أوباما بين فلسطين وحلب

أوباما.. بين فلسطين وحلب

أوباما.. بين فلسطين وحلب

 السعودية اليوم -

أوباما بين فلسطين وحلب

بقلم : خير الله خير الله

ما صدر عن إدارة باراك أوباما في شأن الاستيطان الإسرائيلي كان بمثابة فعل ندامة. جاء الموقف الأميركي من القرار الأخير لمجلس الأمن ليؤكّد أن هناك وعيا في واشنطن لخطورة الاستيطان وللسياسة التي تتبعها أكثر الحكومات يمينية في تاريخ إسرائيل. لم يتردّد وزير الخارجية جون كيري في قول الأمور كما هي عندما اعتبر أن الاستيطان، أي الاستمرار في عملية قضم أراضي الضفّة الغربية المحتلة، يقطع الطريق على خيار الدولتين، أي على أيّ تسوية معقولة ومقبولة وشبه عادلة.

لن يعود من خيار في إسرائيل سوى خيار الدولة الواحدة القائمة على احتلال الضفّة الغربية وإبقاء المواطنين الفلسطينيين تحت الاحتلال. هل هذا يؤسس لسلام أم لمزيد من العنف في المدى الطويل؟

كيف يمكن لدولة مثل إسرائيل تعتبر نفسها دولة “ديمقراطية” ممارسة الاحتلال والتمييز العنصري في الوقت ذاته؟ تلك كانت خلاصة ما خرج به جون كيري الذي عمل طويلا من أجل تسوية بين الفلسطينيين والإسرائيليين، لكنّه اصطدم بجدار التصلّب الإسرائيلي والرغبة في استمرار الاحتلال والرهان على عامل الوقت أيضا.

تكمن المشكلة في أنّ القرار الصادر عن مجلس الأمن بموافقة أميركية جاء متأخرا، بل متأخّرا جدّا. المشكلة الأكبر أن الفلسطينيين لن يستطيعوا البناء عليه نظرا إلى غياب الاستمرارية الأميركية. نسف دونالد ترامب بشكل مسبق إمكان البناء على موقف مُعتمد من إدارة أوباما الذي أمضى ثماني سنوات في البيت الأبيض في موقع المتفرّج على الاحتلال الإسرائيلي. لم يفعل شيئا إلا بعدما وضبّ أغراضه الشخصية واستعد للعودة إلى بيته. كان أوباما يعرف تماما أنّ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو أقوى منه في واشنطن. استسلم أمامه طوال ثماني سنوات. لم يردّ عليه، إلّا بعدما لم تعد من فائدة تذكر من الردّ.

ليس موقف أوباما من سوريا أفضل من موقفه من الاستيطان الإسرائيلي. يكاد هذا الموقف يكون أسوأ. لم يلتزم الرئيس الأميركي الذي سيسلّم مهماته إلى دونالد ترامب في العشرين من كانون الثاني – يناير الجاري بأي وعد من الوعود التي قطعها. لم يقدّم أي مساعدة للشعب السوري الذي ثار من أجل استعادة بعض من كرامته.

بالنسبة إلى فلسطين، تراجع باراك أوباما أمام “بيبي” الذي ذهب إلى البيت الأبيض وتحداه في عقر داره. وفي مرّة أخرى، خطب رئيس الوزراء الإسرائيلي أمام الكونغرس بدعوة مباشرة منه متجاوزا البيت الأبيض والمقيم فيه. صفّق الشيوخ والنوّاب الأميركيون طويلا لـ“بيبي” الذي تعمّد تجاهل الرئيس الأميركي عن سابق تصوّر وتصميم.

يردّ باراك أوباما على الإهانة التي وجّهها إليه رئيس الوزراء الإسرائيلي في وقت لم تعد فائدة من الردّ. لا يزال يقف عاجزا حيث كان يمكن لأيّ تحرك أميركي أن يؤدي إلى نتائج على الأرض، أي في سوريا. كان النظام السوري، الذي لا يفهم سوى لغة القوّة، على استعداد للرحيل نهائيا عن سوريا صيف العام 2013 بعد استخدام بشّار الأسد السلاح الكيميائي ضدّ شعبه. فضّل باراك أوباما، وقتذاك، الاستماع إلى نصائح فلاديمير بوتين متناسيا أنّه كان رسم لبشّار الأسد “خطا أحمر”. أصيب الرئيس الأميركي بعمى الألوان فجأة. ترك بشّار الأسد يستخدم البراميل المتفجّرة في حربه على السوريين. ربّما فعل أوباما ذلك من منطلق أن القتل الذي تتسبب به البراميل المتفجّرة قتل رحيم…

في فلسطين، استسلم الرئيس الأميركي أمام “بيبي” وفي سوريا، استسلم أمام الإيراني والروسي. أراد حماية الاتفاق في شـأن الملفّ النووي الإيراني بالدماء السـورية. لم يكن لـدى إيران أيّ مانع في ذلك.

تُعتبر حلب شاهدا على غياب الإنسانية لدى الرئيس الأميركي الأسود الذي تبيّن أن ليس لديه ما يقدّمه للعالم المتحضّر. نراه يغادر البيت الأبيض تاركا العالم في يد دونالد ترامب الذي يظلّ بالنسبة إلى الكثيرين شخصا غريب الأطوار ليس معروفا ما الذي سيفعله، باستثناء أنّه اختار وزيرا للخارجية هو ركس تيلرسون يعرف كيف يكون التعاطي مع الجانب الروسي، وكيف تعقد الصفقات مع موسكو ومع رجال الحلقة المحيطة ببوتين.

يخرج باراك أوباما من البيت الأبيض بعد ربع قرن على الإعلان الرسمي عن نهاية الاتحاد السوفياتي. في الواقع، انهار الاتحاد السوفياتي يوم سقط جدار برلين في تشرين الثاني – نوفمبر 1989، لكنّ الإعلان الرسمي عن النهاية كان في آخر العام 1991.

أعاد باراك أوباما الحياة إلى الاتحاد السوفياتي مجسّدا بروسيا فلاديمير بوتين بعدما تراجع عن لعب أي دور في سوريا مكتفيا بالكلام الكبير عن ضرورة رحيل بشّار الأسد. سيرحل بشّار الأسد لأنّ لا مكان له لا في سوريا ولا في غير سوريا. كلّ ما فعله حتّى الآن هو تسليم البلد للروس والإيرانيين والأتراك الذين يحتلون جزءا من الأراضي السورية. أكثر من ذلك، وفّر الأسد الابن الغطاء اللازم للقضاء على المدن السورية الكبيرة وتهجير أهلها أو تغيير الطبيعة السكّانية فيها كما حال دمشق ومحيط دمشق.

سيذكر التاريخ أن باراك أوباما كان أول رئيس أسود للولايات المتحدة. سيذكره بأنّ سياسته الخارجية وطريقة تعاطيه مع المؤسسات الأميركية، بما في ذلك وزارة الخارجية ووزارة الدفاع والأجهزة الأمنية، ساهمتا في إيصال دونالد ترامب إلى البيت الأبيض. فضّل الأميركيون الدخول في مغامرة إلى المجهول على أن يكون رئيسهم من الحزب الديمقراطي الذي ينتمي إليه أوباما.

لن يذكر التاريخ أوباما سوى بأنه قام بعمل بطولي في المواجهة مع رئيس الوزراء الإسرائيلي… ولكن بعد فوات الأوان. لعب أوباما كلّ الأدوار واتخذ كلّ المواقف التي أرادها له فلاديمير بوتين. وقف عاجزا أمام المأساة السورية. لم يفعل شيئا في حلب كي لا تغضب منه إيران. كان أسير مجموعة من الرجال والنساء المعجبين بإيران أحاطوا به وجعلوه ينسى أن الولايات المتحدة انتصرت في الحرب الباردة ولم تخرج منها مهزومة وأن برلين الغربية انتصرت على برلين الشرقية وليس العكس…

عندما دخل باراك أوباما البيت الأبيض مطلع العام 2009، ساد شعور بأنّ رئيس القوة العظمى الوحيدة في العالم يحمل معه مزيدا من الإنسانية. يخرج من البيت الأبيض، فيما الولايات المتحدة أقلّ إنسانية من أيّ وقت. سوريا شاهدة على ذلك. تجسّد مأساة حلب ذروة اللانسانية في عالم كان الرهان فيه على أن انتخاب أميركا رئيسا أسود لها سيشكل تحديا لكلّ من يؤمن بالإرهاب والترهيب ولغة القوّة والاحتلال. لم يحدث شيء من ذلك. العالم كلّه تحت رحمة الإرهاب والترهيب والقوّة. هذا ما كشفته المأساة السورية… هذا ما كشفته السنوات الثماني لباراك أوباما في البيت الأبيض. إنّه عالم جاء به أوباما.

arabstoday

GMT 15:01 2024 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

من غزو العراق... إلى حرب غزّة

GMT 15:50 2024 الإثنين ,15 كانون الثاني / يناير

المغرب وحقوق الإنسان... انتصار طبيعي

GMT 16:04 2024 الأربعاء ,10 كانون الثاني / يناير

البُعد الإيراني للتصرفات الحوثيّة

GMT 10:41 2024 الأحد ,07 كانون الثاني / يناير

حرب من دون أفق سياسي

GMT 09:01 2024 الجمعة ,05 كانون الثاني / يناير

إيران تدخل لبنان حرباً معروفة النتائج!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أوباما بين فلسطين وحلب أوباما بين فلسطين وحلب



أجمل فساتين السهرة التي تألقت بها سيرين عبد النور في 2025

بيروت - السعودية اليوم

GMT 17:14 2025 الأربعاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

رياض محرز يسجل أسرع هدف في كأس أمم أفريقيا 2025
 السعودية اليوم - رياض محرز يسجل أسرع هدف في كأس أمم أفريقيا 2025

GMT 15:24 2025 الأربعاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

هيئة الصحة السعودية تؤكد فعالية لقاح الإنفلونزا ضد سلالة K32
 السعودية اليوم - هيئة الصحة السعودية تؤكد فعالية لقاح الإنفلونزا ضد سلالة K32

GMT 16:31 2021 الخميس ,07 كانون الثاني / يناير

حظك اليوم برج العذراء الخميس 7 يناير/كانون الثاني 2021

GMT 16:02 2020 الأحد ,12 إبريل / نيسان

إنبي يطالب بتقليص عدد المحترفين في الدوري

GMT 16:10 2018 الأربعاء ,24 كانون الثاني / يناير

تركي آل الشيخ يحذر الأندية السعودية من خرق ميثاق الشرف

GMT 23:12 2016 الخميس ,18 آب / أغسطس

تطبيق VOLO لتسجيل كل لحظاتك أثناء السفر

GMT 03:17 2015 الثلاثاء ,08 كانون الأول / ديسمبر

"أيس كيو" مطعم يشكل مستقبل سولدين

GMT 01:20 2015 السبت ,12 أيلول / سبتمبر

ليندسي لوهان تشارك في حفل عشاء خيري في لندن

GMT 23:30 2017 الجمعة ,02 حزيران / يونيو

كارلوس إدواردو يرغب في العودة إلى البرازيل

GMT 16:47 2023 الخميس ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

ديوكوفيتش يصعد للدور الثاني من دورة باريس

GMT 06:25 2020 الأربعاء ,15 إبريل / نيسان

اكتشاف دواء لمكافحة "كورونا"

GMT 04:05 2019 الجمعة ,26 تموز / يوليو

قطط زرقاء روسية تُثير إعجاب آلاف المستخدمين
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
alsaudiatoday alsaudiatoday alsaudiatoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh Beirut - Lebanon.
lebanon, lebanon, lebanon