بـكـركـي لـيست مَـمـرًّا اخـتـيـاريًّـــا

بـكـركـي لـيست مَـمـرًّا اخـتـيـاريًّـــا

بـكـركـي لـيست مَـمـرًّا اخـتـيـاريًّـــا

 السعودية اليوم -

بـكـركـي لـيست مَـمـرًّا اخـتـيـاريًّـــا

سجعان القزي
بقلم - سجعان القزي

ليس هدفُ عِظةِ غِبطةِ البطريرك مار بشارة بطرس الراعي (25/10/20) تقويةَ الرئيس ميشال عون، وقد انتُخِبَ على أنه رئيسٌ قويٌّ، ولا إضعافَ الرئيسِ المكلَّفِ سعد الحريري، وقد أضْعَف نفسَه بتسوياتٍ قاهرة وَضعَها على حسابِ التضحيةِ من أجلِ لبنان، ولا تبرئةَ القياداتِ السياسيّةِ المسيحيّةِ مـمَّا آلَ إليه الوضعُ المسيحيُّ من تفكُّكٍ وانْطواء. البطريركُ يَعتبر قيمةَ الحريري بوطنيّتِه واعتدالِه، وقيمةَ عون بشرعيّتِه وقَسَمِه أيضًا. والثنائيّةُ الوحيدةُ التي يؤيّدها البطريركُ هي الثنائيّةُ المتكامِلةُ بين الدستورِ والميثاق، والتي تُجسّدُها مؤسّساتُ رئاسةِ الجُمهوريّةِ ومجلسَي الوزراءِ والنوّاب.
في هذا السياق، نَرفض أنْ يَختلِقَ أيُّ طرفٍ بِدَعًا جديدة، ونأبى أن يَتنازلَ أيُّ مرجِعٍ عمّا لا يَملِكُ خلافًا للدستورِ والميثاق. هناك فارقٌ بين تقديمِ تنازلاتٍ سياسيّةٍ مرحليّةٍ لتسهيلِ أمرٍ ما، وبين تقديمِ تنازلاتٍ دستوريّةٍ دائمةٍ لتغييرِ التوازنات. خارجَ هذا المنطقِ الوطنّي، لا نرى مسارًا إيجابيًّا يُرافق مشاوراتِ تأليفِ الحكومة حتّى لو تألّفت. لا إيجابيّةَ في التنازلِ وقَبولِ شروطٍ لا تَليقُ بمرحلةِ ما بعدَ الانهيار، وما بعدَ الثورة، وما بعدَ تفجيرِ المرفأ، وما بعدَ الضحايا والشهداء. مِعيارُ الإيجابيّةِ أن يأتيَ الخارجون عن الدستورِ والميثاقِ ومشروعِ الدولةِ إليها لا أن نَذهبَ نحن إليهم. حين يكونُ مصيرُ الوطن "بالدَقّ"، التساهلُ هو السلبيّةُ والرفضُ هو الإيجابيّة؛ ونحن إيجابيّون. هذا الكلامُ ليس مُوجَّهًا إلى الرئيسِ سعد الحريري تحديدًا، بل إلى كلَّ معنيٍّ بتأليفِ الحكومة، وفي طليعتِهم، رئيسُ الجمهوريّة.
لقد هنّأ البطريركُ الراعي الرئيسَ الحريري، وقال له: "الشعبُ المنتَظِرُ الفرجَ، والثورةُ الإيجابيّةُ العابرةُ الطوائفِ والأحزابِ والمناطقِ معك، واللبنانيّون الـمُحِبّون لبنان، والكنيسةُ، ومَنكوبو بيروت المدَمَّرةِ معك لتُشكِّلَ حكومةً تَلتزمُ الدستورَ والميثاق". لكن، من الطبيعيِّ أنْ يُعارضَ البطريركُ المارونيُّ الضغطَ على الحريري لتأليفِ حكومةٍ على أساسِ تفاهماتٍ جانبيّةٍ مخالِفةٍ الطائف (تثبيتُ الماليّةِ للثنائيِّ الشيعيّ فيُصبح لديه المالُ والسِلاح)، ومخالِفةٍ الإصلاحَ (احتكارُ المنظومةِ السياسيّةِ تسميةَ الوزراء)، ومخالِفةٍ المبادرةَ الفرنسيّةَ بنُسختِها الأصليّة (حكومةٌ مستقلّة) لا بنُسخِها الكاريكاتوريّةِ اللاحقة، ومخالفةٍ الدولَ المانِحةَ (تأليفُ حكومةِ "الصناديق" لا حكومة صندوقِ النقدِ الدوليّ)، ومخالفةٍ التزامَ الحريري شخصيًّا (حكومةُ اختصاصيّين غيرِ حزبيّين)، وحتّى مخالفةٍ قناعاتِ الحريري التي صَنعت زعامتَه، فأحبّه البطريركُ وأحْببناه.
لأنَّ البطريركَ يُحبُّ الرئيسَ سعد الحريري ناشدَه تأليفَ حكومةٍ مستقلّةٍ ومتجانسة. فحكومةٌ من نوعِ الحكوماتِ البائدةِ مُلغَّمةٌ في تشكيلِها، متنافِرةٌ في خِياراتِها، وعُرضةٌ للسقوطِ في الشارعِ كما حَصل لحكومةِ الحريري الأخيرةِ في 19 تشرين الأول 2019. لا يُمكنُ إجراءُ إنقاذٍ بأدواتِ الانهيار، ولا مكافحةُ الهدرِ بأركانِ الهدْر، فكما كان للانهيارِ حكوماتُه ورجالاتُه ونساؤه، كذلك للإنقاذِ حكومتُه ورجالاتُه ونساؤه.
حين البطريركُ يدعو الرئيس سعد الحريري إلى عدمِ وضعِ المسيحيّين وراءَ ظَهرِه ـــ أصلًا لسنا وراءَ ظهرِ أحد ـــ فهو لا يَستعطِفُ تمثيلًا، ولا يتّهمُه بإهمالِ المكوّنِ المسيحيّ، وقد كان الحريري حليفَ مسيحيِّي 14 أذار منذ سنةِ 2005، ثم استمالَهُ هوى التحالفِ مع مسيحيِّي 08 آذار في التسويةِ الرئاسيّةِ منذ سنةِ 2016 (هكذا صار تقييمُ الجَدوى سهلًا من جِهتِه ومن جِهتِهم). سعى البطريرك فقط إلى لَفتِ انتباهِ الرئيسِ المكلّف إلى أنَّ التمثيلَ المسيحيَّ لا يَقتصِرُ على مسيحيّي 08 و 14 آذار، بل يتّسع إلى المجتمعِ المسيحيِّ الـمُشِعّ بالطاقاتِ والكفاءاتِ والمهاراتِ وبالشخصيّاتِ المستقلّة. إنَّ تمثيلَ الأحزابِ المسيحيّة، وهي أحزابٌ نفتخرُ بها وتَتمتعُ بصفةٍ تمثيليّةٍ محترَمةٍ (46%)، لا يُلغي تمثيلَ الرأيِ العامِّ المسيحيِّ والقِوى الحيّةِ المسيحيّةِ الموجودةِ خارجَ الأحزاب (54%). ولو كان التمثيلُ النيابيُّ والحزبيُّ المسيحيُّ كافيًا ومُعبِّرًا عن النبضِ المسيحيِّ اليوم، لَـما كانت الأحزابُ المسيحيّةُ، لاسيّما القواتُ اللبنانيّةُ، تُطالب بانتخاباتٍ نيابيّةٍ مبكِّرة.
يريد البطريركُ أن يفتحَ بابَ التمثيلِ المسيحيِّ، بل التمثيلِ الوطنيِّ عامّةً، أمامَ شبابِ وشابّاتِ الثورة، أمام النُخَبِ المستقلّةِ الحريصةِ على حرّيتِها وكرامتِها والرافضةِ أنْ تُردّدَ: "بالروح بالدم نَفديك يا...."، أمامَ القوَى المبدِعةِ التي تُدرّسُ في الجامعاتِ وتُديرُ المؤسّساتِ وتَخترعُ وتُنجز وتَتجلّى في لبنانَ وبلادِ الانتشار. يريد البطريركُ أنْ يؤسّسَ لنهضةٍ فكريّةٍ وسياسيّةٍ في المجتمعِ المسيحيِّ وفي كلِّ لبنان لأنَّ الصدأَ نَـخَرَ المنظومةَ القائمة. يريد البطريركُ تحريرَ القرارِ المسيحيِّ مثلما أراد تحريرَ قرارِ الشرعيّة. يريدُ البطريرك أنْ يُقدِّمَ للبنانَ طاقَمًا سياسيًّا ووطنيًّا مسيحيًّا جديدًا كما قَدّمَ المسيحيّون طاقمَ التأسيسِ وطاقمَ الاستقلالِ وطاقمَ الحكمِ وطاقمَ المقاومة، وفي أيّامِهم عَزّت الدولةُ وانتصرَت القضيّةُ اللبنانيّة. أدّت هذه الطواقمُ دورًا رائدًا في نهضةِ لبنان والدفاعِ عنه ومنعِ ذوبانِه في أشكالٍ كيانيّةٍ أوسعَ أو أصْغر. يريدُ البطريركُ رفعَ التأميمِ عن النخبِ المسيحيّةِ المحكومِ عليها أن تَـمرَّ بالزبائنيّةِ لتصلَ إلى وظيفةٍ أو منصِب. لقد وُلِد المسيحيّون أحرارًا فلمَ تُحوّلهم مؤسّساتُهم عبيدًا؟ إنَّ المسيحيّين، وهم حالةٌ استقلاليّةٌ في لبنان، لن يُصبحوا تَبعيّين. وقبلَ أن يَثوروا على الآخَرين، في صدورِ المسيحيّين تَضُجُّ نقمةٌ على مرجِعيّاتِهم السياسيّةِ التي وَضعتْهم في حالةِ ضَياع وتراجُع.
لقد قادت بكركي تأسيسَ لبنان وأَشرَفَت على انطلاقِ النخبِ المسيحيّةِ السياسيّةِ، ثمّ أوكَلت إليها القيادةَ تدريجًا إيمانًا بفصلِ الدينِ عن الدولة، لكنّها ظلّت العينَ الساهرةَ والمراقِبةَ، وكانت تَتدخّلُ عند الحاجةِ الوطنيّةِ والمصيريّة، وعندما كانت ترى خَللًا في الساحةِ المسيحيّةِ وانحِرافًا في الساحةِ اللبنانيّةِ عمومًا. واليومَ، والوضعُ مرتبِكٌ، اضْطُرَّ البطريركُ الراعي إلى استعادةِ المبادرةِ لمنعِ الانقلابِ المستمرِّ على دولةِ لبنان ودستورِها وصيغتِها ونظامِها وهوّيتِها. وها هو غِبطتُه يَحتضِنُ الثورةَ ويناشدُ الأحزابَ المسيحيّةَ أن تتحالفَ والقوى اللبنانيّةَ أن تَتّحِدَ، ويقودُ بثقةٍ وشجاعةٍ وثَباتٍ مشروعَ إنقاذ لبنان من خلالِ الحيادِ واللامركزيّةِ والدولةِ المدنيّةِ ونشرِ ثقافةِ النزاهةِ، وتثبيتِ الشراكةِ الوطنيّةِ وتجديدِ كيانِ لبنانَ الكبير.
ليس الكُرسيُّ البطريركيُّ ممرًّا اختياريًّا، بل هو مَمرٌّ ضروريٌّ لا بدَّ منه، بما هو مرجِعيّةٌ وطنيّةٌ لشعبِه الصامدِ في لبنانَ والشرقِ منذ ألفٍ وستمائةِ سنة. من هذا الواقعِ الراسخِ يتَوجّهُ البطريركُ الراعي بتجرّدٍ ومحبّةٍ إلى جميعِ القياداتِ أنْ تَضعَ طاقاتِها في خِدمةِ لبنان وأنْ تتصدّى للضغوطاتِ. فإذا كان النقدُ يُزعجُ البعضَ، فالتنازلُ يُزعج الوطن. والبطريركُ لن يَدعَ الوطنَ يَنزعج.

 

arabstoday

GMT 08:08 2023 الجمعة ,06 تشرين الأول / أكتوبر

الاستحواذ على الأندية الرياضية

GMT 13:43 2023 الجمعة ,22 أيلول / سبتمبر

الشرق الأوسط الجديد والتحديات!

GMT 15:35 2023 الخميس ,14 أيلول / سبتمبر

كشف أثري جديد في موقع العبلاء بالسعودية

GMT 15:51 2023 الأربعاء ,13 أيلول / سبتمبر

الممر الاقتصادي... و«الممر الآيديولوجي»

GMT 20:15 2021 الأحد ,21 شباط / فبراير

حزب الله والارتياب والتدويل

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

بـكـركـي لـيست مَـمـرًّا اخـتـيـاريًّـــا بـكـركـي لـيست مَـمـرًّا اخـتـيـاريًّـــا



إطلالات متنوعة وراقية للأميرة رجوة في سنغافورة

سنغافورة - السعودية اليوم

GMT 15:59 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

تواجهك عراقيل لكن الحظ حليفك وتتخطاها بالصبر

GMT 20:00 2016 الأربعاء ,19 تشرين الأول / أكتوبر

مصورة بلجيكية تحصل على لقطات للبوة تفترس حمارًا وحشيًا

GMT 13:14 2018 الأحد ,02 كانون الأول / ديسمبر

رئيس الوزراء البحريني يعلن استقالة الحكومة

GMT 19:03 2018 الثلاثاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

5 سبل ناجعة لتصبح أكثر جاذبية في نظر شريك حياتك

GMT 16:09 2018 الجمعة ,19 كانون الثاني / يناير

تعرّفي على تنسيق ديكورات غرف النوم المتصلة بالحمام

GMT 17:31 2017 الخميس ,26 تشرين الأول / أكتوبر

اختيار منى المنصوري مصممة العام في الإمارات

GMT 08:41 2017 الأربعاء ,28 حزيران / يونيو

أسرة مسلسل "ظل الرئيس" ضيوف بوسي شلبي على المحور

GMT 09:34 2021 الأحد ,21 شباط / فبراير

قائمة بأكثر الدول تضررًا من وباء كورونا

GMT 22:12 2020 الجمعة ,05 حزيران / يونيو

مصادر تؤكد أن محمد هنيدي تعافى من أزمة قلبية

GMT 02:32 2019 الأربعاء ,02 كانون الثاني / يناير

بارلي تشدد على إنهاء "داعش" قبل الانسحاب الأميركي من سورية

GMT 02:14 2018 الخميس ,27 كانون الأول / ديسمبر

لاعب الأهلي عبد الفتاح عسيري يفتح باب الرحيل للاتحاد
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
alsaudiatoday alsaudiatoday alsaudiatoday
alsaudiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab