بقلم : خالد منتصر
يستطيع الإخوان المسلمون التملص من كل جرائمهم الدنيئة وإنكارها بكل ما امتلكوه من قدرة على الكذب والتقية الثعبانية التى يستطيعون معها إقناعك بأن الشمس قد أشرقت من الغرب، يخرجون كالشعرة من العجين، إلا جريمة قتل محمود النقراشى التى ثبتت عليهم بالأدلة والوثائق والاعترافات، فماذا يفعلون أمام هذا الفخ، وكيف يخرجون من ذلك المأزق؟، لجأوا إلى حيلة شريرة وهى الترويج لفكرة أن النقراشى سفاح وقتل الطلبة ولذلك فهو يستحق القتل، وأن إطلاق الرصاص عليه أمام المصعد فى عرينه ومكان عمله هو مجرد انتقام وطنى!!، ولأن التاريخ الآن من السهل تزييفه ببوستات وتويتات وجعل النتائج الأولى لجوجل من خلال الخوارزميات تعطى للجيل الجديد تاريخًا بديلًا، كان لابد أن ألجأ لحفيدة النقراشى التى كتبت واحدًا من أهم الكتب عن هذا الزعيم السياسى الذى واجه تلك العصابة بكل جسارة، ودفع حياته ثمنًا لموقفه، تقول د. هدى أباظة أستاذ اللغة الفرنسية بآداب عين شمس فى رسالتها:
قتل محمود فهمى النقراشى يوم ٢٨ ديسمبر ١٩٤٨ على يد محمود عبد المجيد بأمر من حسن البنا مؤسس الجماعة. ومنذ سبعة وسبعين عامًا، منذ ذلك التاريخ البعيد لا تكف الجماعة عن إعادة اغتياله من جديد، واغتيال سيرته الناصعة بكافة الوسائل. محمود فهمى النقراشى شهيد لأنه قتل وهو يؤدى عمله، وهو يؤدى الأمانة، أمانة المسؤولية والواجب، وهو شهيد لأنه كان يعلم علم اليقين، وهو يوقع قراره التاريخى بحل جماعة الإخوان المسلمين أنه يوقع فى الوقت نفسه قرار موته، فهو لم يوقعه بقرار عشوائى عفو الخاطر، ولكن بعد أن شهدت البلاد موجة من أعمال العنف بدءًا من القنابل فى السينمات، والقنبلة التى أريد لها تفجير إحدى المحاكم، ومقتل أحمد باشا ماهر، سلفه العظيم، وأخيرًا الخازندار، القاضى الجليل.. وتلك كانت الطامة الكبرى للنقراشى الذى رأى فى هذه الحادثة تهديدًا مباشرًا وفجًا للعدالة، وذلك بعد أن توافرت لديه الأدلة الدامغة على تورط الجماعة بعد إيقاف السيارة الجيب المحملة بوثائق ومستندات تدل بشكل دامغ على تورط الجماعة فى مؤامرات سابقة ومستقبلية كانوا يخططون لها، وكانوا يحاولون تهريب هذه الأوراق من منزل إلى آخر بعد أن استشعروا الخطر عليهم. أما حادثة كوبرى عباس التى تروج لها بعض الأقلام كخنجر فى خاصرة سمعة النقراشى، فهو حادث تم تشويهه على هوى الأغراض السياسية. ولمن أراد الوقوف على توصيف دقيق للأحداث عليه بالعودة لعدد جريدة الأهرام الصادر فى اليوم التالى للأحداث، ولم تكن الأهرام جريدة حزبية، فالواقع أن الكوبرى لم يفتح بأمر من وزير الداخلية (محمود فهمى النقراشى)، بل من قبل الطلبة أنفسهم، مستعينين بالمهندس المختص. وكان الطلبة قد خرجوا من جامعة القاهرة (فؤاد الأول آنذاك) يتظاهرون مطالبين بالجلاء، وقد كانت الأحكام العرفية المفروضة تحظر التظاهر، فتصدت لهم قوات البوليس فى نهاية الكوبرى، وأمرتهم بالتفرق، فلم يذعنوا، بل إنهم قذفوا أفراد البوليس بالطوب، وأصيب بعض أفراد البوليس. فانهال عليهم بالعصى، وقد بلغت الإصابات ٣٦ إصابة شاملة إصابة الطلبة والسابلة الذين تصادف وجودهم على مسرح الأحداث. ويتفق هذا الوصف للأحداث مع ما ورد فى رواية عبدالرحمن الرافعى (ولقد كان منتميا للحزب الوطنى، الذى لا يمكن اتهامه بالتعاطف مع السعديين الممثلين فى النقراشى): بالغ الرواة فى تصوير [هذه الحادثة]، إذ جعلوا منها فيما بعد دعاية سياسية ضد وزارة النقراشى، وزعموا أن بعض الطلبة قتلوا فيها، وأن بعضهم غرقوا فى النيل من أعلى الكوبرى، وقد تحققنا أنه لم يقتل أحد فى هذه الواقعة، بل وتتفق على رواية شاهد من أهلها، عادل كمال، وهو أحد أعضاء التنظيم السرى لجماعة الإخوان المسلمين، رغم ما شاب هذه الشهادة من تناقض مثير للسخرية (مذبحة لم يقتل فيها أحد)، فهو يقرر أن: «أحدا لم يقتل يومها برغم أن كثيرين ألقوا بأنفسهم من فوق الكوبرى إلى النيل أو إلى الضفة الطينية من جهة الجيزة، ولكنها على أى حال كانت مذبحة أسفرت عن مئات من الجرحى.. » (النقط فوق الحروف).
رحم الله النقراشى الذى استقال من منصبه بعد هذه الواقعة، ضاربًا المثل بتحمل المسؤولية عن أحداث مؤلمة على كل حال، ولقد أدلى بشهادته، أمام مجلس النواب، وبما توافر لديه من معلومات تدل على تورط عدة جهات فى هذه الأحداث، خاتمًا حديثه بهذه الكلمات: «هل يرى بعضهم أن الطلبة أبناؤنا، وأن رجال البوليس، وركاب الترام والسابلة وأصحاب الحوانيت ليسوا أبناء الأمة؟... »، ولكننا اعتدنا أن دعاية الإخوان تنشط فى شهر ديسمبر من كل عام مع حلول تاريخ استشهاد رجل عرف معنى الشهادة، كما قال له المفكر العظيم محمود عباس العقاد، وهو يهدى له كتابه عن الحسين أبوالشهداء.