشلةُ والجامدةُ واللامُباليةُ، فحُطامٌ لا يَتفاعلُ مع أيِّ حدَث. فَقدَت الحِسَّ والحواسَّ والضمير. بالتالي، وخلافًا لما يَعتقدُ البعضُ، ليس لبنانُ مَن سيَتأثّرُ بتغييرِ الإدارةِ الأميركيّة، بل هي أميركا التي ستَتأثّرُ حين يَتغيّرُ الحكمُ في لبنان. أجل، إنَّ واشنطن تَتنظرُ حدوثَ تغييرٍ في لبنان لتُقرّرَ إحياءَ العلاقاتِ الثنائيّةِ بزَخمِها السابق. فما دامَ هذا الحكمُ على خِيارِه وسياستِه وحلفائِه وأدائِه فستَظلُّ أبوابُ أميركا مُوصَدةً أمام لبنان، ولا تُشَقُّ إلّا لإصدارِ دُفعةِ عقوبات.

ما خَلا مؤسَسةَ الجيشِ، إلى مَن تَتوجّهُ الإدارةُ الأميركيّةُ الجديدةُ في لبنان؟ إلى رئاسةِ الجمهوريّةِ المُتحالِفةِ مع “حزبِ الله”؟ إلى حكومةِ تصريفِ الأعمال؟ إلى الحكومةِ غيرِ المُؤلَّفةِ بعد؟ إلى الأحزابِ اللبنانيّةِ السائحةِ في الضباب؟ إلى الثورةِ المجهولةِ العنوان؟ إلى الشعبِ المُكوَّنِ من ألْفِ شعب؟ إلى المصارفِ التي سَرقَت أموالَ المُودِعين؟ الدولةُ تحت هيمنةِ “حزب الله”، والقِوى السياسيّةُ تحت ثِقلِ مصالحها.

الجهةُ السياسيّةُ القادرةُ على مفاوضةِ أميركا هي “حزبُ الله” بما يَملِكُ من مشروعٍ استراتيجيٍّ وأوراقِ لبنانيٍّة وإقليمية: فهو جيشٌ قائمٌ بذاتِه. يُمسِكُ بقرارِ الحربِ والسِلم. يَتحكّمُ بتطبيقِ القراراتِ الدوليّة. يُسيطر على المناطقِ اللبنانيّةِ المُتاخِمةِ لإسرائيل وسوريا. يُشرفُ على مفاوضاتِ ترسيمِ الحدود. يُهيمِنُ على الشرعيّةِ اللبنانيّة. يؤثّرُ في مجرى عملِ المجلسِ النيابي. يُقاتل في سوريا والعراق واليمن. ويَجلِسُ على تقاطعِ التسويتَين اللبنانيّةِ والشرقِ أوسطيّة.

لكن، علاوةً على أن أميركا تَرفضُ، حتّى الآن، التعاطي المباشَرَ مع “حزبِ الله”، فهو لا يستطيعُ أن يفاوضَ باسمِ اللبنانيّين، كما لا يجوزُ له التصرّفُّ بمشروعِه وأوراقِه خارجَ القرارِ الإيرانيّ. واستطرادًا إنَّ عَلاقةَ أميركا الافتراضيّةَ مع “حزبِ الله” ستكون جُزءًا من علاقتِها المُستقبليّةِ مع إيران أكثرَ ممّا ستكون جُزءًا من علاقتِها مع لبنان. وهذه العلاقةُ تَتمايلُ بين مصيرِ الملفِّ النوويِّ الإيرانيِّ ومصيرِ مَلَفِّ التطبيعِ اللبنانيِّ مع إسرائيل. والـمَلفّان يَتمايلان بدورِهما بين مسارَي الحلِّ العسكريِّ والتسويةِ السلميّةِ اللذَين يَنتظران مَنحى سياسةِ الرئيسِ جو بايدن تجاهَ إسرائيل وإيران.

وبعكسِ ما هو شائع: ليس بايدن بعيدًا من إسرائيل، ولا مُهروِلًا نحو تسويةٍ سريعةٍ مع إيران. سنةَ 2015 تَيسّرت التسويةُ مع إيران لأنه جَرى فصلٌ بين الـمَلَفِّ النوويِّ والتوسّعِ الإيرانيِّ في دولِ الشرق الأوسط. أما اليوم فالتسويةُ مُعقّدةٌ لأنها تَربُط بينهما. في كلِّ الأحوالِ، تَقتَضي الحِكمةُ أن نَتريَّثَ قبل إطلاقِ أحكامٍ إيجابيّةٍ أو سلبيٍّة على الرئيسِ الأميركيِّ الجديد. فكم رئيسٍ ضعيفٍ فاجَأنا بقوّتِه وقراراتِه الجريئةِ، وكم رئيسٍ قويٍّ صَدَمنا بضُعفِه وفشلِه.

مهما كان مستقبلُ هذه التطورات، العلاقاتُ اللبنانيّةُ-الأميركيّةُ تحتاجُ إعادةَ تقويمٍ لأنَّ واشنطن، وإن كانت صديقةَ لبنان منذُ النِصفِ الثاني من القرنِ العشرين، فإنّها حَـمَّلت لبنانَ، ولا تزال، أعباءً لا طاقةَ له عليها. فتوطينُ اللاجئين الفِلسطينيّين ودمجُ النازحين السوريّين لا يَقِلّان خطرًا على كيانِ لبنان ووِحدتِه من الأعباءِ التي تُلقيها عليه إيران كالهلالِ الشيعيِّ وسلاحِ “حزبِ الله” وتغييرِ أُسُسِ النظامِ اللبناني… بتعبيرٍ آخَر إنَّ السياسةَ الأميركيّةَ والمشروعَ الإيرانيَّ، على تناقُضِهما في الشرقِ الأوسط، يَلتقيان في لبنانَ وعليه كما التقى سابقًا المشروعان، السوريُّ والإسرائيليّ. فكما التوطينُ الفِلسطينيُّ ودمجُ النازحين السوريّين يؤدّيان إلى التقسيم، كذلك توطينُ السلاحِ الإيرانيّ.

تَرجِعُ إلى اللبنانيّين، دولةً وقِوى سياسيّة، مسؤوليّةُ تَحوّلِ لبنان جُزءًا من ضحايا السياسةِ الأميركيّةِ في الـمِنطقةِ عوضَ أن يكونَ شريكًا مُستفيدًا منها. فلا التزَمنا الحيادَ لكي يُوفِّرَنا صراعُ الأمم، ولا انخرَطْنا في الديبلوماسيّةِ الدوليّةِ لنَحفَظَ حقّنا. لا خُضْنا حروبَ العربِ ولا اشْتركنا في سلامِهم فدَفعنا ثمنَ الحروبِ والسلامِ معًا. اختارت دولتُنا مِـحورًا إقليميًّا تَعتبرُه أميركا “مِحورَ الشرِّ”، ورُحنا نَطلبُ الخيرَ منها. ظنَّت دولتُنا ـــ بل دولتُهم ـــ أنَّ اجتماعًا في قصرِ بعبدا أو وزارةِ الخارجيّةِ مع سفيرٍ يَكفي لبناءِ استراتيجيّةٍ ديبلوماسيّةٍ وعلاقاتٍ دوليّةٍ مع أميركا والمجتمعِ الدولي. حركةُ إمارةِ جبل لبنان الديبلوماسيّةُ زمنَ العثمانيّين كانت أنشطَ من حركةِ دولةِ اليوم. وحركةُ دولةِ لبنانَ زمنَ الاحتلالِ السوريِّ كانت أكثرَ حيويّةً من حركتِها اليوم. نحن في سُباتٍ ديبلوماسيٍّ عميقٍ حتّى السطحيّة. لا بل إنَّ الأحزابَ في لبنان تَنعَمُ اليومَ بشبكةِ عَلاقاتٍ عربيّةٍ ودوليّةٍ أوسعَ وأفيدَ من تلك التي تَقتَنيها الدولة.

مع وصولِ الرئيس جو بايدن، لا بُدَّ للدولةِ اللبنانيّةِ من أن تُقدّمَ له مُذكّرةً حولَ القضيّةِ اللبنانيّةِ تَتمحْورُ حولَ النقاطِ التالية: 1) إحياءُ مؤتمرِ الدولِ المانحةِ مع فرنسا وأوروبا والدولِ الخليجيّةِ لإنقاذِ لبنان ماليًّا واقتصاديًّا. 2) تنظيمُ مؤتمرٍّ دوليٍّ/عربيٍّ لضمانِ كيانِ لبنان واستقلالِه في ظلِّ نظامٍ ديموقراطيٍّ. 3) إعلانُ حيادِ لبنان. 4) وضعُ آليّةٍ لنزعِ أسلحةِ جميعِ القِوى اللبنانيّةِ وغيرِ اللبنانيّة وتسليمِها إلى الجيشِ اللبناني. 5) المساعدةُ على استكمالِ تنفيذِ جميعِ القراراتِ الدوليّةِ ذاتِ الصلةِ بلبنان. 6) العملُ على إعادةِ انتشارِ اللاجئين الفِلسطينيّين في بلدان قادرةٍ على توفيرِ حياة ٍكريمةٍ لهم. 7) تسريعُ إعادةِ النازحين السوريّين في لبنان إلى بلادِهم. 8) رعايةُ حوارٍ لبنانيٍّ-لبنانيٍّ لتطويرِ النظامِ اللبنانيِّ في إطارِ لامركزيّةٍ موسَّعةٍ أو أيِّ إطارٍ آخَر يَــتّفق عليه اللبنانيّون بحرّيةٍ واستقلاليّةٍ بعدَ انبثاقِ السلطةِ الجديدة وحسمِ المطالبِ الآنِفةِ الذِكر.

أُدركُ ردّةَ فعلِ القارئ على هذا الطرح: “أنّى لنا كلُّ ذلك والحكومةُ لم تُشكَّلْ بعد، والعهدُ في عُهدةٍ أخرى”؟ لذلك، واجبُ الوجوبِ أن تُعلَنَ الحكومةُ سريعًا، وأن يُؤلّفَ بعدَ نيلِها الثقةَ وفدٌ رفيعُ المستوى يَحمِلُ هذه المطالب إلى واشنطن والأممِ المتّحدةِ ودولِ مجلسِ الأمنِ ودولِ مجلسِ التعاونِ الخليجيِّ ويُناضل من أجلِ تحقيقِها. وإذا لم تَفعل الحكومةُ ذلك، ستُبادر مرجِعيّاتٌ لبنانيّةٌ غيرُ حكوميّةٍ إلى حَملِ قضيّةِ لبنان لأنّنا مُصمِّمون على إنقاذِ وجودِنا الخاصِّ في هذا الشرق بالحوارِ، بالديبلوماسيّةِ، بالشَراكةِ، بالنضالِ، وحتّى بالمقاومةِ. ما هَمّ. اختبَرنا ثمنَ كلِّ هذه الحالات، لكنَّ أيَّ ثمنٍ يَظلُّ أقلَّ من ثمنِ خسارةِ لبنان.

الكنيسةُ المارونيّةُ بادَرت إلى تأسيسِ لبنانَ الكبير، الدولةُ اللبنانيّةُ بادَرت إلى انتزاعِ استقلالِ لبنان. الثابتُ في الحدثَين التاريخيَّين هو الدورُ الدوليُّ، والـمُتغيِّرُ هو المرجِعيّةُ اللبنانيّةُ. فلتُبادر الدولةُ دون سواها إلى اتّخاذِ مبادرةِ استعادةِ لبنان الكبيرِ والاستقلالِ لئلا يَتبعثرَ الوطنُ ويَضيعَ الاستقلال.

قد يهمك أيضًا

بايدن يؤكد عزم بلاده البقاء في منظمة الصحة العالمية

جو بايدن يزيل "لمسات ترامب" من مكتب البيت الأبيض

 

 

arabstoday

GMT 08:08 2023 الجمعة ,06 تشرين الأول / أكتوبر

الاستحواذ على الأندية الرياضية

GMT 13:43 2023 الجمعة ,22 أيلول / سبتمبر

الشرق الأوسط الجديد والتحديات!

GMT 15:35 2023 الخميس ,14 أيلول / سبتمبر

كشف أثري جديد في موقع العبلاء بالسعودية

GMT 15:51 2023 الأربعاء ,13 أيلول / سبتمبر

الممر الاقتصادي... و«الممر الآيديولوجي»

GMT 20:15 2021 الأحد ,21 شباط / فبراير

حزب الله والارتياب والتدويل

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

بايدن يَنتظِرُ إدارةً لبنانيّةً جديدة بايدن يَنتظِرُ إدارةً لبنانيّةً جديدة



إطلالات متنوعة وراقية للأميرة رجوة في سنغافورة

سنغافورة - السعودية اليوم

GMT 23:08 2018 الأحد ,14 كانون الثاني / يناير

صلاح يزين توهج ليفربول أمام السيتي بهدف ساقط

GMT 22:09 2018 الجمعة ,05 كانون الثاني / يناير

نواف التمياط يهنئ المنتخب العماني بالتتويج بكأس الخليج

GMT 00:34 2017 الخميس ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

الفنانة شذى حسون تكشف أسباب الهجوم عليها

GMT 17:53 2017 الجمعة ,20 تشرين الأول / أكتوبر

طرح عطر "جو مالون" الجديد والمنعش في صيف 2017

GMT 14:01 2012 الثلاثاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

" الغد" الأردنية تطلق تطبيقها في متجر "ويندوز"

GMT 15:37 2016 الثلاثاء ,13 كانون الأول / ديسمبر

بنك "طوكيو- ميتسوبيشي يو.اف.جي" يفتح فرعًا في السعودية

GMT 16:28 2020 الأحد ,11 تشرين الأول / أكتوبر

أغلب المواطنين العرب يؤيدون السلام مع إسرائيل

GMT 10:00 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج العذراء 6 أكتوبر/ تشرين الأول 2020

GMT 11:26 2019 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

كارل لاغرفيلد يعلن عن تعاونه الأول مع "بوما"
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
alsaudiatoday alsaudiatoday alsaudiatoday
alsaudiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab